من يرأس أمريكا
الجمل- بشار بشير: لازلت إلى هذه اللحظة أستغرب التشابك السياسي بين سورية وأمريكا والذي بدأ بشكله الحالي على الأغلب عام 1967 ففي ظروف دولية طبيعية ( أي لولا وجود إسرائيل بخاصرتنا ) لكانت علاقتنا بأمريكا يجب أن تشبه علاقتنا بسنغافورة أو بنيوزيلنده , ولكن قدرنا شاء أن نكون في عين إعصار السياسة الأمريكي خلال الستة وأربعين عاماً الماضية لسبب وحيد هو إسرائيل . وجودنا في خضم التشابك السياسي الأمريكي يحتم علينا طرح سؤال أساسي : كيف تبني أمريكا سياساتها وكيف تتخذ قراراتها ؟ السؤال وإجابته يأتيان هنا على أساس التشابك السياسي مع منطقتنا ومع سورية خاصة .
هل تبني أميركا سياستها وقرارتها في سورية على أساس مصالحها الخاصة ؟ خلال التسعينات ونتيجة لسياسة سورية الذكية والمنفتحة حاولت أميركا التصرف بعقلانية سياسية و بإستقلالية بالقرار، فانطلقت في عملية سياسية طويلة مع جيمس بيكر ومع بيل كلينتون اللذان كانا يختلفان عن سلالة الساسة الأمريكان الأغبياء، فالمذكوران كانا ذكيين مثقفين ويرغبان بدخول التاريخ بإعتبارهما صانعي السلام في الشرق الأوسط . وقد قابلت سورية حركتهما وجهودهما بكل إنفتاح وترحاب ومساعدة، وكانت مرنة معهم إلى أقصى حد إلا فيما يتعلق بالتنازل عن الحقوق الوطنية . ورغم كل النوايا الحسنة والجهد المبذول لم تستطع هذه الحركة السياسية أن تصل إلى نهاية سوى الفشل، لأن السياسة الأميركية لا يحكمها االتفكير المنطقي والقرار الأمريكي ليس محكوماً بالمصالح الأميركية .
هل تؤثر العلاقات الشخصية على السياسة الأمريكية وعلى القرار الأمريكي ؟ الرئيس الأمريكي بيل كلينتون كان يكن الكثير من الإحترام والود للرئيس حافظ الأسد وهو لم يمانع في الإجتماع معه أكثر من مرة حتى أنه زاره في دمشق وقد كان جاداً في إيجاد حل للتشابك السياسي في المنطقة وللتشابك بين سورية وأمريكا لكنه لم ينجح . كيري وزير الخارجية الحالي كان على علاقة شخصية مع الرئيس بشار الأسد حتى قبل أن يكون وزيراً للخارجية، وكانت العلاقة قريبة لدرجة الجلوس بشكل عائلي على طاولة العشاء، لكنه رمى هذه العلاقة وراء ظهره و أصبح من أكبر الدعاة ( الفاجرين ) لشن عدوان على سورية . نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي زارت دمشق عام 2007 في عز القطيعة السورية الأمريكية وتجولت في دمشق وزارت الأموي و فُتنت بسورية ورئيسها حتى أن بعض الصحفيين قال : لم يبق إلا أن تعلن بيلوسي إسلامها في الجامع الأموي . هل رفعت هذه العلاقات الشخصية أي ضرر أميركي عنا أو أدت لفك جزء من الإشتباك السياسي ؟ لم يحصل. إذاً يمكن القول أن العلاقات الشخصية لم تؤثر لاعلى السياسة ولا على القرار الأمريكي .
هل تؤثر المجاملات السياسية أو حتى التبعية السياسية على سياسات وقرارات أمريكا ؟ عضت سورية على أكثر من جرح ومدت لأمريكا يد العلاقات الحسنة والتعاون بل وساعدتها بشكل حاسم في الملف الأهم بالنسبة لها ( لأمريكا ) أي الإرهاب فقوبلت بالغدر والعدوانية وهذا ليس بمفاجئ فالذين سلموا كل أوراقهم ورقابهم لأمريكا لم يلاقوا منها إلا الغدر والعدوان أيضاً والقائمة هنا طويلة وآخر مثال فيها حسني مبارك الخادم الأمين لأمريكا الذي تخلت عنه بلحظة رغم أن هذا ضد مصلحتها الذاتية . أي أن العلاقات السياسية أياً كان مستواها ليس لها تأثير على السياسة والقرار الأمريكي .
هل يؤثر الدين على السياسة والقرار الأمريكي ؟ تعتبر أمريكا واحدة من أكثر الدول الغربية تديناً، و الدين عنصر فاعل جداً في السياسة الداخلية الأمريكية ، ولكن ماذا عن تأثير الدين في السياسة الأمريكية في منطقتنا وفي سورية. لم يبق طائفة دينية إلا وأصابها الويل من الحرب الدائرة في سورية وعلى رأس المتضررين مسيحيي سورية، حتى أن الحرب ودمارها وصلت إلى واحدة من أقدس المدن االمسيحية في العالم أي معلولا وطارت صيحة الأحتجاج عالمياً ولم يشذ حتى البابا عن الإحتجاج، وظن الجميع أن الضغط الديني لا بد أن يؤثر في السياسة والقرار الأمريكيين، ولكن أميركا لم تهتم وأدارت ظهرها لمسيحيي سورية ومن قبلهم لكل مسيحيي الشرق ولمقدساتهم وباعتهم بثمن بخس! إذاً الدين لم يؤثر لا على السياسة ولا على القرار في أميركا .
هل تؤثر القوانين الدولية أو القوانين الأمريكية أو شرائع حقوق الإنسان على السياسة والقرارات الأمريكية ؟ بعد أن شاهدنا بأم العين الميليشيات "الأمريكية" في سورية وهي تستخدم الأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين والتغطية الأمريكية لجرائمهم هذه و لغيرها , وبعدما استوثقنا بأن المخابرات الأميركية تعمل على إطلاق وتهريب أخطر المجرمين الإرهابيين من سجونها ( غوانتانامو) ومن سجون ليبيا والعراق والسعودية وباكستان ثم تعمد لتجنيد هؤلاء في مليشياتها المقاتلة في سورية , وبعد أن ثبت أن أمريكا تتحالف في سورية مع منظمة القاعدة المصنفة اولى بالإرهاب العالمي حسب القانون الدولي والأمريكي ؛ يمكننا بعد هذا القول أن القانون الدولي والمحلي الأمريكي وشرعة حقوق الأنسان يضاف لهم المعاهدات الدولية والمفاهيم الإنسانية كل هذا ليس له أي تأثير على السياسة والقرارت الأمريكية .
هل تؤثر العلاقات الدولية والضغوط الدولية على السياسة الأميركية والقرار الأمريكي ؟ تستبق أميركا عادة الأمور وتضغط على حلفائها ( أصبحوا كلهم أجرائها ) لكي يؤيدوا قراراتها بحيث تبدو هذه القرارت حائزة عل رضا دولي وعندما يشذ أحد الحلفاء لا تعيره انتباهاً مثلما تفعل الآن مع ألمانيا وإيطاليا اللتان تعارضان العدوان الأمريكي على سورية فتعيرهم أميركا أذناً صماء، أما خصومها الدوليين فتتلذذ بمعاكسة رغباتهم إبرازاً منها لقدراتها ولهيمنتها الدولية ( منذ سنتين فقط بدأت روسيا تحاول أن تكون حالة ضاغطة إلى حد ما على السياسات الأمريكية) إذا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم لم نشهد للعلاقات الدولية وللضغوط الدولية (إن وجدت ) تأثيراً واضحاً أو حقيقياً على السياسات وعلى القرارت الأميركية .
هل الرأي العام الأمريكي يؤثر على سياسات وقرارات بلده ؟ اعترف كثير من الساسة وأعضاء الكونغرس الأمريكان أن المعارضة الشعبية الحاصلة لشن عدوان على سورية غير مسبوقة وأن الآراء التي يعبر عنها المواطنون وتصلهم عبر مختلف وسائل الإتصال تظهر أن 9 من كل عشرة أمريكان يعارضون أن تعتدي بلادهم على سورية ورغم هذا فإن أميركا ممثلة برئيسها وإدارته لا تزال مصرة على المضي بشن عدوان على سورية، أي أن الراي العام الأمريكي لا يؤثر على السياسة ولا على القرارت الأمريكية .
مصالح أمريكا الخاصة لم تؤثر على سياستها و قراراتها في الشرق الأوسط وسورية تحديداً. العلاقات الشخصية لم تؤثر على سياستها و قراراتها . العلاقات السياسية و الأمنية لم تؤثر . القوانين الدولية والقوانين الأمريكية والشرائع الإنسانية ليس لها أي تأثير على السياسات والقرارت الأمريكية . الروابط والعلاقات الدينية لم تؤثر على سياستها و قراراتها. كذلك العلاقات الدولية سواء مع الحلفاء أو الخصوم لم تؤثر . الرأي العام سواء الدولي أو الأمريكي المحلي لم يؤثر .
إذاً كيف تبني أمريكا سياستها وقراراتها بالشرق الأوسط وفي سورية تحديداً, مالذي يؤثر في سياسات وقرارات أمريكا في الشرق الأوسط وسورية . من الذي يوجِّه سياسات وقرارات أمريكا في الشرق الأوسط وسورية ؟ لكل الأسئلة السابقة جواب واحد بكلمة واحدة ... إسرائيل .
إضافة تعليق جديد