ملاحظات حول لجنة مكافحة الإرهاب
لاشك بأن " المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي طرحه السيد الرئيس بالأمس يتطلب التعاون الامثل ما بين السلطات الثلاث من اجل تحويله الى واقع ملموس ، لكن التعاون بين السلطات لا يجب ان يصل الى درجة " دمج السلطات "، اي يجب ان يبقى ضمن الحدود التي رسمها الدستور و القوانين النافذة حتى نستطيع أن نحدد المسؤوليات و درجة مساهمة كل سلطة في تثمير هذا المشروع الطموح ، من هنا كان لابد لي من إبداء جملة من الملاحظات على القرار رقم 4260/ ل و الذي اصدره السيد وزير العدل القرار بتاريخ 11 تموز الجاري و القاضي بتشكيل لجنة كلّفها بإجراء مراجعة شاملة لقانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، ووضع مشروع قانونٍ جديدٍ لمكافحة الإرهاب خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار.
بداية نقول أنّ مراجعة القوانين بعد مدة من إصدارها هو أمر جيد من أجل تجاوز الثغرات التي تم الكشف عنها أثناء تطبيقها، سواء كانت هذه الثغرات موجودة في النص التشريعي او في طريقة تطبيقه امام المحاكم المختصة، من هنا كان لابد من مراجعة قانون الارهاب النافذ وفقا للاصول المرعية الامر الذي يدفعنا الملاحظات التالية حول قانونية اللجنة المُشّكلة من قبل السيد وزير العدل ، و تبعية بعض الأعضاء الذين ضمتهم إلى مجلس الشعب أو إلى المحكمة الدستورية العليا متمنيا على كل من يجد نفسه معنيا بتلك الملاحظات الإدلاء بدلوه لأنّ في ذلك إغناء للفقه و الاجتهاد القانونيين ، و دفعا "للمشروع الوطني للاصلاح الاداري".
الملاحظة الأولى تتعلق في مدى انسجام تشكيل اللجنة مع قانون السلطة القضائية لعام 1961.
حدد قانون السلطة القضائية في المادة الثالثة منه الدوائر القضائية، و ألزم كل منها بممارسة جملة من الاختصاصات الحصرية، و قد خصّ القانون إدارة التشريع بصلاحية "تحضيرمشروعات القوانين والأنظمة والبلاغات القضائية"(م 8/ف1/أ)، وفي ذات الوقت ، منح القانون وزير العدل "صلاحية تأليف لجان يتم تحديد مهماتها ورؤساؤها وعددأعضائها وتعويضاتها بقرارمن وزيرالعدل" ( المادة العاشرة ـ قانون السلطة القضائية) ، لكن ممارسة الوزير لصلاحيته بتشكيل اللجان و تكليفها بمهام معينة لا يتم على إطلاقه، بل هو مشروط بمراعاة الوزير "للاختصاصات المنوطة بموظفي الوزارة" (المادة الثانية ـ قانون السلطة القضائية) ، من هذا المنطلق يظهر لنا أن تشكيل لجنة مهمتها وضع مشروع قانون لمكافحة الإرهاب فيه تجاوز على الاختصاص الأصيل الذي أناطه قانون السلطة القضائية بإدارة التشريع حصرا، الأمر الذي يجعل من تشكيل هكذا لجنة مخالف لقانون السلطة القضائية بتقديرنا.
في الواقع ، إن تقييد القانون لممارسة الوزير لاختصاصه في تشكيل اللجان "بمراعاته للاختصاصات المنوطة بموظفي الوزارة" لم يأت من فراغ ، و الحكمة من وراء ذلك ـ برأينا ـ تكمن في الحيلولة دون قيام الوزير بالالتفاف على الصلاحيات التي أناطها القانون بموظفي الوزارة عبر تشكيله للجان يتولى شخصيا الإشراف على عملها بوصفه"المرجعالأعلىفيالشؤونالتوجيهيةوفيالإشرافعلىالأعمالومراقبةتنفيذهاضمنأحكامالقوانينوالأنظمةالنافذة" ( المادة الثانية ـ قانون السلطة القضائية ) بكل ما يعنيه ذلك من إمكانية إنجاز اللجنة لعملها طبقا لتعليمات الوزير، و بالتالي كان طبيعيا أن تكون صلاحية الوزير في تشكيل اللجان محصورة بصلاحيات لم يفوضها قانون السلطة القضائية إلى أي من موظفي الوزارة تحت طائلة التضحية بمبدأ سمو القانون على القرارات الإدارية.
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بمدى مواءمة أن تضم اللجنة الوزارية أعضاءا من مجلس الشعب.
ضمت اللجنة الوزارية في عضويتها ثلاثة أعضاء من السلطة التشريعية ، تلك السلطة التي خصّها الدستور بصلاحية اقتراح القوانين ( المادة 74 ـ دستور)، و بالتالي كان من الأولى أن يمارس أعضاء مجلس الشعب ـ بوصف كل منهم يمثل الشعب بأكمله ( المادة 58 ـ دستور)ـ صلاحيتهم الدستورية الأصيلة بتقديم اقتراحا بقانون لتعديل قانون الإرهاب النافذ بدل أن يكونوا أعضاء عاديين في لجنة تابعة للسلطة التنفيذية ، و التي ستقوم لاحقا بعرض مشروع قانون ساهم الأعضاء الثلاثة في صياغته ليحظى بثقة أقرانهم في مجلس الشعب ، الأمر يبدو أكثر تعقيدا إذا كان أحد أعضاء مجلس الشعب المشاركين في اللجنة هو رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب ، اللجنة التي سيعرض عليها مشروع القانون المُعد لفحص مدى مطابقته لأحكام الدستور و القانون !!! هذا الأمر يوضح لنا احد أسباب ضعف أداء السلطة التشريعية لواجباتها الدستورية، فعلى ما يبدو أن هذه السلطة فوّضت صلاحياتها التشريعية إلى السلطة التنفيذية عن عجز تارة ، و عن افتتان حينا ، و انتهى الأمر بشبه تقويض لعملها و إقرار المواطن بمحدودية دورها.
أما الملاحظة الأخيرة فتتعلق في مدى مواءمة أن تضم اللجنة الوزارية قضاة من المحكمة الدستورية.
ضمت اللجنة التي شكلها السيد وزير العدل قاض من المحكمة الدستورية العليا، و باعتقادنا أن وجود قاضي دستوري في عداد لجنة خاضعة للسلطة التنفيذية أمر يُشكل إخلالا بأحكام المادة السادسة من قانون المحكمة الدستورية العليا و التي حرّمت الجمع بين منصب القاضي الدستوري و بين أي عمل آخر باستثناء التدريس بالجامعة، هذا من جهة ، و من جهة ثانية فقد أناط الدستور بالمحكمة الدستورية العليا مهمة التحقق من دستورية مشروعات و اقتراحات القوانين عند الطعن بدستوريتها من قبل أعضاء مجلس الشعب قبل إقرارها ، أو من قبل المواطنين العاديين بعد صدورها ( المادة 147 من الدستور) و هنا نسأل هل يحق لقاض دستوري شارك في وضع قانون أن يحكم على مدى مطابقته للدستور؟ بمعنى آخر ، كيف يمكن للقاضي أن يكون خصما و حكما في آن ؟ كيف يمكن للقاضي أن يجمع في شخصه صفة المشرع و صفة القاضي؟
لست ممن يؤمنون بأن المكتوب يُقرأ من عنوانه، لكن الالتزام بنص القانون و روح الدستور هو المدخل لصياغة قانون جيد ، و عمار يا سورية عمار.
د.عصام التكروري: صاحبة الجلالة
إضافة تعليق جديد