من وول ستريت إلى البورصة السورية
منذ ثلاثة أشهر والحكومة تعمل بكل قوة مع الأطراف الاقتصادية المعنية لإطلاق سوق الأوراق المالية (بورصة دمشق) وتم العمل التجريبي بهذه البورصة خلال الأسابيع الماضية ، وحدد يوم العاشر من آذار موعداً نهائياً لإطلاقها ، وصحيح أن مصطلح البورصة أو سوق الأوراق المالية لا يشبه مصطلح اقتصاد السوق (الاجتماعي) من حيث الشكل، إنما من حيث المضمون الاثنان واحد ، لا بل هما وجهان لعملة واحدة وعملية اقتصادية محددة تسمى اقتصاد السوق، والسوق فقط ، لأنها من حيث المبدأ من عدة الشغل للنظام الرأسمالي المالي العالمي الذي يعتمد بشكل أساسي على حركة المال والأسواق والبنوك، ولم تجد الحكومة صعوبة تذكر في فرض أمر الواقع فيما يخص إطلاق سوق الأوراق المالية في العاصمة دمشق على عكس نظرية اقتصاد السوق (الاجتماعي) وتحديداً المفهوم الاجتماعي للسوق الذي لم ينته الجدل حوله حتى الآن ولازال التنظير والحروب الكلامية بين أنصاره ومعارضيه مستمراً حتى اليوم ، وقبل انتهاء الفريق الحكومي من هذه المعركة انتقل إلى معمعة جديدة تسمى بورصة الأوراق المالية (بورصة دمشق) تماشياً مع الاتجاه العام في الاقتصاد السوري الذي بدأ ينتهج سياسات أكثر ليبرالية في إدارة الاقتصاد الوطني.
- وحرب هذه المصطلحات الاقتصادية مستمر بين جماعات النخبة في جميع وسائل الإعلام ( المرئي والمسموع والمقروء)وكذلك على المنابر لاسيما ندوات الثلاثاء الاقتصادي ، علماً الفريقين يدركون بأن المواطن السوري لا يهمه من أمر هذه المصطلحات شيئاً ولم يلتفت يوماً إلى هذه المعارك الدائرة، وعلمه بهذه المصطلحات لا يتجاوز معرفة علم الطالب الابتدائي في الصف الأول عندما تطلب منه المعلمة كتابة كلمة (القسطنطينية) لأن ما يهم هذا المواطن اللاهث وراء لقمة العيش، هو شيء واحد، هل قدرته الشرائية تؤهله على المساهمة في بورصة ( البقال واللحام والخضرجي) وتأمين المستلزمات اليومية من الأكل والشرب والطبابة والمواصلات والفواتير أم لا؟؟
وانطلاق السوق الأوراق المالية بالنسبة لعموم الفئات الشعب السوري ليس أمر مهماً وشبهه أحد المواطنين الظرفاء " هذه البورصة أي سوق الأوراق المالية بالنسبة لنا نحن الفقراء كأنه ملعب تنس تم افتتاحه لخدمة أبناء منطقة الفضل أو مضمار سباق الخيل في منطقة الحجّيرة أو دف الشوك".
وتعليقاً نسأل لمن إطلاق البورصة وسوق الأوراق المالية والأسهم ، إذا كانت أسهمنا نحن عامة الشعب لا تقوى على سد جوعنا، ومن المستفيد إذا كان 80% أو أكثر من أبناء شعبنا ليسوا معنيون بها ؟؟.
وناريمان موظفة في القطاع الخاص تقول:"بصراحة لم أفهم مغزى وجدوى البورصة والعملية تبدو لي معقدة وهناك أشياء مبهمة ووسائل الإعلام لم تكن قادرة على توضيح مسألة سوق الأوراق المالية والبورصة وأهميتها والأمور بالنسبة لي ليست واضحة"
أبو منار صاحب محل ألبسة مستعملة"يقولون لنا بأن البورصة سوف لن تكون مجالاً للمضاربات المالية وهي عملية مربحة للجميع ومفيدة للمواطن والاقتصاد ،اعتقد أن هذا الكلام ليس دقيقاً لأن جميع عمليات البورصة والمال والأسهم يوجد فيها طرف خاسر وأخر رابح مثل القمار بالضبط ومهما ادعى أنصارها من الشفافية والمساواة والعدل فهي على أرض الواقع سوف لن تكون إلا بمثابة انتصار طرف على أخر"
- يقول البعض نحن نبدأ ما انتهى عنده الآخرون ولذلك يمكننا تجاوز العقبات التي ستعترضنا في هذه العملية وغيرها أي استخفاف هذا بعقول البشر والعالم يعيش أزمة اقتصادية قاسية جراء الممارسات التي نتجت من البورصات وأسواق المال والبنوك والبلدان الرأسمالية نفسها صاحبة هذا المشروع تعترف اليوم بأخطاء الماضي الذي ألحقت الأضرار الجسيمة بالاقتصاد العالمي برمته وعلى لسان قادة أمريكا وأوربا واليابان أنفسهم ، إن إدعاء الفريق الاقتصادي بقدرته على ممارسة اقتصاد السوق في بنية اقتصادية اجتماعية غير ناضجة تماماً ليس إلا ارتجالاً وافتعالاً ستكون له مفاعيل خطيرة على مستوى معيشة الناس في المستقبل القريب والقريب جداً وأي إخلال بالأمن الاقتصادي هو بالنتيجة إخلال للأمن الاجتماعي والوطني والتصريحات الرنانة في هذا الخصوص لا تكفي لأن ذلك بحاجة إلى أفعال على الأرض وهناك متسع من الوقت لاتخاذ القرارات الجريئة في هذا الاتجاه وعلى رأس هذه الأولويات محاربة الفساد والمفسدين والقبض على (الحرامية الكبار) ومحاكمتهم علناً وحماية القطاع العام بمختلف إشكاله ووقف النزف والهدر الحاصل فيه وإبقاء واستمرار الدعم الحكومي على المحروقات وتخفيض أسعار المازوت والبنزين بشكل لا لبس فيه و ذلك من شأنه أن يترك ارتياحاً كبيراً لدى الأكثرية الساحقة من المواطنين الذين ينتظرون هذه القرارات بفارغ الصبر.
- أحمد يعمل في القطاع العام يقول " ماذا أستفيد من البورصة وسوق الأوراق المالية إذا أطلقت أو لم تطلق، ما يهمني هو تخفيض أسعار المازوت والبنزين وإبقاء الدعم على الرز والسكر، وأكيد جماعة سوق الأوراق المالية لا يهمهم هذا الموضوع و الحكومة تدرك ذلك ، ولا تلتفت لحالنا الذي يزداد سوءاً ويبدو أن الهم الحكومي اليومي يسير نحو إرضاء جماعات المال والأسهم والبنوك أولاً "
في لقاء تلفزيوني مسجل لكل من الدكتور راتب الشلاح الرئيس الفخري لغرفة تجارة دمشق والوزير السابق محمد العمادي أكدا بأن سوق الأوراق المالية وبورصة دمشق ستكون عادلة وسوف لن تصبح نادياً للقمار كما يفهم البعض مهما كانت الأسباب وستجري جميع العمليات التجارية فيها بصدق وشفافية.
ونحن بدورنا نسأل ألم تكن البنوك والمضاربات في البورصات العالمية في أرجاء المعمورة عبر آليات الشفط المعتمدة فيها سبباً في انهيار الاقتصاد العالمي برمته ، سؤال نضعه في رسم الحكومة والفريق الاقتصادي؟؟؟؟
لقد وصف الدكتور قدري جميل الأزمة المالية العالمية وإفلاس البنوك وآليات السرقة والنهب وشفط الأموال مثل (غسالة الأوتوماتيك ).
نوال ربة منزل تقول" شو بتهمني البورصة راح يزيد راتب جوزي راح تعلملي ولادي "
ونادرة مدرسة متقاعدة تقول: " سأشارك بالبورصة وأدخل المضاربات براتب زوجي التقاعدي"
الدكتور نبيل طبيب يقول :"لا أعتقد أن سوق الأوراق المالية والبورصة قادرة على مساعدتي بشراء سيارة متواضعة بالتقسيط وأنا شخصياَ لا يهمني أمر البورصة لامن قريب ولا من بعيد "
- ويمكن وصف هذه العملية بالمنشار كما يقول أخواننا المصريين (رايح واكل ، جاي واكل) لكن السؤال المهم من الذي أُخذ منه ومن الذي أُعطي له؟؟
لقد جربنا الرأسمال العربي والأجنبي خلال الفترة الماضية ورأينا في أي مجالات تم توظيفه فهو يشترط دائماً حرية الانسحاب متى شاء وهو في طبيعة الحال لا يستثمر إلا في مجالات الربح المضمون والعالي ، واليوم مايريده هذا الرأسمال هو هذه البورصة وسوق الأوراق المالية تحديداً، لأن ملعبه المفضل في اللعبة الاقتصادية هي البورصات وسوق الأوراق المالية أي الاستثمار غير المباشر يعني سياسة (أوراق مالية – مضاربة بالعملة) ويصف الدكتور منير الحمش هذه المضاربات في سوق الأوراق المالية بسياسة(اضرب واهرب) لأن أصحاب ورموز هذه السياسات المالية ليسوا معنيون بما يتركونه من أثار ولا يهمهم الارتدادات السلبية لسياساتهم والمستثمر أصلاً غير ملتزم بعملية التنمية فهو دخل إلى السوق على أمل جني أكبر مكاسب في فترة محدودة والهروب إلى مناطق أخرى أكثر أمناً وربحاً.
وللتذكير فقط نقول للقائمين على بورصة دمشق بأن أخبار البورصات وسوق الأوراق المالية من نيويورك وشارع وول ستريت ومروراً بأوربا وبورصة طوكيو والمنطقة العربية بورصة القاهرة ودبي وبيروت والأردن وغيرهم ، تسقط وتترنح وليست بخير عسى أن تنفع الذكرى.
إبراهيم نمر
بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد