مهرجان لندن السينمائي في يوبيله الذهبي
لمناسبة احتفاله بيوبيله الذهبي منذ بداية الشهر الجاري عرض مهرجان لندن السينمائي أهم ما أنتج في خمسين دولة العام الحالي، إضافة الى بعض أعمال العام الفائت، بحيث وصلت عروضه الى 181 فيلماً روائياً طويلاً و131 فيلماً قصيراً وتسجيلياً و «تحريك»، منها أربعة أفلام في عرضها العالمي الأول و32 فيلماً كعرض أوروبي أول الى جانب 128 فيلماً تعرض للمرة الأولى في انكلترا. لهذه المناسبة أيضاً عرض المهرجان في صورة استثنائية، خمسين فيلماً من «أفلام مفاجأة» في خمسين دار عرض وهو أكبر قدر من هذه النوعية يعرض في مهرجان دولي حتى الآن. كما استضاف المهرجان أكثر من أي وقت مضى نخبة من ألمع نجوم السينما العالمية ومخرجيها المألوفين لدوراته السابقة في الوقت ذاته الذي استضاف بالاهتمام والحماسة نفسهما مخرجين موهوبين جدداً عرضوا على شاشاته أعمالهم المميزة الأولى وناقشوها مع جمهور المهرجان.
أما أبرز الملامح التي احتفل المهرجان من خلالها بعامه الخمسين فهي صنع وعرض فيلم خاص بعنوان «بورتريه للندن، ميدان الطرف الأغر» وهما أي لندن والميدان، شهدا على مدى نصف قرن دورات المهرجان المختلفة واستضافة أكبر نجوم السينما في العالم إضافة الى كونهما موقعاً أثيراً لتصوير عدد كبير من الأفلام المميزة والباقية في الذاكرة. كلف بإخراج هذا الفيلم (130 دقيقة) المخرج الكبير مايك فيجيز مخرج فيلم «الرحيل من لاس فيغاس».
- ينطبق عنوان مهرجان المهرجانات تماماً على نشاطات مهرجان لندن وعروضه وأيضاً على أهدافه انطلاقاً من ترتيبه السنوي الذي يأتي في نهايات العام، وكونه أعرق مهرجان أوروبي بتوجهه الجماهيري، ولأنه من دون مسابقة رسمية، ما يتيح له عرض الأفلام المهمة التي توجت بجوائز مهرجانات العام الدولية الكبرى ليصبح المرآة العاكسة لأفضل أفلام العام.
ومن هنا عرض المهرجان عبر أقسامه المختلفة فيلم «حياة متوقفة» وهو الفيلم الصيني الذي انتزع – ربما عن غير جدارة كبيرة – أسد البندقية الذهبي كأفضل فيلم في آب (أغسطس) الفائت، والفيلم البريطاني «الدرب الأحمر» للمخرجة اندريا ارنولد في عملها الروائي الأول وكان حاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان «كان» في أيار (مايو) الماضي، وفيلم «غربافيتسا» لمخرجته البوسنية جاسميلا زبانيش الذي حاز دب برلين الذهبي في شباط (فبراير) من هذا العام وغيرها من أفلام المهرجانات الكبرى.
واستمراراً لعرض الأفلام المهمة التي شاركت في مهرجانات دولية في هذا العام وحازت تقدير النقاد، شهد قسم «عروض خاصة» فيلم «باماكو» للموريتاني عبدالرحمن سيساكو و «بابل» لمخرجه المكسيكي اليخاندرو غونزاليس ايناراتو، الذي عرض أيضاً كفيلم الختام، وكان كلاهما من اختيارات مهرجان «كان» الرسمية الى جانب أحدث أفلام انطونيو منجيلا «الاقتحام والدخول» بطولة البريطاني الصاعد جود لو، وعشرة أفلام أخرى. وبعيداً من السينما الأوروبية والأميركية، حرصت إدارة المهرجان على عرض أفلام آتية من الفيليبين وأميركا اللاتينية والجزائر («بركات» لجميلة صحراوي)، ومصر التي عرض لها كما هو متوقع «عمارة يعقوبيان» الذي ذكرت عنه إدارة المهرجان في مطبوعاتها انه الفيلم الذي حطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر هذا العام.
- افتتح المهرجان الفيلم البريطاني «آخر ملك في اسكتلندا» من إخراج كيفين ماكدونالد وتمثيل فورست وايتكر وجيليان اندرسون، وينطوي عنوان الفيلم على مفارقة ساخرة فالفيلم لا علاقة له بملوك اسكتلندا وليس تاريخياً بالمعنى المألوف، وتتلخص علاقته باسكتلندا من خلال طبيب شاب شعر بالملل في حياته في اسكتلندا فعزم على السفر الى افريقيا بنية طيبة في تقديم المساعدة للقارة السمراء الفقيرة فتستقر به رحلته في أوغندا ويحدث أن يتقابل مع حاكمها عيدي أمين الذي يقوم بتعيينه طبيباً خاصاً له. وسرعان ما يسند اليه مناصب مهمة ورفيعة في حكومته ليطلع الطبيب من خلال ذلك على ظلم عيدي أمين لأبناء شعبه والفظائع الإنسانية التي يرتكبها في حقهم لكنه لا يدري ماذا يفعل خصوصاً بعد أن وصل الى هذه المكانة الرفيعة المقربة من الحاكم وكأنه ملك كأنه آخر ملوك اسكتلندا.
ومن المواقف النبيلة والمؤثرة التي شهدها حفل الافتتاح بعد انتهاء عرض الفيلم وصعود طاقمه لتحية المشاهدين والنجوم والسينمائيين في القاعة، ان النجم الكبير فورست وايتكر لم يتوقف كثيراً أمام تصفيق جمهور القاعة له ولأدائه المميز لشخصية عيدي أمين وفضل أن يحظى ممثل مغمور من أوغندا بذلك الثناء والأضواء وفلاشات الكاميرات، وحدث هذا عندما نادى الممثل ستيفن رونجيزي الذي شاركه التمثيل بالفيلم.
من ضيوف المهرجان من النجوم وصانعي الأفلام سواء الذين حضروا حفل الافتتاح أو نشاطات المهرجان الأخرى البريطاني المخضرم بيتر أوتول، وداستن هوفمان وتيم بيرتون وبوب هوسكينس وكيت ونسليت وناني موريتي وبول فيرهوفن، والمخرج التركي نوري بلج سيلان وآخرون.
أما الندوات التي عقبت الفيلم والتي يتناقش فيها مخرجوها مع الجماهير فلم تخل من جدل سياسي بخاصة ندوتي الفيلمين البريطانيين «الأشباح»، إخراج نيك برومفيلد الذي يدين المعاملة غير الانسانية التي يواجهها المهاجرون غير الشرعيين في انكلترا وهم تحديداً هنا الصينيون الذين مات منهم حديثاً 21 شخصاً بفعل القيام بمهن تنطوي على مخاطر كبيرة. أما الفيلم الآخر فهو «هذه هي انكلترا» اخراج شين ميدوز الذي يرصد متغيرات المجتمع البريطاني وسلبياته الكبيرة من عنف وعنصرية وسياسات متشددة في الثمانينات من القرن الماضي فينتقد سياسة مارغريت ثاتشر وعهدها وحرب فوكلاند. وتُسرد أحداث الفيلم من خلال صبي في الثالثة عشرة يقتل أبوه في هذه الحرب ويعاني الفراغ فينضم الى جماعة من حليقي الرؤوس المتمردين الذين يتحول بعضهم الى نازيين عنصريين جدد.
الأفلام التي تمنح جوائز المهرجان وهي خمس جوائز هذا العام، يتم اختيارها من بين تلك المعروضة في بضعة اقسام من أقسامه التسعة، وكل جائزة تشكل لها لجنة تحكيم خاصة: جائزة سوزرلاند التي تمنح لمخرج قدم أول عمل في شكل أصيل ومبتكر لا يخلو من الخيال الفني ذهبت للبريطانية اندريا رينولد عن فيلمها «الدرب الأحمر» الذي يدور حول موظفة رصد تلفزيوني في دائرة أمنية تلمح على شاشتها يوماً صورة رجل كان صدم وقتل زوجها وابنها، فتطارده حتى تنتقم منه.
أما جائزة لجنة تحكيم نقاد السينما فكانت من نصيب الفيلم الفرنسي الإسباني «لولا» للمخرج جافيير ريبول ويدور حول رجل يعيش مع أمه طريحة الفراش، تتغير حياته بالكامل عندما تأتي امرأة اسبانية للإقامة في المبنى نفسه الذي يسكنه فتستحوذ على كل تفكيره الوقت كله ما يولد عواقب وخيمة لكليهما.
جائزة الفريد دانهيل للمواهب البريطانية الشابة سواء في مجال الإخراج أو الانتاج أو كتابة السيناريو وقيمتها المالية 15 ألف جنيه استرليني، منحت لمارك هربرت منتج فيلم «هذه هي انكلترا».
ومن الجوائز التي استحدثها المهرجان العام الماضي جائزة غريرسون التي يمنحها معهد الفيلم البريطاني بالتعاون مع جريدة «تايمز» لمخرج أفضل فيلم تسجيلي طويل يعرض في المهرجان، وحصلت عليها المخرجة الأميركية لورين غرينفيلد عن فيلم «نحيفة» الذي يناقش استحواذ مفهوم النحافة والجسد الرشيق على اهتمام المرأة الأميركية للدرجة التي يمكن معها ان تصبح حياتها مهددة بالفناء. أما جائزة «ساتياجت راي» الذي تمنح لفيلم يستطيع ان يضاهي القيمة الفنية والانسانية الكبيرة التي تميزت بها أعمال المخرج الهندي الكبير الراحل، فحصل عليها الفيلم الألماني «حيوات الآخرين» لفلوريان هينيكل الذي يرصد الصورة القاتمة التي كان يحيا في إطارها مواطنو ألمانيا الشرقية تحت النظام الشيوعي.
أيمن يوسف
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد