مستقبل السياسات الأمريكية بقيادة باراك أوباما (1)
الجمل: برغم الحملة الانتخابية الرئاسية الساخنة والضجة الإعلامية الكبيرة التي رافقتها فقد استطاع المرشح الديمقراطي باراك أوباما أن يفوز بكل سهولة على منافسة المرشح الجمهوري جون ماكين بنتيجة 349 مقابل 147 نقطة، وبذلك يصبح أوباما الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.
* خارطة طريق أوباما إلى البيت الأبيض الأمريكي:
يأتي كل رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض وهو يحمل العديد من الأجندة التي تمثل وتجسد تطلعاته في تسيير دولاب الإدارة الأمريكية وبالنسبة للرئيس الجديد باراك أوباما فإن أجندته تمثل في حقيقة الأمر المحتوى الذي ظل يوظفه لجهة إدارة صراعه ضد الجمهوريين سواء داخل الكونغرس الأمريكي أو في الحملة الانتخابية الرئاسية.
تشير معطيات خبرة الحملات الانتخابية السابقة إلى أن قضايا وملفات السياسة الداخلية الأمريكية كانت الأكثر تأثيراً في توجيه تفضيلات الناخبين الأمريكيين في التصويت لاختيار أعضاء الكونغرس، أو التصويت لاختيار الرئيس الأمريكي وكانت تأتي بعدها لجهة الترتيب قضايا البيئة والتجارة أما السياسة الخارجية فلم يكن لها أي تأثير حاسم على تفضيلات هؤلاء الناخبين.
الانقسام بين توجهات الجمهوريين والديمقراطيين كان يقوم على أساس تسويق الجمهوريين لملفات الأمن القومي الأمريكي في مواجهة تسويق الديمقراطيين لملفات الاقتصاد الأمريكي ولكن في هذه الانتخابات فقد تصاعدت عملية تسويق نفس الملفات ولكن مع فارق واحد تمثل في خلفيات عملية التسويق السياسي والانتخابي التي اعتمدت على متغير الموقف من الحرب ضد الإرهاب ومتغير السياسة الخارجية الأمريكية وتفعيل هذين المتغيرين لتوضيح تداعيات كل واحد منها على ملفات الأمن القومي الأمريكي وملفات الاقتصاد الأمريكي. أما بروز دور ملفات الأمن القومي الأمريكي وملفات الاقتصاد فقد كان بسبب:
• تداعيات مبدأ الضربة الاستباقية واعتماده بواسطة مجلس الأمن القومي الأمريكي كمذهبية رسمية مؤسسة لجهة توجيه السياسة الخارجية الأمريكية وسياسة الأمن والدفاع الأمريكي.
• تداعيات العجز المالي الأمريكي بسبب التمادي في تمويل الحروب وذلك على النحو الذي ترتب عليه أزمة نقدية أدت إلى هبوط سعر صرف الدولار الأمريكي وتزايد عجز المؤسسات المالية والنقدية الأمريكية الذي وصل إلى قمته في الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت بقطاع تجارة الخدمات المالية الأمريكية.
خاض أوباما الصراع الرئاسي ضمن مرحلتين يمكن استعراضهما على النحو الآتي:
• المرحلة الأولى: داخل الحزب الديمقراطي: كانت هذه المرحلة الأصعب في صعود أوباما، فقد كان عليه أن يخوض الصراع ضد أجنحة الحزب الديمقراطي الداخلية ثم بعد ذلك خاض صراعاً ضد المرشحين المنافسين له داخل الحزب وكانت المرحلة الأكثر صعوبة هي تلك المواجهة التي دارت بينه وبين المرشحة هيلاري كلينتون.
• المرحلة الثانية: الصراع ضد الحزب الجمهوري: كانت هذه المرحلة سهلة نسبياً، بسبب تدني شعبية الحزب الجمهوري نتيجة التوجهات السابقة لإدارة بوش، وذلك لأن جماعة المحافظين الجدد استطاعت التغلب داخل الحزب الجمهوري على جماعة المحافظين التقليديين بما أدى إلى صعود مرشح يمثل نسخة طبق الأصل من الرئيس بوش ثم ارتكبت هذه الجماعة خطأً فادحاً أكبر باختيارها لسارة بالين مرشحةً لمنصب نائب الرئيس، الأمر الذي ترتب عليه انخفاض شعبية الحزب، وإضافة لذلك، لم يهتم الجمهوريون كثيراً في حملتهم بملف الأزمة المالية الأخيرة التي كان تأثيرها كارثياً على موقف مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة.
وخلال هاتين المرحلتين لعبت مدخلات الصراع دوراً كبيراً لجهة معادلة توجيه زخم ديناميكيات الصراع بما يؤدي إلى التأثير على ميول وتفضيلات الناخبين الأمريكيين وتمثلت أبرز هذه المدخلات في الآتي:
• الاستخدام المتزايد للماكينات الإعلامية وكان تفوق الجمهوريين أكبر وقد سبق ذلك تفوق أكبر لصالح هيلاري كلينتون خلال حملة الانتخابات الحزبية الداخلية.
