موغيريني: لا مصلحة لأحد في ربح معركة وخسارة السلام السوري

16-12-2016

موغيريني: لا مصلحة لأحد في ربح معركة وخسارة السلام السوري

لم يُشكّل نجاح دمشق وحلفائها عسكرياً في حلب محطة لمراجعة السياسية الأوروبية، بالأحرى كان مُناسبة ليقول فريق من الزعماء الأوروبيين إن مطالبتهم «بالواقعية» لديها واقع مكرّس يدعمها. الواقعية باختصار، وفق خلاصة النقاشات التي دارت في القمة الأوروبية أمس، تعني المناورة للنزول عن شجرة: لا مُفاوضات سورية من دون إقرار مسبق باستبعاد الرئيس السوري بشار الأسد. مع ذلك، يقول المُنادون بالسياسة «الواقعية» إن ربح السلام ليس ممكناً مثلما لا يُمكن الرجوع بالزمن مع فائض الخراب السوري.سوريون خلال إجلائهم من المناطق التي يُسيطر عليها المُسلّحون في حلب أمس (ا ف ب)
قبل ساعات من اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي، قابل بعضهم المستقبل مشخّصاً، ليُحدّثهم عن إدانته سياستهم السورية. القادم هو فرانسوا فيون، مرشّح اليمين الفرنسي الأوفر حظاً في الفوز بانتخابات الرئاسة الربيع المقبل. كانت قمة استباقية عقدها زعماء الدول الأوروبية من عائلة «حزب الشعب الأوروبي» (المسيحيون الديموقراطيون أو اليمين الوسطي)، الحاكمة في نصف التكتل الأوروبي تقريباً وعلى رأسه ألمانيا.
الرئيس الفرنسي المقبل، كما تقول كل استطلاعات الرأي، خرج من القمة المُصغّرة مُطالباً بنهج مختلف تماماً في الملف السوري. نُقل عن نقاشه خلف الابواب المغلقة أنه قال لنظرائه المستقبليين إن «الديبلوماسية الغربية وخاصة الديبلوماسية الأوروبية قد فشلت»، قبل أن يقترح المخرج برأيه «الخيار الآخر هو مبادرة ديبلوماسية أوروبية قوية تجمع حول الطاولة كل من يمكنهم وقف هذا الصراع بمن فيهم من ارتكبوا جرائم حرب اليوم».
حينما يجلس فيون في الحكم سيكون إلى جواره المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، المُتوقّع أن تفوز بدورها في انتخابات الصيف المقبل. لا حاجة للقول إن لديها رأياً مختلفاً. قالت سابقاً إنه على الرغم من كل ما حدث «لا أرى الأسد شريكا». إنه رأي الحكم في ألمانيا، ليس رأيها ولا حتى فقط حزبها. كرّر وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير قبل أيام، من الحزب «الاشتراكي الشريك في الحكم، أنه لا يرى في الأفق السوري مستقبلاً للأسد.
ربما لم يكن السبب المُباشر، لكن بعدما خرجت ميركل من لقائهم مع فيون، متوجّهة إلى القمة الأوروبية، لم تتفوّه بحرف واحد عن سوريا. العالم كله يحكي عن حلب، لكن الزعيمة الالمانية مرّت على عناوين نقاش أخرى. مع ذلك، هناك من صار يدعو علانية لتغيير دفّة النقاش الأوروبي، وجهة المقاربة، بعيداً عن مطالب تغيير رأس السلطة أو النظام في سوريا.
رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز يقضي أيامه الأخيرة في بروكسل، قبل العودة لمحافل السياسة الالمانية. لم يُعلن بعد الوجهة النهائية، إن كان سيترشّح منافساً لميركل، أم ينتظر منصباً، يُرجّح أنه وزارة الخارجية، في الحكومة المقبلة. سألنا شولتز رأيه باستعادة الحديث عن مصير الأسد، فردّ بالقول إن غلبة الواقع تستدعي المواكبة لأنه «في الوقت الحالي نحتاج إلى نقاش آخر»، قبل أن يستطرد «النظام السوري موجود هناك والدعم العسكري للنظام هناك أيضاً، لكن يجب ألا ننشغل بهذا النقاش. علينا أن نناقش كيف يُمكننا أن نُساعد المدنيين».
محطة حلب، على هذا النحو، شكّلت ترجيحاً لكفّة داعمي «السياسة الواقعية»، كما تقول مصادر أوروبية تابعت نقاشات القمة. تقول المصادر مجملة حصيلة المواقف الآن «معظم الدول الأوروبية باتت تؤيد أن يكون المحرك هو السياسة الواقعية، مواكبة ما يجري مرحلة بمرحلة مع إبقاء خيارات التحرك مفتوحة»، قبل أن تضيف «لا يُمكن لعب دور مؤثر لحلّ الأزمة السورية عبر سياسية تصدر حكماً نهائياً حول النتيجة المطلوبة ثم الإصرار عليها حتى لو كانت التطوّرات على الأرض تجري في اتجاه مُعاكس».
لكن ليس الجميع متّفقين مع ذلك، منهم المؤثرون حتى لو كانوا أقلية في تعداد دول التكتل. إنهما القوتان العسكريتان الأهم في الاتحاد، مع العلم أنهما قادتا قبل سنوات كسر حظر توريد السلاح الأوروبي إلى سوريا لإمداد المعارضة المسلحة. بريطانيا لا تزال تذكّر بأن الأسد لن يكون في سوريا المقبلة، فيما رئيسة وزرائها تيريزا ماي تُطالب بضمان محاسبة «المسؤولين عن الفظائع» في سوريا.
فرانسوا الآخر، الآتي من الماضي، يُشدّد على ضرورة الثبات على النهج الأولي. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند جاء إلى القمة الأوروبية، مطالباً بتوجيه إدانة صريحة، موحدة، لروسيا تحديداً، فالنظام السوري لا مشكلة في تسطير الإدانات ضدّه. تساءل: «ما الجدوى من اتحاد أوروبي مع 28 دولة» إذا لم يمكن «حماية المدنيين» و «التنديد بالمجازر»، متوعداً بأن زمن المحاكمة على جرائم الحرب سيأتي «يوماً ما». دعا لفتح ممرات إنسانية، اتباع ذلك كسياسة تجاه الحرب السورية.
توصيل المساعدات الإنسانية، بما هو أضعف الإيمان في الفعالية، أحد الإحباطات الأوروبية الكبيرة. فرانسوا المستقبل، ذكّر الزعماء الذين التقاهم بأن «السخط لم يحفظ الأرواح». حينما صدر بيان أوروبي مشترك حول حلب، سابقاً، لم يمكن تجاهل كل المرارة: كيف لا تصل المساعدات الإنسانية وهي على مرمى حجر من المدنيين المحاصرين في شرق حلب. الإحباط مضاعف لأن الأوروبيين يُكرّرون أنهم أكبر مانحي المساعدات الإنسانية والإغاثية في سوريا.
بعض الزعماء رأى هذا الإخفاق ضرورة إضافية لبناء سياسة عسكرية مشتركة وفعالة، بما أن ذلك قيد النقاش. رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل أحد المُدافعين عن ذلك، لتكون الحجة المضافة: فلنبنِ قوة عسكرية عظمى على الأقل، لنتمكن من إيصال المساعدات الإنسانية التي نقدّمها.
التركيز على «الممكن»، مصحوباً بالإخفاق في تغيير الحكم في دمشق، دفع الزعماء لتسطير بيان يركّز على أولوية حماية المدنيين ومساعدتهم. يشمل ذلك ضمان توصيل المساعدات الإنسانية، حماية الطواقم الإغاثية والطبية، إدانة سياسات استخدام المدنيين في الصراع المسلح. ورقة الضغط، أو ما يعتبرها الأوروبيون كذلك، هي القوة الاقتصادية الكبيرة للتكتل القادرة على المساهمة الفعالة في إعادة بناء سوريا. لا يد أوروبية، لا أموال، في هذه العملية الهائلة التكاليف من دون «انتقال سياسي حقيقي وذي مصداقية» يكون نتيجة عملية تفاوضية سورية.
هناك أيضاً الدعم المُتواصل لمبادرة حوار مع القوى الإقليمية، لبناء «أرضية مُشتركة» حول مستقبل سوريا، بقيادة وزيرة خارجية الاتحاد فيدريكا موغيريني. مصادر أوروبية اعتبرت أن موغيريني تقود نهج «السياسة الواقعية ولديها دعم أوروبي من غالبية مُعتبرة».
لكن هل تغيرت معادلة الانتقال السياسي، المطالب به دائماً، بعد حلب؟ وجّهنا هذا السؤال لموغيريني نفسها، خلال حضورها في القمة، فردّت: «لطالما اعتقدت، ولا زلت، أن الواقع والحقائق في سوريا شكّلتا حالة لا يُمكن معها، مهما حدث في حلب، إنهاء الصراع»، قبل أن تضيف «لا أحد لديه المصلحة في ربح معركة وخسارة السلام».
لذلك، معادلة «التغيير السياسي» برأي موغيريني لا تزال صالحة إذاً، فهي تبنيها تحت عنوان: ما الذي تحتاجه سوريا لتكون دولة مجدداً. تُرتّب عناصرها بهذا الشكل: «يجب أن تكون سوريا في لحظة معينة بيدي حكومة شاملة قابلة للمحاسبة، سيكون عليها أن تواجه عملية المصالحة الصعبة، وعليها إيجاد السبل لضمّ كل أجزاء المجتمع في عملية إعادة البناء، عليها حشد موارد هائلة لذلك، وهذا كله سيكون ممكناً فقط مع انتقال سياسي حقيقي في دمشق. أعتقد أن الجميع يُدرك ذلك، وهذا لا يُمكن بناؤه على أنقاض حلب أو مدن أخرى».
بمبادرة من باريس، جلس الى طاولة الزعماء الأوروبيين ما يُثبّت رمزية حلب، ورمزية تطوراتها غير المواتية أوروبياً. أجلس هولاند الى طاولة الزعماء الأوروبيين بريتا حاجي حسن، حاملاً حكاية المدينة المنكوبة بوصفه «رئيس المجلس المحلي لأحياء حلب» حينما كانت خاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة. ردّد خارج صالة القمة فحوى رسالته «لا نُطالب بخوض حرب... بل بإنقاذ المدنيين».
القمّة كرّست نهج «الواقعية» بوضوح، باختصار شديد: لا عقوبات على روسيا بشأن سوريا، ولا نقاش جديا في ذلك.

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...