مسرح ممدوح عدوان بين الفرجة والتحريض
أطلقت إلهام عبد اللطيف دار نشر جديدة، حملت اسم رفيق دربها الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان. وتسعى هذه الدار الدمشقية إلى تأصيل مشروع ثقافي عربي تنويري، ينفتح على التجارب الإبداعية الجديدة، ويواصل القيم الثقافية التي أرساها صاحب “تلويحة الأيدي المتعبة” (1970)، هذه القيم التي تستند إلى السجال والجدل والأسئلة الحادة. والمعروف أن
ممدوح برز أيضاً بشكل أساسي كاتباً للمسرح، من هنا اختيار الدار أن تبدأ نشاطها بإصدار “الأعمال المسرحية الكاملة” في ثلاثة مجلدات، تضمّ 27 نصاً هي حصيلة ما كتبه مدى ثلاثة عقود. من “المخاض”(1967)، وصولاً الى “الكلاب” التي أنجزها قبل رحيله (2004)، ومروراً بـ“حال الدنيا” و“أكلة لحوم البشر” و“سفر برلك”... محطات مهمة في رحلة طويلة من المكابدات المسرحية، والتجريب الخلّاق من أجل تأصيل نص مسرحي عربي يقوم على عناصر الفرجة الشعبية كرهان على علاقة جدلية بين الخشبة والمتلقي. وقد بنى الراحل نصوصه في فضاء مفتوح، على مفردات أصيلة مثل “الحكواتي” و“الراوي” و“المغنّي” تارة، والموروث الحكائي طوراً، في إحالات معاصرة تنهض على إشارات تحريضية تشتبك مع المتفرج مباشرة.
لكن ممدوح عدوان، على أي حال، لا يتوقف عند أسلوب واحد ينظم خياراته المسرحية، بل تتعدد مناخاته، من المسرح الشعري في بداياته، كما في “المخاض” و“ليل العبيد” التي منعت ليلة عرضها، إلى مقاربة شخصيات شكسبير وأنفاس تشيخوف، لتعرية الضعف البشري، أو استيحاء أجواء “ألف ليلة وليلة” كما في “حكايا الملوك”، والملاحم الشعبية مثل “سفر برلك”... وصولاً إلى المونودراما، كما في “حال الدنيا” و“الخدّامة” و“القيامة” و“الزبال”. ولم يتوان ممدوح عن استخدام العامية في الحوار لردم المسافة بين الخشبة والجمهور، حتى إنّه في بعض النصوص، يلجأ إلى كسر الإيهام ويقود الممثل إلى الصالة ليخاطب المتفرج مثلما فعل في “محاكمة الرجل الذي لم يحارب”. إن ممدوح عدوان المسرحي لا يختلف كثيراً عن صورته شاعراً، في نزقه واحتجاجه على الظلم والقمع ومصادرة الأحلام، متحركاً ضمن دائرة تتسع وتضيق في مقاربة الحلم والرغبة والغريزة والخوف.
خليل صويلح
إضافة تعليق جديد