"مغارة ماريا": فيلم حول جرائم الشرف
أصبحت قضية جرائم الشرف في منطقة الشرق الأوسط مؤخرا تشغل بال الكثيرين من الناس.
فالضجة التي أثارها هذا النوع من الجرائم لم تقم فقط في كواليس الفعاليات الشعبية والاجتماعية، بل دخلت إلى السياسية أيضا، كما في الأردن ولبنان وغيرهما.
ولم يقتصر طرح هذا الموضوع على الكتاب والصحفيين، بل تعدى ذلك ليصل إلى السينما والأفلام.
ومؤخرا، تم عرض فيلم المخرجة الفلسطينية بثينة كنعان خوري "مغارة ماريا" الوثائقي في مهرجان دبي السينمائي، الذي يعالج قضية جرائم الشرف والعنف ضد المرأة في الأراضي الفلسطينية، خصوصا بعد الانتفاضة الثانية والحكم الذاتي من قبل السلطة الفلسطينية.
الفيلم يبدأ بظهور مجموعة من النسوة الفلسطينيات في أحد الكنائس الفلسطينية وهن يقدمن واجب العزاء.
ومن ثم يبدأ الحديث عن ماريا التي قتلت عام 1936 بعد أن اتهمت من قبل عائلتها بتدنيس اسمهم، وجلب العار لاشتباههم بإقامتها علاقة مع غريب من خارج القرية.
وفي أحد الأيام يقتادها إخوتها إلى الغابة القريبة ليقتلوها بمساعدة الثوار، كونهم ينفردون بحملهم البنادق في تلك الفترة، لتدفن ماريا في المغارة التي لا زالت تسمى باسمها حتى الآن.
إلا أن ما يلفت نظر الجميع في حكاية الفتاة ماريا هو أنها لم تخض هذه العلاقة كما اشتبه بها البعض، فبعد إجراء الفحوصات اللازمة تبين أنها عذراء، ولم تقترف أي خطأ، وأن قتلها كان بالخطأ.
وفي أحداثه اللاحقة، يروي الفيلم حكايات معاصرة تجري في أيامنا هذه حول قضايا قتل مشابهة، بعضها انتهت منذ زمن، وأخرى لا زالت شخوصه تعاني مرارة الفقدان من جهة، والشعور بالذنب من جهة أخرى.
فعائلتا مهدي وهيام يقطنان في إحدى المناطق بقضاء رام الله. وهما يعيشان ويلة قتل هيام التي لم ترتكب أي خطأ مع الشاب مهدي الذي دخل السجن، ومن ثم أرغم على العيش بعيدا عن بلدته وعائلته جراء هذه الحادثة.
وينتقل الفيلم لاحقا إلى عائلات أخرى تعاني من العنف ضد المرأة، ولا يقتصر هذا العنف على هتك العرض فحسب، بل يتعدى ذلك إلى اتهام الفتيات بممارسة الخطيئة لمجرد محاولتهن تحقيق أحلامهن كالحب والغناء والتمثيل والتحليق في فضاء الأحلام.
الملفت في الفيلم أن المخرجة لم تلمس واقع الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في بعض مناطق الضفة الغربية، وذلك حتى لا يشكل ( الوجود الإسرائيلي) الشماعة التي تعلق عليها أخطاء الشعب الفلسطيني.
كما أن الفيلم يلامس الواقع الإنساني للنساء في الأراضي الفلسطينية، ويترك الكاميرا تصادقهن وتجول في أعماقهن ليبحن لها بكل ما في داخلهن.
الفكرة، كما تقول بثينة خوري، أتت من خلال نقاش دار بينها وبين ابنة عمها التي تعيش في الأردن، والتي قرأت العديد من الكتب حول ظاهرة جرائم الشرف، والعقوبات المخففة على كل من يرتكب هذا النوع من الجرائم.
لذا قررت خوري الخوض في هذا الطريق الصعب والبحث عمن هو قادر على التحدث عن هذه الظاهرة، وهي تدري بالطبع أنها ستجد صعوبة فائقة في الوصول إلى من يريد التحدث للكاميرا مباشرة ومن دون حواجز.
وقد استمر العمل في الفيلم مدة ثلاث سنوات، جمعت بثينة خلالها المعلومات اللازمة والتمويل الذي تحتاجه لإخراجه للمشاهد. كما قررت أن تكون بلدتها "الطيبة"، قضاء رام الله، هي نقطة البداية، لأنها المكان الذي يحوي مغارة ماريا.
وترى خوري أنها كسيدة يمكنها فهم هذا النوع من القضايا أكثر من المخرجين الرجال، لأن "المرأة القوية تفهم المرأة الضحية" على حد تعبيرها، كما أن المرأة بطبيعتها أكثر ميلا للجانب الإنساني من الحياة.
من ناحية أخرى، أثار الفيلم عاصفة من النقاشات والحوارات والعنف في أرجاء الضفة الغربية، خصوصا بعد عرضه مؤخرا في مهرجان القصبة الدولي للأفلام في رام الله، حيث استنكر البعض تصوير هذا النوع من الموضوعات الحساسة، وقامت مجموعة منهم بمهاجمة منزلها في الضفة الغربية، بينما طالبت مجموعة أخرى بعرض الفيلم في جميع دور العرض والمحافل نظرا لأهميته وجدية موضوعه.
وتقول خوري: "لقد صنعت هذا الفيلم للفلسطينيين أولا وأخيرا، لأني أردتهم أن يفهموا أن هذه المشكلة متأصلة في واقعنا.. وهي ليست أمرا أتى إلينا من الخارج."
وتضيف: "أعتقد أن المشكلة كما يبرزها الفيلم هي مشكلة عشائرية وقبلية قبل أن تكون مشكلة قانون وجرائم.. فالمشتبه في تورطه بهذا النوع من الجرائم ينتظره حق عشائري وقبلي بعد أن يعفى من الحق القانوني."
وقد عبر جمهور الفيلم عن إعجابهم الشديد بما شاهدوه، وتمنوا لو يتم عرض مثل هذه الأفلام على شاشات الفضائيات العربية والعالمية حتى يتسنى للجميع متابعتها.
هذا ويذكر أن هذا الفيلم ليس الأول لبثينة خوري، حيث قامت سابقا بإخراج فيلم يحمل اسم "نساء في صراع"، ويدور حول الأسيرات المحررات في الأراضي الفلسطينية.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد