مناورات أردنية على هامش الصراع السوري

09-09-2015

مناورات أردنية على هامش الصراع السوري

شهد الأردن خلال الفترة الأخيرة تفاصيل سياسية تبدو متناقضة في ظاهر الأمر، إذ قام الملك عبد الله الثاني بزيارة روسيا، تخللتها مباحثات مع الرئيس الروسي بوتين.
ومعلوم أن الأردن ليس الدولة العربية الوحيدة التي تشد الرحال إلى موسكو في هذه الأيام، فالزيارة التي قام بها الملك عبد الله للعاصمة الروسية تزامنت مع زيارتين أخريين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد ابو ظبي (...)، فضلاً عن حراك روسي محموم لإيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا، وفق مقاربة الرئيس بوتين، الداعية الى تشكيل تحالف إقليمي ضد تنظيم «الدولة الاسلامية».
لعل ذلك دفع بالبعض في الأردن الى التفكير في احتمال ان تكون الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة تستعدّ لنقل البندقية من كتف الى آخر، وان تكون روسيا قِبلتها الجديدة.
لكن ما قالته السفيرة الأميركية لدى عمّان أليس ويلز، خلال مقابلة أجرتها معها صحيفة «الغد» الاردنية، جاءت لتعكس مقاربة أخرى، بالنسبة الى الاردن، وخصوصاً لجهة الحديث عن تكريس فكرة «منطقة آمنة بحكم الأمر الواقع» في الجنوب السوري (بين الأردن وسوريا).
ولعل التقارب والانفتاح الاردني تجاه روسيا من جهة، والحديث عن المنطقة «الآمنة» بما تمثله من مشروع اميركي، يدفعان الى البحث في تموضع الأردن سياسياً من الأزمة السورية بين روسيا حليفة الرئيس السوري بشار الأسد وبين الولايات المتحدة التي ما زالت تناصب العداء للنظام السوري.
هامش مناورة لا أكثر
 لا يرى محللون سياسيون في المتغيرات السابقة مظاهر لتغيّرات جذرية في السياسات الإقليمية والدولية إزاء الوضع في سوريا.
ويقول المحلل السياسي ابراهيم علوش، إن الولايات المتحدة لم تعُد كما كانت، لكنها لم تنسحب ولن تنسحب من المنطقة العربية.
وبرغم تأكيده أن المشهد العالمي الجديد هو مشهد التعدد القطبي بعد صعود روسيا ودول الـ «بريكس»، إلا أن علوش يرى في المقابلة أنه «مخطئ في تحليله من يقول إن الولايات المتحدة انسحبت من المنطقة... وكذلك مخطئ من يقول بأنها لا تزال تمسك بكل الاوراق في المنطقة».
وفي هذا الإطار، يذهب المحلل السياسي جهاد الرنتيسي، باتجاه تحليل الحدث في سوريا بعيداً عن التضخيم، وقريباً من الواقع في محاولة لرسم هدف الولايات المتحدة من الأحداث الجارية حالياً.
ويقول الرنتيسي «يعتقد البعض أن الولايات المتحدة نقلت عطاء الملف السوري إلى الروس، هذا غير صحيح في اعتقادي، لكنّ الرؤية الأميركية للمسألة السورية غير معلنة لأن الولايات المتحدة لا ترغب في الحل في المرحلة الراهنة». ويرى الرنتيسي أن التلكؤ الأميركي منح الروس هامشاً أكبر، وبالضرورة فإن هذا هامش الحركة الروسية يمنح الدول الإقليمية الصغيرة فرصة للبحث عن هامش أوسع للمناورة، والأردن من بين هذه الدول التي تسعى الى إيجاد موطئ قدم ضمن الهامش المتاح بين الموقفين الروسي والأميركي.
ويرى الرنتيسي أن الهدف من تلكؤ الولايات المتحدة في حل القضية السورية ليس رأس النظــام السوري، موضحاً أن المطلوب أميركياً هو رأس سوريا، أي تقسيم سوريا، فبالنسبة إليه من غير الممكن رؤية «داعش» بمعزل عن الاستراتيجية الأميركية الساعية لتقسيم سوريا.
ما سبق لا يعني أن روسيا لا تحاول إعادة تأكيد وجودها في المنطقة بحسب علوش، الذي يذكّر بأهمية تناول عنصر مهم، وهو سياسة الرئيس الاميركي باراك أوباما، التي ترى ضرورة مواجهة الصعود القوي السياسي والاقتصادي لروسيا والصين، وبشكل أوسع مجموعة «بريكس»، وانه ينبغي على واشنطن، بالتالي، تسكين الصراع في منطقتنا للتفرغ للصعود الروسي والصيني. وبرأيه فإن هذه السياسة لا تستعدي الكيان الصهيوني، ولا حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم السعودية.
ويذكّر علوش بأن الأردن هو الدولة الوحيدة في المنطقة العربية التي سيتمّ ضمّها إلى حلف شمال الأطلسي، مشيراً إلى أن الأردن ما زال تحت المظلة التابعة للولايات المتحدة، لكنه سياسياً مضطر لتحسين علاقاته الدولية، لكي يحمي نفسه، خصوصاً في ظل الحديث عن صفقات إقليمية تعقدها الولايات المتحدة.
ولعلّ الحديث عن صفقات يفتح باب النقاش حول انعكاس الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 على منطقة الشرق الاوسط، والذي يرى علوش أنه فتح آفاقاً لتصعيد الصراعات والملفات الإقليمية، مذكّراً بالدور الذي تقوم فيه السعودية لعرقلة الاتفاق النووي الايراني، او التشويش عليه، وخصوصاً معارك كسر عظم في كل بقعة يوجد فيها تمدّد إيراني.
وفي ضوء ذلك فإن علوش لا يرى في المواقف الأميركية الاخيرة، وخصوصاً الحديث عن «التزام بانتقال سياسي في سوريا يستثني الأسد»، سوى جائزة ترضية للسعودية لكي تتقبّل الاتفاق النووي.
لا «مناطق آمنة» في سوريا!
وعلى ما يبدو، فإنّ تصريحات السفيرة الاميركية أليس ويلز تقدّم مفردات جديدة بشأن مفهوم المناطق «العازلة» أو «الآمنة»، فهي تحدثت عمّا «يشبه المناطق الآمنة»، وهي تلك المناطق التي تشكلت بحكم الواقع، أي بحكم سيطرة المسلحين عليها.
وهنا يطرح السؤال: عندما نتحدث بلغة عسكرية دقيقة هل يمكن وصف تلك المساحات من الأراضي السورية في الجنوب السوري بالمناطق الآمنة؟
 يقول الخبير العسكري اللواء المتقاعد فايز الدويري، إن «هذا الواقع موجود بحكم القتال.. ولكن هل استمراريته قائمة؟». مضيفاً «لا أعتقد ذلك».
ويوضح الدويري أن «ما يجري حالياً في الشمال أو في الجنوب أنه قد تسيطر قوات معينة على المنطقة ويبتعد تنظيم (داعش) أو قوات النظام السوري عنها، لكن هل هذه المنطقة تعتبر منطقة آمنة بشروط المنطقة الآمنة؟».
ويذكّر الدويري بأن «المناطق الآمنة أو العازلة تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، ولها شروطها ومتطلباتها ومرتكزاتها، وهذا كله غير متوافر حالياً في المنطقة التي تحدثت عنها السفيرة الأميركية».
لذلك، فإنّ التوصيف الدقيق عسكرياً، بحسب الدويري، هو أن الحديث يدور عن منطقة تحت سيطرة تنظيم مسلح معيّن فرض واقعاً ميدانياً معيناً، وهذا ما يدفعه الى القول إن لا أفق منظوراً بشأن إقامة مناطق عازلة سواء في الشمال أو في الجنوب.
وبتخصّص أكثر، يفرق الدويري بين المنطقة العازلة وتلك الآمنة، منبهاً إلى أن هذه المصطلحات تستخدم كبدائل وهي ليست كذلك، فالمنطقة العازلة هي منطقة بين دولتين تنشأ عبر اقتطاع أراضي من الدولتين تحت ظروف معينة وبموافقة الدولتين، وبموافقة مجلس الأمن الى غير ذلك، في حين أن المنطقة الآمنة يتم تخصيصها للمدنيين بسبب تضررهم من الصراعات، وأحياناً بسبب هيمنة دولة على حساب دولة أخرى.
ولذلك يقلل الدويري من قدرة الأردن على إنشاء منطقة عازلة بمفرده داخل الجغرافيا السورية، مذكراً بعجز تركيا في الجهة الشمالية حتى عن ذلك، لأنها لم تحصل ببساطة على الضوء الأخضر الأميركي.
ما سبق يدفع علوش الى التأكيد على أن هذا تصريح السفيرة الأميركية ليس استراتيجياً بقدر ما هو «استرضائي» يوجه إلى الداخل الأميركي فلا يثير لها أية مشاكل مع الجمهوريين أو الديموقراطيين، وفيه مراعاة أيضاً للمملكة العربية السعودية.
ويتوقف علوش قليلاً عند تصريح السفيرة الاميركية معتبراً أنه تدخل في العلاقات السورية - الأردنية ما يؤدي الى تعكيرها وإثارة شكوك السوريين حيال نيات الأردن، «فهي تتحدث عن منطقة آمنة بمنظورها هي، والمهم أن لا يكون فيها الجيش السوري».

رانية الجعبري

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...