• الاستخدام المتزايد للمال السياسي: وفي هذا الجانب لعبت اللوبيات وشركات المجمع الصناعي العسكري دوراً واضحاً ولكن على النحو الذي شابه الانقسام، فاللوبي الإسرائيلي والشركات النفطية وشركات السلاح دفعت بسخاء لتمويل حملة المرشح الجمهوري ماكين بينما قامت اللوبيات الأخرى والشركات الصناعية غير العسكرية والمؤسسات المالية والتجارية بتقديم الكثير من المبالغ لتمويل حملة المرشح الديمقراطي أوباما، هذا وتشير الإحصائيات الميدانية إلى أن تكاليف تمويل حملة الجمهوريين كانت أكبر من تكاليف حملة الديمقراطيين.
لكن، برغم تفوق الجمهوريين الإعلامي والمالي، فقد نجحت مفاعيل تداعيات أزمة الحرب ضد الإرهاب ومفاعيل تداعيات الأزمة المالية في فرض حضورها القوي على الناخبين الأمريكيين وهم يتقدمون نحو صناديق الاقتراع.
* انتصار الديمقراطيين على الجانب الآخر:
ترافقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع انتخابات الكونغرس الفرعية المحددة لجهة ملء المقاعد الشاغرة وتقول المعلومات بأن الديمقراطيين استطاعوا أن يعززوا موقفهم أكثر فأكثر داخل الكونغرس وعلى خلفية ذلك تغيرت توازنات القوى داخل الكونغرس لصالح الديمقراطيين، ويمكن الإشارة لذلك على النحو الآتي:
• في مجلس النواب الأمريكي: كان التوازن السابق يتضمن وجود 235 نائباً ديمقراطياً في مواجهة 199 نائباً جمهورياً، ولكن بعد الانتخابات الفرعية التي رافقت الانتخابات الرئاسية حصل الديمقراطيون على 11 مقعداً مقابل 9 للجمهوريين وبذلك أصبح الموقف يتمثل في وجود 249 نائباً ديمقراطياً في مواجهة 185 نائباً جمهورياً.
• في مجلس الشيوخ: كان التوازن السابق يتضمن وجود 51 سيناتوراً ديمقراطياً في مواجهة 49 سيناتوراً جمهورياً، ولكن بعد الانتخابات الفرعية التي رافقت الانتخابات الرئاسية حصل الديمقراطيون على 5 مقاعد وبذلك أصبح الموقف يتمثل في وجود 56 سيناتوراً ديمقراطياً في مواجهة 44 سيناتوراً جمهورياً.
أدت هذه الانتخابات الفرعية إلى تعزيز موقف الديمقراطيين داخل الأجهزة التشريعية ونقطة الضعف الوحيدة التي تقف أمامهم هي أن الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ ليست كافية للحصول على 60% من الأصوات وهو العدد المطلوب لتمرير القرارات بالأغلبية الساحقة، وبالتالي فإن ما هو متاح أمام الديمقراطيين حالياً هو تمرير القرارات بالأغلبية الميكانيكية العادية ولكن بسبب احتمالات لجوء الرئيس بوش خلال الشهرين القادمين اللذان بقيا من فترته الرئاسية لاستخدام حق الفيتو الرئاسي ضد قرارات الكونغرس فإن أمام الديمقراطيين خلال هذين الشهرين خياران:
• خيار الصدام مع الجمهوريين: ويتمثل في قيام الديمقراطيين بتقديم العرائض المتعلقة بالقضايا والملفات الحساسة التي ترفضها إدارة بوش كموضوع الانسحاب من العراق وتمرير القرار بالأغلبية الميكانيكية البسيطة وبعد ذلك يستخدم الرئيس بوش حق الفيتو بحيث يكون أمام الكونغرس أمام خيار الموافقة على اعتراض الرئيس أو خيار إعادة التصويت على القرار مرة أخرى داخل الكونغرس بحيث أنه إذا حصل على 60% من الأصوات فإنه يصبح ملزماً لإدارة بوش، ولكن بسبب عدم وجود هذه الـ 60% من الأصوات فإن أمام الديمقراطيين في هذه الحالة إما القبول بالاعتراض الرئاسي أو التفاوض مع الجمهوريين حول قرار جديد يتضمن صفقة بين الطرفين.
• خيار التجميد المؤقت: وسيتمثل في قيام الديمقراطيين بتجميد مشروعات القرارات التي يرفضها الجمهوريون ريثما يتولى أوباما مهامه رسمياً في كانون الثاني القادم وبعد ذلك بإمكان الديمقراطيين تمرير قراراتهم بالأغلبية البسيطة في الكونغرس ورفعها إلى إدارة الرئيس أوباما التي بالضرورة ستقوم بموضعها موضع التنفيذ.
هذا، وتشير أغلب التوقعات إلى أن الديمقراطيين سيرتبون الأمور لجهة تفادي الصدام مع الجمهوريين، ولكن برغم ذلك ستكون المهمة الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي هي النظر في تمرير مشروعات تقديم الدعم المالي الكافي لإنقاذ قطاع الخدمات المالية من الأزمة الحالية بما يؤدي إلى تفادي الضغوط الأزموية الزاحفة ويدرأ شبح الانهيار المالي الكامل للقطاع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد