نداء عالمي لإنقاذ آثار حلب
دمّرت الحرب الأهلية في سوريا جزءاً كبيراً من تراث مدينة حلب العالمي.
ويطالب الخبراء بالبدء فوراً في أعمال إعادة بناء ما دُمّر، وإلا فستصبح المدينة عرضة للتلف، فيضيع معها جزء مهم من الثرات العربي والعالمي.
وتضم مدينة حلب أسواقاً تمتد على مسافات لعدة كيلومترات، وفيها أحد أكبر وأهم المساجد في العالم، وهي تُعدّ أحد المراكز التجارية الأكثر ازدهاراً في الشرق الأوسط، الى ان جاءت الحرب الأهلية لتغير وضعها بشكل سلبي، فمركز المدينة الذي صُنّف في العام 1986 كأحد أهم مواقع التراث العالمي من طرف منظمة «اليونسكو»، لم يعد موجوداً، فيما نزح ما يقرب الخمسين في المئة من سكانها، وأصبحت نسبة 80 في المئة من حجم المدينة القديمة عبارة عن خراب ودمار. وحتى القلعة القديمة وسط المدينة تعرضت للقصف بالقنابل ولعمليات إطلاق النار وتم احراقها.
وفي تشرين الاول العام 2013، قام مأمون فانسا، عالم الآثار وأستاذ التاريخ في جامعة أولدنبورغ (ولاية ساكسونيا السفلى الألمانية)، في كتابه «حلب: حرب دمّرت التراث العالمي»، بدق ناقوس الخطر.
وفي نهاية الأسبوع الأول من شباط الحالي عُقد في برلين مؤتمر شارك فيه مخططو مدن ومهندسون معماريون وفنانون وخبراء بناء، للحديث عن مستقبل حلب والبحث عن إستراتيجيات إعادة إعمار المدينة، في وقت لاتزال المعارك متواصلة فيها.
وخلال فعاليات المؤتمر قال مأمون فانسا، المولود في حلب «لا يمكنني الانتظار ويجب أن أفعل شيئا».
ومنذ ثلاثة عقود يعيش مأمون فانسا في ألمانيا، وقد شغل لفترة طويلة منصب مدير المتحف الوطني للطبيعة والإنسان في مدينة أولدنبورغ، والآن يكرّس جزءاً كبيراً من وقته في خدمة وطنه الأم.
ولا يجد تحركه هذا ترحيب الجميع، اذ يقول: «البعض يهاجمني، والكثير من زملائي الأساتذة لا يستوعبون ضرورة القيام بشيء ما من أجل حلب في الوقت الحالي، حتى من دون وجود خطة ملموسة. فلا أحد يقترح عليّ خطة معينة، ولكن بعد توقيع اتفاقية سلام محتملة فقد يكون الأوان قد فات للتفكير في حلب».
ولا يستطيع احد التكهن بمصير المدينة ومستقبلها، غير أنه يمكن لمخططي المدن الألمان وعلماء الآثار التأثير من أجل انقاذ التراث الإنساني والعالمي في حلب.
وعلى مدى 17 سنة، اي من العام 1994 إلى حين اندلاع الحرب الأهلية في العام 2011، عمل علماء آثار ومخططو مدن من ألمانيا، بالتعاون إلى جانب مؤسسة «آغا خان» السورية، على أعمال ترميم تلك المدينة الرائعة.
وعن تلك التجربة تقول أنيت غانغلار من جامعة شتوتغارت: «العديد من المباني تعرضت فعلاً للإنهيار آنذاك، لأن الطبقة الميسورة غادرت المدينة منذ فترة طويلة». وكانت هناك ضرورة لخلق وعي بالتراث الثقافي، وآنذاك «بدأت الاستثمارات تتدفق، وخاصة في مجال تطوير السياحة، وهو ما جعلنا نؤمن جميعا بأن هذه المدينة ستزدهر مرة أخرى»، بحسب ما تقول غانغلار.
من جهته دعا هيلمار فون لوفيسكي، أحد مستشاري رابطة المدن الألمانية وأحد خبراء سوريا القدامى، إلى ضرورة وقف إطلاق النار. وبحسب فون لوفيسكي، لن تكون الأهمية بعد الحرب لترميمات أثرية على حساب مشاريع كبيرة. النتيجة التي خرج به مؤتمر برلين الأخير حول حلب هي انه «لا يجب أن يحدث في حلب ما حدث في بيروت».
ومعروف ان مدينة بيروت كانت حتى بداية الحرب الأهلية في لبنان من أجمل مدن الشرق الأوسط، وهي الآن مثال على فشل تخطيط المدينة، بعدما وضعت المرافق التجارية في يد قلة قليلة، فبنيت شقق راقية ومحلات تجارية في مركز المدينة انطلاقا من هدم المنازل القديمة وطرد سكانها الأصليين.
وحتى لا تتحول حلب إلى «مدينة ديزني» عربية، فإنّ الأمر يتطلب القيام بتخطيط مستعجل.
وبالرغم من أن ذلك يبدو غريباّ في ظل تواصل الحرب هناك، إلا أن عددا من مخططي مدينة برلين يرون الأمر بشكل مختلف.
وفي شهر آذار المقبل، ستحتضن بيروت، بدعم من معهد «غوته» الألماني، اجتماعاً جديداً حول مدينة حلب.
(«دويتشه فيلله»)
إضافة تعليق جديد