ميلينا أنجوس.. كلمة «كاتبة» مثقلة بالواجبات والمقاطع «الجريئة» مراقبة

10-08-2012

ميلينا أنجوس.. كلمة «كاتبة» مثقلة بالواجبات والمقاطع «الجريئة» مراقبة

منذ خمس سنوات، لم تكن الكاتبة الإيطالية ميلينا أنجوس، معروفة إلا عبر عدد من القراء الإيطاليين الذين انتبهوا إلى كتابتها الأولى. لم تكن تشعر بأي ضرر من ذلك. إلا أن القدر سرعان ما تغيّر مع نشرها لروايتها الثانية «شرّ الحجر» الذي ترجمت بداية إلى الفرنسية، لتأتي بعدها ترجمات إلى لغات كثيرة جعلت منها كاتبة حاضرة بقوة على الساحة الأدبية. ميلينا انجوس
في عددها الأخير اختارتها مجلة «الماغازين ليتيرير» واحدة من أهم عشر كتّاب في العالم، لتفرد لها ملفاً يعرف بها وبأدبها. المجلة المذكورة، أجرت معها حوارا، للتعريف بها، هنا ترجمته لنطل به على كاتبة تحظى بكثير من التقدير اليوم.

هل يمكن القول إنك اليوم كاتبة تعرف النجاح؟

ـ لا أحب حقا كلمة كاتبة. تبدو لي ثقيلة على الحمل، مليئة بالجدية، بالواجبات، محملة بالكثير من المسؤوليات. لو وافقت على هذه الكلمة، لشعرت بأني مضطرة للقيام «بمهمة الكاتب». في العمق، لا أرغب في أن يلاحظني أحد. حين كنت في المدرسة، كنت طالبة ممتازة، بيد أني كنت أشعر بالخجل وأرفض أن أكون أولى صفي. كنت أعرف الإجابات المناسبة إلا أني لم أكن أرغب في أن أتميز عن التلميذات الأخريات، لذلك كنت أخطئ نفسي عمداً. بالنسبة إليّ كانت الكتابة دائما نوعا من التسكع.. حين لا أكتب، أعيش حياتي، ببساطة. أدرّس، أهتم بمنزلي، أقوم بالعديد من الأشياء اليومية والعادية، مع العلم أنها ليست أشياء جميلة دوما. أما الكتابة، فعلى العكس من ذلك، إذ أنها متعة وليست واجبا أبدا. إن نجاح كتابي «شر الحجر» جعلني غنية لمدة ستة أشهر في حياتي. بعت الكثير من الكتب في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. تم شراء حقوق الكتاب في العالم بأسره. لكن في العام 2008 تعرضت والدتي لنزف في الرأس وكان عليّ أن أهتم بها. وقد احتاجت إلى مساعدتين، واحدة في النهار وأخرى في الليل، كما إلى العلاج والأدوية الغالية جدا، وهي أدوية لا نسترد ثمنها. بدءا من تلك اللحظة، وعلى المستوى المالي، عاد كل شيء كما كان عليه من قبل. لا أذكر أن هذه الأشهر كان لها ذكرى سعيدة. العودة إلى العادية جاءت من دون أي ندم. ندمي الوحيد كان على والدتي. لم تعد كما كانت عليه.

اكتشفك القراء الفرنسيون، (تحديدا)، العام 2007 مع رواية «شرّ الحجر» لكنه لم يكن كتابك الأول؟

ـ روايتي الأولى، «حين ينام القرش» صدرت في إيطاليا العام 2005. ونشرت في فرنسا منذ سنتين. ولد هذا النص من حكايات كنت كتبتها سابقا. قمت في هذه الأقاصيص، بمقابلة أشخاص مع بعضهم البعض ليتحدثوا فيما بينهم. وما أعتبرها أجمل وأهمّ تلك التي تتحدث عن خالة تبحث عن الحب، وتلك التي عن أمّ لا تحلم إلا بجمال العالم، وهي تنتمي بذلك، في طباعها، إلى عائلة مندوسا، ومن ثم انبثقت شخصية ماورو دو كورتيس، أحد عشاق الخالة... عبر جمعي كل هذه الشخصيات بنيت هذه الرواية، لكني لم أكن أعرف ماذا أفعل بها. جعلت صديقي يقرأها (لم يكن صاحبي بعد في تلك الفترة) كما إلى صديقين عزيزين على قلبي. كان يمكن لها أن تبقى مكانها. وذات يوم قرأت في صحيفة «لاريبوبليكا» خبرا عن إنشاء دار جديدة هي «نوتيتيبمو»، وكانت تقترح إصدار روايات صغيرة، مطبوعة بأحرف كبيرة، كي تقرأ ليلا. وجدت الفكرة مدهشة ورأيت أنها تناسبني جدا. حينذاك قررت إرسال المخطوط. يجب المحاولة في هذه الحياة. أجابوني بعد 8 أشهر. كنت نسيت القضية برمتها تقريبا. حين اتصل بي جينيرفا بومبياني، ولم أتخيل بصدق أن ذلك سيحدث، ظننت للوهلة الأولى أن ثمة من يمازحني.

تظنين أن حظك كان كبيرا؟

ـ أجل. اعتقدت طويلا أن جينيرفا بومبياني كان «ساحرا». مثله مثل ليانا ليفي، إذ ان نجاحي في فرنسا كان قد بدأ.

متى بدأت الكتابة؟

ـ اكتب منذ طفولتي. في البداية، كنت أكتب بعض الأفكار، بعض أسرار الأولاد،. عرفت طفولة سعيدة بكوني فتاة وحيدة. لكن يبدو لي أن هذه الذكرى، ذكرى هذه السعادة، أدين بها لنفسي. أشرح: كنت طفلة مدللة، حصلت على كل الذي كنت أرغب فه، لكني أشعر بأن الإحساس بسعادة الطفولة هذه كانت تتأتى من قدرتي على الإبداع. إبداع لحظات لم تكن موجودة. لو أن وضعا ما جعلني أشعر بالحزن، لو أن شيئا أثار في الألم، كنت عندها أخترع واقعاً ثانياً وكنت أعيد اختراع نفسي من دون توقف. ساعدني ذلك كثيرا. بدأت أكتب بسبب هذا الأمر كي أطلق العنان لكل هذه الاختراعات. استمررت في «الخربشة» في المدرسة وفي الثانوية. كنت أتخيل أقاصيص صغيرة. لغاية عمر الثلاثين حيث كتبت بعض القصائد. في الحقيقة كانت قصائد سيئة جداً. مرعبة، حزينة، تثير الإحباط. اليوم أجدها قصائد تثير الضحك. من كل كتابات تلك الفترة لم أحتفظ إلا بواحدة منها وهي موجودة في «شرّ الحجر». وهي قصيدة تبدأ بـ«يستيقظ انتظاري، مكتئبا، تحت ضربات الربيع الزرقاء».

من أين تأتي رواياتك، أقاصيصك؟

ـ تولد دوماً من حاجة. من حاجة الفهم. على سبيل المثال، تسبر «كونتيسة ريكوتا»، أغوار هذه الفكرة: إن كانت حياتنا في الواقع، لا تتغير، فإن بإمكان نظرتنا تجاهها أن تتبدل. إنها رواية نجد أن وضعيتها هي ذاتها في النهاية كما في البداية. ليست هناك أي تغييرات جذرية في وجود الشخصيات. ما يتغير بالكامل هي وجهات نظرهم. سأقول طواعية إني أبني رواياتي كي أقنع نفسي ببعض الأشياء. في العمق، أعاني من مشكلة، أكتب رواية وفجأة أحلل قسما منها.
كيف أكتب؟

كيف تكتبين؟

ـ حين أبدأ بحاشية أرغب سريعا في رؤية الثوب أقصر مما قمت به.. إن طبخت، ألتهم نصف الطبق قبل أن أنتهي من طهوه. حين أكتب، فإنني أتأخر أيضا بالانتهاء. ليس بمعنى الخاتمة ولكن في التعبير عمّا أريد التعبير عنه. لكن الممكن حين أكتب ليس أبدا الممكن حين أنسج رداءً او حين أطبخ. الكتابة لا تفرض أبدا حس النظام هذا الذي يهرب مني. ما إن أضع على الورقة كل ما أرغب في قوله أهدأ وأبدأ بالعمل. أضيف وأمحو. أمحو أكثر مما أضيف، لهذا فإن روايتي بعد سنتين من العمل لا تزيد عن 160 صفحة.

كل رواياتك تجري أحداثها في سردينيا؟

ـ تقريبا. في «خفق أجنحة» نجد باريس، جنوى وميلانو، أي حيث لدي ذكريات. باريس مدينة جميلة. أحببتها بخاصة لأن ابني ألبرتو، الموسيقي، كان يقيم فيها. ربما أعجبتني نيويورك حيث يعيش حاليا. لكن «بلدي» هي سردينيا. لا يمكنني العيش بعيدا عنها. لا استطيع الكتابة في مكان آخر. لن أنجح في ذلك أبدا.

تعملين كمدرّسة؟

ـ اخترت هذه المهنة، ولكن كان بإمكاني أن أعمل في مكتبة، أو أمينة مكتبة. إنها المهن الثلاث التي أتصورني أنجح فيها. أعمل في ثانوية مهنية، مع طلاب ليسوا سهلين أبدا. لا يمكن القول إنهم يحبون دائما اللغة الإيطالية والتاريخ، وهما المادتان اللتان أعلمهما. لم أذهب بعيدا للبحث عن التلاميذ الذين نجدهم في كتابي «كونتيسة ريكوتا».

تبدو سخريتك حادة قليلا

ـ في كتبي. هذا ما أتمسك به أكثر من غيره. أسأل نفسي بدون توقف إن كان القارئ سيضحك. وحين أعرف أنه كذلك أشعر عندها بالفخر. كما لو أنهم يقولون لي بأني دانتي.

يبدو أنك راقبت بعض المقاطع في كتبك قبل أن تهديها إلى والدتك؟

ـ كنت أرغب في أن لا ترى المقاطع «الجريئة»، لقد محوتها بقلم سائل ومن ثم وضعت فوقها شريطا لاصقا. وعلى الغلاف كتبت «نسخة مراقبة لأمي». الآن وبما أنها مريضة، حملت الكتب إلى منزلي. لا يمكنها أن تقرأ سوى «حين ينام القرش» و«شر الحجر».

هل تحدثك عن كتبك؟

ـ حين تراني أكتب، تتنهد لتقول إنه يمكنني أن افعل ذلك بطريقة أفضل إذا تمددت على بطني. إنه تعبير سرديني نقوله لمن نعتقد أنه يضيع وقته بالقيام بأشياء غير مفيدة، أي من الأفضل أن يبقى نائما.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...