مصر: «الإخوان» تحاكم القضاء في الشارع

20-04-2013

مصر: «الإخوان» تحاكم القضاء في الشارع

اقترب الشاب من منصة الإسلاميين الموجودة أمام دار القضاء العالي في وسط القاهرة، ثم صعد عليها، ليعلن استقالته من حزب الدستور «الليبرالي الذي يترأسه محمد البرادعي»، وانضمامه إلى التيار الإسلامي، قبل أن ينطق بالشهادتين، فيردد خلفه الآلاف من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» المتظاهرين: «الله أكبر»!
هذا المشهد الذي تندر عليه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» و«تويتر»، وربطوا بينه وبين الأفلام المصرية التي تحدثت عن فجر الإسلام، يلخص المعنى الذي هدفت إليه جماعة «الإخوان»، عندما دعت إلى التظاهر في الشارع أمس للمرة الأولى منذ ستة أشهر، للمطالبة بما أسمته بـ«تطهير القضاء». أما المعارضة فاعتبرت ما حصل، التحرك الأول للبدء بمذبحة للقضاء. والمشهد باختصار يعني أن المتظاهرين هنا هم المسلمون الأخيار، وغيرهم هم الكفار.
يذكر أن جماعة «الإخوان المسلمين» دعت إلى التظاهر أمام دار القضاء العالي، رداً على أحكام قضائية عدة صدرت ضد قرارات الرئيس محمد مرسي، ومن بينها خاصة حكم صدر الشهر الماضي بعدم قانونية عزل النائب العام السابق عبد المجيد محمود، وتعيين المستشار الحالي طلعت عبد الله بدلا منه. احد انصار «الاخوان» يرشق الحجارة باتجاه متظاهرين معارضين خلال الاشتباكات في وسط القاهرة أمس (أ ب)
لكن التظاهرات «الإخوانية» التي قاطعتها كل القوى السياسية الأخرى، بمن فيها السلفيون، تحوّلت عصر أمس إلى اشتباكات دموية مع معارضين قدموا إلى محيط دار القضاء العالي، واحتكوا بمتظاهري الجماعة، كما أشعلوا إحدى الحافلات في ميدان عبد المنعم رياض. وتكرر المشهد «المصري» من جديد: تبادل إطلاق خرطوش وزجاجات مولوتوف بين الطرفين، وسقوط عشرات المصابين من الطرفين، أما قوات الأمن فتدخلت باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، خصوصاً مع امتداد الاشتباكات إلى أعلى جسر «أكتوبر» الحيوي، الذي يربط شرق القاهرة بغربها، لتقترب من حدود «ميدان التحرير».
ووفقاً لرئيس هيئة الإسعاف محمد سلطان، فإن عدد المصابين وصل إلى أكثر من 80. كذلك، أظهرت لقطات تلفزيونية قيام متظاهرين إسلاميين بضرب ناشط بالعصي والأيدي والأرجل وسحله على مشارف «ميدان التحرير».
وبدا أن جماعة «الإخوان المسلمين» استعدت باكراً لمثل هذه الاشتباكات، إذ حضر بعض مناصريها وهم يحملون «الشوم» (الهراوات) والعصي، كما تم استقدام الغالبية منهم من المحافظات الريفية، كما هو معتاد في مثل هذه المناسبات. إلا أنه بدا لافتاً في التظاهرة أن الحشد «الإخواني» ليس ضخماً، بل ان عدد المشاركين لم يزد عن آلاف عدة. ورفع المتظاهرون لافتات تتهم القضاة بموالاة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأخرى تطالب بإقالة وزير العدل المستشار أحمد مكي، وهو المقرب من «الإخوان» أساساً وأحد أبرز المدافعين عن أخطاء قانونية كارثية وقع فيها مرسي. إلا أن سبب الغضب على مكي هو البيان الذي أصدره أمس الأول، والذي رفض فيه تظاهرة «الإخوان»، وخلط السياسة بعمل القضاء، في إشارة إلى إمكانية إطاحته في أقرب تعديل وزاري.
وجاء ذلك كله بالتوازي مع إعلان قناة «مصر 25»، وتعتبر «المتحدث باسم الإخوان المسلمين» أن مؤسسة الرئاسة ستصدر بياناً تتجاوب فيه مع مطالب الشعب أمام دار القضاء، أي أنها ستختصر الشعب في بضعة آلاف من مناصري «الإخوان». وبحلول المساء، قرر المتظاهرون الانسحاب من أمام دار القضاء، إلا أن الاشتباكات استمرت مع المعارضين.
ورداً على الاشتباكات، أكد رئيس الوزراء هشام قنديل في بيان أن «استمرار التظاهر الذي يؤدي إلى أعمال العنف يضر بأمن البلاد واقتصادها، ويقوّض جهود الإصلاح والتنمية، التي تبذلها الحكومة لعودة الأمن والخروج بالبلاد من هذا الوضع الاقتصادي الدقيق». وشدد على أن «الحكومة ستتواصل مع مجلس الشورى خلال الأيام القليلة المقبلة لسرعة مناقشة وإقرار قانون حماية الحق في التظاهر السلمي في الأماكن العامة».
ويتحرك «الإخوان» بسرعة لإقرار ما أسموه «قانون السلطة القضائية»، الذي يخفض سن تقاعد القضاة من 70 عاماً إلى 60 عاماً، ويفتح الباب أمام المحامين بضوابط مرنة للالتحاق بالسلك القضائي، ما قد يطيح نحو 3500 من كبار رجال القضاء. يذكر أن المرشد السابق للجماعة مهدي عاكف هو من كشف عن هذا الأمر قبل حوالي أسبوع في حوار مسجل، إلا أنه نفى لاحقاً أن يكون قد أجراه.
وبحسب ما قالت مصادر في مجلس الشورى لـ«السفير»، فإنه من المتوقع أن تقوم اللجنة التشريعية والدستورية في المجلس، والتي يترأسها قيادي إخواني هو محمد طوسون، بمناقشة مشروع قانون السلطة القضائية المقدم من «حزب الوسط» ـ المقرب أيضاً من الإخوان ـ غداً، تمهيداً لإقراره مبدئياً في جلسة عامة يوم الثلاثاء المقبل.
وفي الوقت الذي تتحرك فيه الجماعة للاستفادة من هيمنتها على الجهة التشريعية الوحيدة في مصر الآن، ضربت الانقسامات «جبهة الإنقاذ»، وهي «الوعاء الأكبر للمعارضة المدنية». وذلك بعدما أعلن «حزب الوفد» ـ أحد أعرق الأحزاب الليبرالية ـ دعوة هيئته العليا للاجتماع لبحث مسألة الانسحاب من الجبهة عقب صدور بيان فسرته قيادات الحزب بأنه يشير إلى مشاركة الجبهة في الانتخابات البرلمانية المقبلة من دون حدوث توافق، ما يعد استسلاماً ورضوخاً للاستبداد بحسب «الوفد».
وفسّر المتحدث الرسمي لـ«الوفد» عبد الله المغازي لـ«السفير» حدة هذا البيان، بأن أسباب رفض الجبهة خوض الانتخابات البرلمانية ما زالت قائمة، وبالتالي فإن مشاركتها في الانتخابات ـ التي لم يتحدد موعدها حتى الآن - سيفقدها الكثير من مصداقيتها في الشارع.
إلا أن المتحدث باسم «حزب المصريين الأحرار» ـ أحد الأحزاب المؤسسة للجبهة ـ أحمد خيري رفض المقاربة «الوفدية». وأبدى في حديث إلى «السفير» استغرابه من موقف «الوفد»، مشيراً إلى أن مناقشة انسحابه من الجبهة أمر غير مبرر.
وأكد خيري أن موقف «جبهة الإنقاذ» من المشاركة في الانتخابات لا يزال كما هو، وبالتالي فإنها متمسكة بمقاطعتها إذا لم تتوافر شروط عدة سبق إعلانها أكثر من مرة، وتتلخص في حكومة إنقاذ وطني وإقالة النائب العام، والتوافق حول قانون الانتخابات.
وبحسب خيري، فإن البيان الصادر عن الجبهة منذ يومين تمسك بالشروط ذاتها، لكنه لفت إلى أن الجبهة ستشارك إذا تحققت فقط. ولذلك تساءل خيري «لماذا كان حزب الوفد وحده الذي فهم أن هذا البيان يعني موافقة من الجبهة على المشاركة في الانتخابات تحت أي ظرف؟». واستدرك قائلاً «إلا إذا كان يبحث عن استحقاقات أخرى»، مضيفاً «في كل الأحوال، إن ترك المؤسسات التشريعية في يد الإخوان وحدهم أمر خطير»، والدليل على ذلك، بحسب رأيه، هو التعجيل بإقرار قانون السلطة القضائية الذي سيفتح الباب أمام المحامين من جماعة «الإخوان» ليصبحوا قضاة.
وعاد خيري ليؤكد أن مشاركة «جبهة الإنقاذ» في الانتخابات مرتبطة بتحقيق شروطها، لأن المسألة ليست مجرد عناد.

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...