من قصص بيع الدول ليهودها.. رومانيا نموذجاً
كشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقرّبة من حكومة بنيامين نتنياهو النقاب عن أن رومانيا تحت حكم الرئيس نيكولاي شاوشيسكو كانت تتلقى الأموال مقابل تسهيل هجرة اليهود الرومانيين إلى إسرائيل. ومن المعلوم أن ظاهرة شراء إسرائيل لذمم الكثير من قادة الأجهزة الأمنية والسياسية في دول عربية وأجنبية لتسهيل هجرة اليهود من هذه الدول أو المجاورة لها إلى الدولة العبرية، كانت شائعة. وقد تركزت هذه الظاهرة أساساً في دول آسيا وأفريقيا، ولم يعرف الكثير عنها في أوروبا.
وتبدأ الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى نسيان أحد كبار ضباط جهاز الأمن الروماني «سكوريتاتا» حقيبة في مطار زيورخ في العام 1974 عندما كان في عجلة من أمره للحاق بطائرته إلى بوخارست. واحتوت حقيبة ذلك الضابط المدعو جورج ماركو على مليون دولار نقداً كان قد تسلمها من صديقه الإسرائيلي شايكا دان المسؤول عن هجرة اليهود من رومانيا طوال عشرات السنين. وقد أعاد ضباط من الأمن السويسري كانوا يراقبون الأمر الحقيبة إلى ماركو، ولكن ليس قبل أن يبلغوه أنه بات «شخصية غير مرغوب بها».
وذكرت الصحيفة أن هذا مجرد مشهد من فيلم وثائقي روماني باسم «يهود للبيع» يكشف للمرة الأولى التعاون بين النظام الشيوعي في رومانيا وإسرائيل لتهجير اليهود من ذلك البلد. وحتى الآن كان معروفاً دور رومانيا في العمل كمحطة لهجرة اليهود الروس إلى إسرائيل عندما كانت الدولة الشيوعية الوحيدة التي احتفظت بعلاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل بعد حرب العام 1967.
وقد أخرج الفيلم الروماني رادو جبارة، الذي يروي أنه عندما كان طفلاً في بوخارست كان معظم أصدقائه من اليهود، ولكن معظمهم تركوا رومانيا قبل أن يصل إلى سن الدراسة في الجامعة مكتشفاً أنه «تمّ بيعهم إلى إسرائيل». وكانت الطائفة اليهودية في رومانيا تعتبر الثانية من ناحية الحجم في أوروبا وتعد حوالي 350 ألفاً. ولكن برغم العداء بين الصهاينة والشيوعيين، بذلت إسرائيل جهوداً كبيرة لإبرام صفقات لتهجير اليهود الرومانيين. وبدأت هذه الصفقات في ليلة عيد الميلاد العام 1947 حينما دفعت إسرائيل الأتاوة عن كل يهودي يريد الهجرة، وكانت على شكل «رسوم سفر». وقد أفلحت هذه المساعي في تحميل عائلات يهودية تعدّ ألف شخص على سفينتين أبحرتا من بلغاريا إلى شواطئ فلسطين.
ويوضح أحد المشاركين في العملية، وغالبيتهم كانوا أو صاروا يعملون لحساب الموساد، أن رومانيا كانت في ذلك الوقت تعاني من نقص في فرص العمل وكان خروج اليهود يساعد في حل المشكلة. لكن لم يخرج أي يهودي من دون مقابل. كانت الاتفاقات شفوية والدفع نقداً. وبحسب أحدهم، فإن «رومانيا لم تخجل من بيع يهودها، ولكن الخشية كانت من الضرر الذي قد يصيب سمعتها إذا أذيع الأمر».
وتضيف الصحيفة أن شايكا دان، الذي هاجر إلى فلسطين في الثلاثينيات، تجند في الجيش البريطاني في العام 1944، وأنزل بالمظلة في رومانيا بهدف تنظيم هجرات اليهود غير الشرعية إلى فلسطين. وبعد إعلان الدولة اليهودية في العام 1948 بقي يعمل في هذا السياق، ولكن كمبعوث للموساد بغطاء مكتب اتصال وزارة الخارجية التابع مباشرة لرئيس الحكومة.
وقد أدار دان الاتصالات في بوخارست أيضاً بهدف شراء أسلحة وإمدادات فضلاً عن تهجير اليهود. وقد طلب الرومانيون «رسم خروج» مقابل كل يهودي، وهو ما وافقت عليه إسرائيل. ووعد دان بتهريب عتاد تنقيب عن النفط لتجاوز الحظر الذي فرضه الغرب على رومانيا وأوصله فعلاً، الأمر الذي ساعد على السماح بهجرة يهود.
وفي تلك السنوات تطوّرت خدمات جهات عدة عملت على إخراج اليهود من دول الكتلة الشرقية عموماً، ومن رومانيا خصوصاً مقابل أموال. واستخدم الموساد هذه الجهات وأبرزها هنري يعقوبر، وهو يهودي بريطاني من أصل روماني، والذي وفّر هذه الخدمة لسنوات عدة. ويشير أحد الباحثين أن خدمات الجهات الوسيطة كانت أشدّ غلاء مما كانت إسرائيل مستعدة للدفع، ولكن المئات من العائلات المضطرة هاجرت عبر هذا الطريق.
وبحسب الصحيفة، فإن الرومانيين استغلوا بيع اليهود بكل السبل. فمقابل هجرة 500 عائلة يهودية، أنشأت إسرائيل مزرعة مؤللة لتربية الدواجن على أراضي وزارة الداخلية في بوخارست. وقاد نجاح المزرعة إلى إنشاء خمس مزارع للديوك الرومية والخرفان والبقر وحتى الخنازير بتمويل من الموساد ومقابل هجرة يهود آخرين.
وفي العام 1964، غدت وزارة الداخلية الرومانية أكبر مصدر للحوم في الدولة. وبعد عام من ذلك طلب الرومانيون من إسرائيل توريد خنازير صغيرة من الدنمرك. وتروي باحثة رومانية أن عملاء إسرائيليين زوّدوا رومانيا خلال سبع سنوات بآلاف من هذه الخنازير بعد تنويمها وحملها في شاحنات مختومة سيارات ديبلوماسية.
وطلب الرومانيون أيضاً مقابل هجرة اليهود قروضاً بملايين الدولارات بفوائد متدنية جداً. وفي إحدى المرات اقترضت إسرائيل المبلغ من بنك ألماني، وكانت تدفع فوائده. وقد أجبرت الحكومة الإسرائيلية شركة «تسيم» البحرية على شراء سفن من رومـــــانيا وساعدت على تحســـــين العلاقات الأميركية ـــ الرومانية مقابل تهجير يهـــود.
عموماً، تبين الصحيفة أن السوفيات هم من كانوا يحددون فتح أو إغلاق باب الهجرة. وفي العام 1958 سمحوا بالهجرة فهاجر خلال ستة أشهر أكثر من 130 ألف يهودي. ولكن منذ العام 1965 وحتى 1998 سيطر الديكتاتور الروماني نيكولاي شاوشيسكو على هجرة اليهود واستفاد منها. وفي عهده طلب الرومانيون رسماً بالدولار نقداً وضمن تسعيرة هي: الأكاديمي مقابل ثلاثة آلاف دولار، الطالب مقابل 1700 دولار، العامل مقابل 600 دولار، أما العاطل عن العمل والطفل فمقابل 497 دولاراً.
وكان قسم من هذه الأموال يحول إلى حسابات سرية في سويسرا. وفي الأزمات كان الرومان يطلبون أموالاً أكثر، ولكن إسرائيل كانت ترد بالتهديد بنشر الأمر في الصحف الغربية. وبعد ذلك وافق شاوشيسكو على تحويل بلاده، مقابل عمولة، إلى محطة لهجرة اليهود الروس. وبحسب الصحيفة، أدخلت هجرة اليهود إلى الخزينة الرومانية على مر السنين مئات الملايين من الدولارات.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد