مواطنو الانترنيت في مواجهة الكذب الاعلامي

13-09-2012

مواطنو الانترنيت في مواجهة الكذب الاعلامي

الجمل- ترجمة رندة القاسم: تمت دراسة  موضوع  netizen (مواطن شبكة الانترنيت) أول مرة في بحث بدأ عام 1992  بقلم مايكل هاوبين من جامعة كولومبيا. و كتب حينها أنه أضحى مدركا لانبثاق مؤسسة اجتماعية جديدة، مع تطور الجمهور الالكتروني، و وجد أن هذه المجتمعات الموجودة على الانترنيت تطرح بجدية  قضايا سياسية و اجتماعية نادرا ما تقوم وسائل الإعلام التقليدية و صفوف جامعته  بتناولها و إن فعلت فمن زاوية ضيقة.
و يلاحظ هاوبين وجود أشخاص على الانترنيت يدافعون بقوة عن الاتصالات العامة, و يدعمون تبادل المعلومات المفتوح و يحاربون أي تصرف هدام على الشبكة، و يعتبر هاوبين هذا (مواطنية شبكة الانترنيت).زينب الحصيني في مقابلة على التلفزيون السوري بعد أن قالت القنوات التحريضية أنها قتلت على يد النظام السوري
غالبا ما كان يطلق على المدافع عن شبكة الانترنيت net.citizen (مواطن الشبكة)، و جمع هاوبين الكلمتين بعبارة (netizen) للتعبير عن شيء جديد. فهي مواطنية على شبكة الانترنيت لا تملك هوية جغرافية و لا اجتماعية، و كتب : ( يشير بحثي إلى وجود أشخاص فاعلين كأعضاء في الشبكة، و "مواطن شبكة" ليس تعريفا دقيقا لهم).
و من المهم التمييز بين كل مستخدمي الانترنيت و بين أولئك الذي يشاركون بشكل بناء في قضايا اجتماعية و سياسية في المنتديات و غرف المحادثة أو في مدوناتهم. فالأخيرون يظهرون على الشبكة لأجل أهداف عامة لا شخصية أو بهدف التسلية. إنهم يتصرفون كمواطنين في الشبكة و هم من يستحقون لقب netizen.و بصراحة، لا يعتبر كل مستخدمي الانترنيت netizen.
 و عام 1995 كتب مايكل هاوبين: (netizen لا تستخدم لكل الأشخاص الذين يظهرون على الشبكة، انهم ليسوا أولئك الذين يظهرون على الشبكة لمصالح أو مكاسب شخصية. ولا الأشخاص الذين يعتقدون الشبكة خدمة، بل هم أشخاص يدركون أنه يتوجب على كل فرد القيام بدوره لجعل شبكة الانترنيت مجتمعا و ملاذا متجددا و نابضا بالحياة .مواطنو الشبكة أناس قرروا تكريس وقتهم و جهدهم لجعل الشبكة، هذا الجزء الجديد من عالمنا، مكانا أفضل).
و في كلام مشابه لما قاله مايكل كتب الدكتور هايكينغ يو( المحاضر في موضوع الثقافة و وسائل الإعلام الصينية في جامعة New South                  Wales في أوستراليا ): (netizens هم أولئك الذين يستخدمون الانترنيت كمكان لممارسة المواطنية عبر نقاشات عامة منطقية حول قضايا سياسية و اجتماعية هامة، و netizens  ليسوا فقط مواطنين على الشبكة و لكن مواطنو الشبكة، بمعنى أنهم من يشاركون بشكل فعال لتطوير الشبكة و الدفاع عنها كمنبر تواصل عالمي).
و انطلاقا من هذا المعنى لكلمة netizen أريد أن أقول بأن موقع     anti-cnn كان يمثل هذا اللقب بشكل فعال و النموذج الأصلي للدور الذي بدأ مواطنو الانترنيت بلعبه في الصين و حول العالم.
في الرابع عشر من آذار 2008، لجأ متظاهرون في لاسا ، عاصمة التبت، إلى العنف. و قام سائح كندي و صحفيان أجنبيان شهدوا الوضع بنشر صور على الشبكة و مقاطع فيديو توثق العنف الاثني للمشاغبين ضد مواطنين و ممتلكات.
و كان هذا قبل بدء وسائل الإعلام الصينية بوصف الحادث على أنه عنف ضد الصينيين من قومية الهان و الصينيين المسلمين و الذين تسعى حكومة التبت إلى نفيهم. و أغلب وسائل الإعلام الغربية مثل BBC  و  CNN  ذكرت بأن العنف نتيجة للحكم الصيني العنصري و عنف الشرطة الصينية.
و عبر الكثير من الصينيين في الخارج عن غضب كبير مع اكتشافهم بأن بعض وسائل الإعلام في الولايات المتحدة  ألمانيا و فرنسا و المملكة المتحدة استخدمت صورا و مقاطع فيديو من اشتباكات بين الشرطة و معارضين مؤيدين لانفصال التبت لا في الصين و لكن في نيبال و الهند و ذلك لدعم مزاعم وسائل الإعلام حول العنف من قبل الشرطة الصينية، أحدهم علق: (ارهابيو شيزانغ يغيرون على لاسا، فيقتلون أكثر من عشرة أبرياء و يحطمون ممتلكات آخرين)،و أرفق تعليقه بخمسة عشر مثالا عن التحريف.
غير أن وسائل الإعلام الغربية اعتبرت هذا الإرهاب احتجاجا "سلميا". سخف ، أليس كذلك؟ الكثير من وسائل الإعلام الغربية قالت ببساطة: مات ناس في احتجاج، و بهذا يخبرون ضمنيا قراءهم أو مشاهديهم أن الحكومة الصينية قتلت متظاهرين.
و لكن هل يجرؤون على ذكر من مات؟ من هاجم من؟ من قتل من؟ و عوضا عن ذلك، شوهوا الحقائق باستخدام صور عنف في دول أخرى و قالوا بأن هذا يحدث في الصين.
و وضع أيضا على الشبكة عرض يضم إحدى عشرة صورة ذات شرح خاطئ  و غير ملائمة للكلام المرافق لها ، و انتشرت على نطاق واسع عبر شبكة الانترنيت في الصين و خارجها.و ضم العرض صورا نشرت على الشبكة لتظهر التحريف و الروايات الكاذبة للكثير من وسائل الإعلام الغربية. فبشكل فج، استخدمت هذه الوسائل صورا من مكان آخر لدعم الرواية الكاذبة حول عنف الشرطة الصينية في آذار لاسا 2008.
و بعد أيام قليلة من ظهور التقارير الكاذبة، أطلق راو جين موقع     anti-cnn، و قال : (بعد مشاركة غضب مواطني الانترنيت و نقاشاتهم ، أردت التعبير عن أفكارنا و اطلاع  الغربيين على الحقيقة).
و ينشر الموقع مقالات و أفلام فيديو و صورا توثق بعضا من التشويه في تغطية أحداث التبت. و ذكر بأن الهدف من الموقع هو مواجهة انحياز وسائل الإعلام الغربية و ذلك عن طريق تعزيز التواصل بين مواطني الانترنيت الصينيين و نظرائهم خارج الصين، و هكذا يمتلك الناس في العالم و الصين معرفة دقيقة عن بعضهم البعض. و كتب في الموقع: (نحن لسنا ضد وسائل الإعلام الغربية، و لكن ضد الكذب و القصص المفبركة في هذا الوسائل).
و وفقا للمشرفين على الموقع فقد اختير هذا الاسم لأن ال CNN القوة العظمى في وسائل الإعلام، و يمكنها إحلال أذى كبير و لذا يجب مراقبتها و مواجهتها عندما تخطئ، و لكن الموقع ليس محدودا لمتابعة أخطاء ال CNN ، بل بكل ما هو منحاز ضد الصين و مسيء لها في وسائل الإعلام العالمية.
و سريعا ما تلقى راو جين مئات العروض من مستخدمي الشبكة لأجل المساعدة في العثور على أمثلة على تحريف وسائل الإعلام.و ألف فريقا مكونا من أربعين متطوعا لمراقبة الالتزام بالحقيقة و لاختصار النقاشات  العاطفية. و اتفق ران جين و مجموعته على بعض القواعد، فالشتائم و التهجم على الأشخاص أمر غير مسموح ، كما يتم إلغاء التعليقات الانفعالية.
تم افتتاح منبر الحوار بعناوين: (تحيز الإعلام الغربي)، ( حقائق التبت)، (الصين الحديثة). و في الأيام الخمسة الأولى جذب الموقع مائتي ألف زائر أكثرهم من خارج الصين. و في الحد الأقصى ، سجل الموقع ملايين المشاركات يوميا. و مع مرور الوقت ، تضمنت المنابر نقاشات جدية بين الصينيين من قومية الهان و غربيين و صينيين من التبت و صينيين أويغور في محاولة أن يظهروا لبعضهم البعض نقاط الاختلاف و الاتفاق فيما بينهم.
و على منبر anti-cnn باللغة الانكليزية كان الكثير من الزوار خارج الصين ينشرون تعليقات . البعض انتقد الرقابة في الإعلام الحكومي الصيني .و كرد على هذه الانتقادات، اعترف بعض المشاركين الصينيين بهذه الرقابة و لكن قالوا بأنه من السهل الحوم حولها، و بأن كل المجتمعات تملك أنظمتها من الانحياز أو الرقابة ،و أنه ينبغي على "مواطني الشبكة" في كل مكان امتلاك الجرأة للتفكير و الحصول على معلومات من عدة مصادر.
المواطنون الصينيون بشكل عام يعلمون أن التيار الرئيسي لوسائل الإعلام الصينية يملك  تاريخا طويلا كإعلام مسيطر و دعائي. و من جهة أخرى ينتشر افتراض بين الشعب الصيني بأن وسائل الإعلام العالمية مثل ال CNN و BBC  مصادر معلومات أكثر موثوقية و تملك وجهات نظر بديلة.
و فضح كذب و انحياز وسائل الإعلام الغربية  عبر أمثلة انتشرت على نطاق واسع في شبكة الانترنيت دعا الكثير من الشعب الصيني لإعادة النظر في  موقفهم الايجابي من الإعلام الغربي.كما و جذب انتباه آخرين تساءلوا فيما إذا كان ما يسمى التيار الرئيسي لوسائل الإعلام الغربية لا يتعدى كونه أداة بروبوغندا أو سياسة أكثر مما هي عليه وسائل الإعلام الصينية.
و خلال عامه الأول أضحى anti-cnn   مصدرا هاما للأخبار. و بعد عام دارت النقاشات لتحديد مصيره، و غادر بعض من مؤسسيه. و استمر الموقع مع وجود منبرين منفصلين باللغتين الصينية و الانكليزية و لكنه أضحى أقل تركيزا على فضح انحياز وسائل الإعلام.و اليوم تعتبر April Media Group التي أسسها راو جين امتدادا ل anti-cnn، و تملك موقعين باللغتين الانكليزية و الصينية هما M4 . و الشيء الأهم في anti-cnn  كان عمله الهام كمراقب على وسائل الإعلام، و خاصة الهامة منها مثل  CNN و BBC .
ففي كل مجتمع  يعمل قطاع رئيسي من وسائل الإعلام لصالح أصحاب السلطة. و اليوم، و مع وجود الانترنيت، تنبثق وسائل إعلام و صحافة تحاول خدمة المجتمع بمراقبة و انتقاد الإساءات التي يرتكبها من في السلطة. و قد زود  anti-cnn كل العالم ببديل عن وسائل الإعلام الموجودة التي شوهت الحقائق المتعلقة بأعمال الشغب في لاسا.
و مستخدمو الانترنيت الذين أطلقوا موقع anti-cnn  اعتبروا في مهمة عامة  و دولية يستخدمون الانترنيت ليراقبوا بحسم وسائل الإعلام العالمية الرئيسية. و في هذا السياق تدور نقاشات حول مواضيع سياسية و اجتماعية صعبة.
و أريد أن أنهي حديثي عن anti-cnn بالتطرق إلى سوريه.
في وقت مبكر من آذار 2011 وقع عنف في مظاهرات احتجاج في درعا جنوب سوريه، و في السابع عشر من آذار 2011 تعرض قسم الشرطة في درعا للهجوم و قتل سبعة. و ذكرت تقارير وسائل الإعلام أن العدد أربعة. و قدم الإعلام السوري الحكومي القصة على أنها (عصابات مسلحة هاجمت قوى الأمن و ممتلكات عامة) بينما قام الإعلام الفضائي الغربي و الخليجي بسرعة بصياغة القصة على أنها (الحكومة السورية تقتل شعبها).هذه المرة و باكرا جدا كان هناك استخدام كبير لأفلام الفيديو و الصور لأجل توثيق (جرائم الحكومة السورية) ، ليس فقط في الإعلام الفضائي الغربي و الخليجي، ولكن أيضا في مواقع على الفيسبوك و يوتيوب.
و كما في حال التبت، أدرك عدد كبير من مستخدمي الانترنيت أن الكثير مما سمي توثيقا كان مشكوك بأمره. و باستخدام محركات البحث ، عثر على المصادر الأصلية و نشرت لإثبات أن الكثير من الجرائم المنسوبة للحكومة السورية كانت تحريفا و تلفيقا. و غالبا ما كان يكتشف بأنها تمت بيد المعارضة نفسها.
و قمت باستطلاع قصير عبر محرك البحث و الفيسبوك و المدونات الصغيرة  باستخدام عبارة Syria Distortions  (التحريف في سوريه) و وجدت أن مستخدمي الشبكة و مجموعات في الولايات المتحدة و تونس و فلسطين و سورية و أماكن أخرى أثبتوا أن الكثير من أفلام الفيديو و الصور كانت من أماكن أخرى غير سورية.فمنها ما يعود الى الحرب الأهلية في لبنان ، أو من جرائم عصابات في المغرب، أو فظاعات الإسرائيليين بحق الفلسطينيين، أو جرائم المتمردين في ليبيا و كلها حملت عنوان "وحشية النظام السوري". بل اكتشف أن بعض الصور كانت لمسيرات كبيرة مؤيد للحكومة السورية و زعم أنها دعما للانتفاضة المسلحة.
في بحثي عثرت على موقع Moon of Alabama و فيه فضح مفصل لكذب حكومة الولايات المتحدة حين قامت بنشر صور فضائية على أساس أنها تظهر القصف العسكري لمدينة حمص. و بحث الموقع في الصور الفضائية ل Google Maps و Google Earth  ليظهر ، على سبيل المثال، أن بعضا من الصور كانت لقاعدة تدريب عسكرية سورية و ليست لقصف مدينة حمص.
إضافة إلى الباحثين عبر الانترنيت الذين فضحوا التلفيق و التحريف، يوجد أيضا أعداد متزايدة من الصحفيين و المواقع الالكترونية و مصادر الأخبار التي تمنح رواية بديلة للأزمة السورية و تنتقد روايات وسائل الإعلام الغربية و الخليجية حول سورية.
لقد نشأت في شبكة الانترنيت صحافة تحليلية و جدية و بحثية ذات أهداف عامة ، تحاول منح قاعدة صلبة بحيث يصل مستخدمو الانترنيت إلى فهم دقيق للأزمات و الأوضاع كما في حالة سورية. و يطلق على هذه الصحافة Netizen Journalism  ( صحافة مواطني الانترنيت)
(مواطنية الانترنيت) ستغدو أكثر فأكثر قوة في المجتمع. و ستستمر الشبكة بمنح الناس مشاركة أكبر في المزيد من قضايا مجتمعاتهم.  و كما في حالة موقع  anti-cnn و مع افتتاح المزيد من القنوات البديلة للمعلومات و الأخبار و التحليلات للأزمة السورية، فان مواطني الشبكة سيغدون قوة لا في السياسات المحلية فحسب بل و الدولية أيضا.

 
                                                                                                                   تُرجم عن موقع The 4th Media                                                                                                                   الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...