معهد واشنطن: رؤية جديدة لصراع إسرائيل مع العرب والإيرانيين
الجمل: يعتبر الخبير الإسرائيلي موشيه إيعالون، الجنرال المتقاعد ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق، من أبرز المؤثرين على عملية صنع القرار الأمني – السياسي الإسرائيلي، وعلى هذه الخلفية فقد ظلت شخصية الجنرال إيعالون تشكل حضوراً متزايداً ليس في مراكز صنع القرار وحسب، وإنما في مراكز الدراسات التابعة للوبي الإسرائيلي. وتقول المعلومات أن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قد استضاف مؤخراً الجنرال إيعالون في ندوة حملت عنوان «التحديات الاستراتيجية في شرق أوسط متغير».
* المنظور الليكودي الجديد: إشكالية إعادة إدراك الشرق الأوسط:
استضاف معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الجنرال موشيه إيعالون الذي قدم محاضرته بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل الصحفي الليكودي زائيف شيف الذي ظل طوال حياته يوظف قلمه في سبيل إسرائيل و"بشارة مملكة الرب هرمجدون".
تضمنت محاضرة موشيه إيعالون مقدمة مختصرة عن دور الإعلام كأداة رئيسية في العمليات النفسية التي أصبحت تمثل أحد المكونات الرئيسية للصراعات اللامتماثلة التي تخوضها إسرائيل حالياً في مسارح المواجهة الشرق أوسطية. وبعد هذه المقدمة سعى الجنرال موشيه إيعالون إلى إسقاط خطوطها الأساسية على مسارح المواجهة الآتية:
أولاً: مسرح المواجهة النفسية – اللامتماثلة مع إيران: تطرق موشيه إيعالون إلى معطيات مسرح المواجهة النفسية – اللامتماثلة مع إيران وأشار إلى ضرورة استخدام الأساليب التسويقية الدعائية بالشكل المطلوب لجهة تصحيح الأخطاء الكبيرة التي أدت إلى إدراك خاطئ عند الرأي العام العالمي والأمريكي لطبيعة الصراع والمواجهة، وفي هذا الخصوص أشار إيعالون إلى الآتي:
• يعتقد الجميع حالياً بوجود صراع إسرائيلي – إيراني بما دفع إلى الواجهة فكرة واضحة تشير إلى منظومة من المفردات الفرعية المنبثقة عنها مثل: إسرائيل ضد إيران، المواجهة بين إسرائيل وإيران. وطالب إيعالون بضرورة تصحيح هذه الفكرة بحيث تمضي العملية النفسية – اللامتماثلة باتجاه ترسيخ مفهوم المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي، بما يؤدي إلى المفهوم الفرعي القائل أن إسرائيل تسعى لتنفيذ إرادة المجتمع الدولي لإرغام إيران على الامتثال للقوانين الدولية والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل.
• يتم التأطير لفكرة خاطئة تقول بأن استخدام الحوار والضغوط عن طريق الوسائل غير العسكرية ستدفع الإيرانيين إلى التخلي عن البرنامج النووي، وأشار إيعالون إلى أن هذه الفكرة قد انبثقت عنها أفكار ومفاهيم خاطئة مثل "الحوار مع إيران" و"التفاهم مع إيران" و"عقد صفقة مع إيران".. وما شابهها، ويرى إيعالون أن هناك ضرورة ملحة لتصحيح هذه الفكرة بما يتيح تصحيح مجرى العملية النفسية - اللامتماثلة الجارية حالياً، ويضيف أن استخدام الأمثلة يفيد أكثر خاصة أن النظام الإيراني وعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية لم يحدث أن تخلى عن طريق المفاوضات وبالتفاهم عن التوجهات التي ظل يتبناها.
وتأسيساً على ما سبق يطالب الجنرال إيعالون قائلاً بأن النجاح في تصحيح هذه الأخطاء سيترتب عليه تمهيد المسرح باتجاه إدراك جديد يتيح الفرصة من أجل تعبئة القدرات الدولية لمواجهة خطر البرنامج النووي الإيراني الذي أصبح أقرب ما يكون إلى عبور النقطة الفاصلة بحيث يتحول من مجرد خطر محتمل يمكن التصدي له عن طريق الضربات الوقائية إلى خطر ماثل يتطلب استخدام الوسائل العلاجية التي لن تكون أقل من الحرب الدولية الشاملة ضد إيران وهي حرب ستكون مستحيلة إذا حدث فعلاً أن حصلت إيران على السلاح النووي.
ثانياً: مسرح المواجهة النفسية – اللامتماثلة في الشرق الأوسط: تحدث موشيه إيعالون عن معطيات مسرح المواجهة النفسية – اللامتماثلة في الشرق الأوسط وتحديداً حول فكرة تقسيم قوى المسرح السياسي إلى معتدلين ومتطرفين وأكد إيعالون أن هذه الفكرة تنطوي على الآتي:
• جانب غير عملي يتمثل في القول بأن "المتطرفين هم مجرد أقلية ضعيفة لا يريدون التعايش مع الغرب والقيم الغربية" هو قول غير واقعي لأن المتطرفين لا يتمثلون حصراً بالأطراف الرسمية المؤسسية وإنما لهم روافدهم في أوساط الرأي العام في بلدان المعتدلين وهي روافد لها وزن وحجم كبير، وأيضاً فإن القول بأن هؤلاء المتطرفين لا يريدون التعايش مع الغرب هو قول وإن كان ينطوي على قدر من الصحة فهو غير عملي أيضاً لأن العديد من سكان العالمين العربي والإسلامي يتعايشون حالياً مع الغرب. وطالب إيعالون بتعميق التقسيم إلى معتدلين ومتطرفين بحيث تنطوي على عمق أكبر بما سيتيح الوصول إلى "حكم قيمة" أكثر دقة وتحديداًً في مقاربة الظاهرة.
• جانب واقعي ولكنه ينطوي على قدر من المثالية والوهم ويتمثل في المبادئ المستخدمة بواسطة الغرب حالياً في مقاربة فكرة التقسيم إلى معتدلين ومتطرفين وهذه المبادئ هي:
- يمثل المتطرفون الواقع الحقيقي للمجتمعات الشرق أوسطية أما المعتدلون فهم مجرد مجموعة من الضعفاء العاجزين عن القيام بإنجاز ما هو إيجابي.
- فكرة المواجهة مع المتطرفين ما تزال غير واضحة بالنسبة للغرب وقد انعكس عدم وضوح الفكرة في عدم وضوح السياسات الغربية إزاء المتطرفين.
- تبني الأطراف الغربية لمفهوم الحوار والتفاهم مع المتطرفين كوسيلة لجعلهم يتخلون عن التطرف.
يعلق موشي إيعالون في مقاربة فكرة تقسيم القوى السياسية الشرق أوسطية إلى متطرفين ومعتدلين قائلاً أن أسلوب الغرب، وإن كان قد بدأ من النقطة الصحيحة، تقدم باتجاه الهدف الخاطئ بما أدى إلى جعل المتطرفين والمعتدلين يستفيدون بشكل متساو من مزايا وفوائد الأسلوب الغربي. وبكلمات أخرى، فقد حصل المعتدلون على الدعم الغربي وحصل المتطرفون على الرأي العام الشرق أوسطي.
ثالثاً: مسرح المواجهة النفسية – اللامتماثلة الفلسطيني – الإسرائيلي: تحدث إيعالون عن مسرح المواجهة النفسية – اللامتماثلة الفلسطيني الإسرائيلي قائلاً أن هناك العديد من الأفكار الخاطئة التي أدى التأكيد المتزايد عليها باتجاه بناء إدراك غربي – أمريكي خاطئ إزاء هذه المواجهة بما ترتب عليه بناء نماذج الحل الخاطئ لهذه المواجهة، وفي هذا الخصوص أشار إيعالون إلى النقاط الآتية:
• الخطأ الأول: التأكيد على أن الصراع يدور حول الأرض وبالتالي فإن الحل يقوم على تقديم التنازلات عن الأرض.
• الخطأ الثاني: التأكيد على إمكانية إقامة حل الدولتين بحيث تكون واحدة لإسرائيل والثانية للفلسطينيين.
• الخطأ الثالث: التأكيد على أن الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات الإسرائيلية هما العقبة الرئيسية في طريق حل الصراع وإحلال السلام.
يقول إيعالون بأن هذه الأخطاء الثلاثة بدأت كافتراضات تم استخدامها بواسطة الأطراف الغربية والوسطاء الأمريكيين كأساس لعملية أوسلو، وأضاف أن التطورات الميدانية الجارية أكدت استحالة تطبيق مبادئ أوسلو وبالتالي لابد من القيام بمراجعة هذه المبادئ بما يتضمن قدراً أكبر من المرونة والبراغماتية.
تمثل محاضرة إيعالون التي قدمها ظهر أمس الثلاثاء 9-6-2009 في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وثيقة هامة للتعرف على معالم خارطة طريق حكومة ائتلاف الليكود – إسرائيل بيتنا إزاء التعامل مع مسارات الصراع العربي – الإسرائيلي وتجدر الإشارة إلى أن التقارير الإسرائيلية الصادرة اليوم بواسطة صحف أورشليم بوست ويديعوت أحرونوت وهاآرتس ركزت جميعها على التأكيد على موقف نتينياهو النهائي الذي سيطرحه في خطابه القادم، وتشير التفسيرات إلى أن ما يتم طرحه بواسطة التقارير الإسرائيلية يندرج ضمن التسريبات التي تهدف إلى تمهيد المسرح أمام خطاب نتينياهو، ومن أبرز هذه التسريبات أن نتينياهو يوافق على المضي قدماً في مشروع خارطة الطريق مقابل الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية إضافة إلى تخلي الإدارة الأمريكية عن المطالبة بوقف الاستيطان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد