مخاوف أوباما من «المستنقع السوري»
سياسة أميركا في سوريا تثير أسئلة تشغل بال محللين كثيرين في ظل غموض وما يشبه الحيرة من البيت الأبيض. فبرغم التصريحات الأميركية حول فقدان الرئيس بشار الأسد شرعيته ووجوب رحليه، نرى مسؤولين أميركيين يحثون المعارضة كي تجلس إلى الطاولة معه. الأمر المؤكد والحتمي حتى هذه اللحظة على الأقل، هو أن واشنطن لا تنوي لعب دور عسكري ملموس ومباشر لمساندة المعارضة المسلحة، سواء كان ذلك بإدخال قوات إلى الأراضي السورية أو فرض منطقة حظر طيران أو حتى إرسال السلاح. ومن اجل فهم ماهية هذه السياسة التي يتبعها الرئيس الأميركي باراك أوباما يمكن العودة إلى مقال للصحافي بوب وودوارد في صحيفة «واشنطن بوست» نشر في السابع والعشرين من شهر كانون الثاني تحت عنون «لماذا اختار اوباما هيغل».
يقول وودوارد، المعروف بعلاقته القوية بالبيت الأبيض، إنه في أوائل عام ألفين وتسعة، أي بعد أشهر على تسلم أوباما مهامه في سدة الرئاسة، قام هيغل بزيارة الرئيس الأميركي الجديد. ولقد سأل أوباما صديقه عن رأيه في السياسة الخارجية والقضايا المرتبطة بشؤون الدفاع، فأجاب هيغل: «لقد دخلنا في وقت حيث هناك نظام عالمي جديد. ونحن لا نسيطر عليه. عليك أن تشك في كل شيء وفي كل فرضية وفي كل ما يقوله المسؤولون العسكريون والديبلوماسيون. أي فرضية عمرها عشرة أعوام قد انتهت صلاحيتها. عليك أن تسأل عن الدور الذي سنلعبه. عليك أن تستجوب الجيش. عليك أن تستجوب عن الغاية المرجوة من وراء إستخدام القوة العسكرية».
من هنا يمكن فهم رفض أوباما لخطة تقديم المساعدات العسكرية للمعارضة السورية، والتي كان قدمها المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA» الجنرال ديفيد بترايوس الصيف الماضي والتي حظيت بتأييد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلنتون. وكذلك ما كشفته مجلة «فورين بوليسي» مؤخراً حول رفض أوباما خطة مماثلة، رغم أنها حظيت بتأييد كبار المسؤولين الأميركيين من وزير الخارجية جون كيري إلى نائب الرئيس جوزيف بايدن إلى مستشار الأمن القومي توم دونيلون، وذلك قبل مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي عقد في روما خلال شهر شباط الماضي. ويمكن إدراج الأسباب التالية التي تحول دون لعب دور عسكري أميركي في الأزمة السورية:
لقد اقتصر استخدام القوة العسكرية في عهد أوباما على استخدام الطائرات من دون طيار في دول مثل اليمن وباكستان بهدف القضاء على العناصر التابعة «للقاعدة» والمجموعات الأصولية. ويخوض أوباما هذه المعركة (طبعاً دون اللجوء إلى العنصر البشري الأميركي على الأرض)، باعتبار أن المعركة ضد «القاعدة» تعتبر معركة ضرورية، ذات أهمية بالنسبة للمصالح القومية الأميركية. كما أن أوباما يريد أن يُعرَف بأنه الرئيس الذي واجه تنظيم القاعدة، الذي شن الهجمات على الأراضي الأميركية في الحادي عشر من أيلول، ومن هنا تمكن الإشارة إلى عملية اغتيال أسامة بن لادن. الرئيس الأميركي لا يعتبر أن الدخول في اللعبة العسكرية السورية هي معركة ضرورية «war of necessity»، بل معركة اختيارية «war of choice» يجب تجنبها. حتى ان مساندة المعارضة المسلحة وتمكينها من التغلب على النظام السوري قد يأتي بنظام أصولي يشكل تهديداً أكبر بكثير للمصلحة الاميركية من بقاء الرئيس بشار الاسد وينسف الإنجاز الذي حققه أوباما حتى الآن ضد «القاعدة» وزعمائها. فالدور الاميركي الذي يحكى عنه في ما يخص مشاركة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «CIA» بتدريب ما يسمى القوى المعتدلة في المعارضة والتأكد من الأطراف التي تحصل على السلاح الذي يأتي من حلفاء واشنطن الإقليميين، إنما هو مرتبط بالقلق من العناصر الأصولية أكثر من الرغبة الأميركية بالتخلص من الأسد.
كما في الملف الإيراني، يرى أوباما أن أثمان الدخول في اللعبة العسكرية السورية أكبر بكثير من المكتسبات، خاصة في فترة الانحدار الاميركي وبعد مقتل السفير الاميركي في بنغازي على أيدي متطرفين في الذكرى السنوية لاحداث الحادي عشر من أيلول. هذا التوجه يختلف طبعاً عن توجه حلفاء واشنطن وعلى رأسهم إسرائيل والسعودية اللتان تعتبران ان سقوط الأسد يمثل إنجازاً استراتيجياً كبيراً ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. (لقد صرح المسؤول الاسرائيلي البارز عاموس جلعاد مؤخراً بان التهديد المتمثل بـ«القاعدة» اقل بكثير من التهديد الذي يمثله مثلث التحالف بين ايران وسوريا الأسد و«حزب الله»).
بالرغم من أن أوباما استمر بمعظم السياسات التقليدية وخاصة تلك المتعلقة بدعم إسرائيل، غير أنه لا يعتبر من الصقور وأظهر إدراكاً وفهماً بأن العالم اليوم لم يعد تحت سيطرة الولايات المتحدة وحدها، بل بصدد العودة إلى نظام متعدد الأقطاب.
في ظل توجه أميركي كهذا، السؤال المطروح يبقى: إلى أين تتجه الأزمة السورية؟ بالرغم من هذا التوجه، فلا يزال حلفاء واشنطن الإقليميون يضعون كل ثقلهم من اجل الإطاحة ببشار الاسد. ولهذا دلالة ذات وجهين: الوجه الأول هو أن حلفاء واشنطن، بسبب الانحدار الأميركي باتوا مستعدين لخوض سياسات مستقلة، حتى إذا كان ذلك من دون موافقة البيت الأبيض. والوجه الآخر، هو أن إسرائيل وحلفاءها بالكونغرس. بمن فيهم المحافظون الجدد بقيادة جون مكاين ولينزي غراهام، لن يقبلوا بأي تسوية سياسية تحافظ على قوة محور الممانعة.
علي رزق
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد