نكاية بالطهارة..
الجمل - خطيب بدلة: ثمة إشكاليات فكرية كبيرة أنتجها الاجتياح الأمريكي للعراق الذي أدى إلى سقوط نظام صدام حسين ودخول المجتمع العراقي في حالة فوضى دامية ما يزال المجتمع العراقي يعيشها ويدفعُ في أتونها الضحايا بالمئات، منذ نيسان 2003.
هذه الإشكاليات، إذا أنعمنا النظر فيها جيداً، ليست عراقية خالصة، بل أثَّرَتْ، وتؤثر في شعوب منطقتنا بأشكال مختلفة، ويمكن تلخيصها ضمن عدة بنود، أهمها:
أولاً- إن حالة استقرار المجتمع العراقي التي كان يراها المواطن غير العراقي عن بعد ويعتقد أنها حالة استقرار حقيقية، عندما قورنت بحالة الفوضى اللامتناهية التي أعقبت الاجتياح والسقوط.. صبت (المقارنة) في مصلحة نظام صدام حسين، وجعلت شرائح كبيرة من جماهير المنطقة (وبينهم أناسٌ متعلمون ومثقفون!) تتعاطف معه، بل وتتقدم خطوات إلى الأمام، فتمتدحه باعتباره نظاماً مثالياً، وعظيـماً..
ثانياً- لو أن الشعب العراقي هو الذي أسقط نظام صدام حسين لكان الوضع مختلفاً، أما أن تسقطه أمريكا، العدو (رقم إثنان) للأمة العربية ولشعوب العالم الثالث الفقيرة الضعيفة، فهذا ما رفع نسبة التأييد والتعاطف مع النظام البائد، بالرغم من فظائعه التي يعرفها الجميع.
ثالثاً- لقد استطاعت الأنظمة الديكتاتورية العربية- وفي مقدمتها من دون منازع نظام صدام حسين- عبر عقود طويلة من إحكامها السيطرة على رقاب شعوبها، أن تُدخل في روع الغالبية العظمى من مواطنيها أن العدو (رقم واحد) لهذه الشعوب هو الديمقراطية! وتأتي من بعدها أمريكا والقوى الاستعمارية والرجعية.. إلخ. والآن، وبعد مضي كل هذا الزمن، إذا حاولتَ أن تحاور أياً من أصحاب هذا الرأي فسرعان ما ينبري لك قائلاً بأن الشعب العراقي لا يمكن أن يُحكم إلا بالحديد والنار، وهو شعب (لا تلبق له الديمقراطية!)، ولا ينسى بعضُ الغلاة منهم التنويهَ بأن هذا الشعب (معتاد!) على (البطش) من أيام الحجاج بن يوسف الثقفي (الرائد المؤسس الأول لاستبداد الحكام على الشعوب في هذه المنطقة المنكوبة من العالم).
رابعاً- إن السؤال الأكثر إحراجاً الذي يمكن أن يُوَجَّهَ إلى أصحاب هذه المقارنات البائسة هو التالي: قبل مجيء أمريكا والقوات الاستعمارية الداعمة لها إلى العراق، أي قبل سنة 2003، لماذا سيطر نظام صدام حسين على العراق، وأمسك به بيد من حديد، ومنع الرأي الآخرَ، وحال دون بناء المؤسسات الديمقراطية الشعبية، ومنع الأحزاب المعارضة، والعملَ السياسي، وساق مَنْ ساق إلى السجون والمعتقلات، وهَجَّرَ مَنْ هَجَّر، وأعدم مَنْ أعدم، واعتبر الذين يخالفونه الرأي كلهم مجموعة من العملاء المأجورين؟ وهذا سينجم عنه سؤال أكثر إحراجاً هو التالي: أليس منع تناقضات المجتمع العراقي من الظهور والتفاعل هو السبب المنطقي والأساسي للفوضى التي ظهرت منذ لحظة سقوط النظام وانفلات القبضة الحديدية عن الشعب؟
خامساً- ثمة مقارنة عجيبة يلجأ إليها الأشخاص الذين يروجون للاستبداد بحماس منقطع النظير، تتلخص في أن واحدهم، إذا انتقدت الاستبداد أمامه يقول لك: يعني أمريكا أحسن؟!
سادساً- برأيي المتواضع أن أمريكا والدول الأوربية التي دعمتها في الاجتياح كلها دول مستبدة ومعتدية ودعاواها من أجل نشر الديمقراطية في العراق وغيره من الدول الأخرى إنما هي دعاوى كاذبة بالتأكيد.. ولكن لجوء الأنظمة العربية إلى الاستبداد تحت هذه الذريعة ينطبق عليه المثل القائل: (نكاية بالطهارة سأتبول في سروالي)!
سابعاً- سأسأل المروجين للاستبداد القائلين باستحالة تطبيق الديمقراطية في بلادنا سؤالاً أراه على قدر كبير من الأهمية، وهو الآتي:
- كيف عرفتم أن الشعب العراقي والشعوب العربية كلها (لا تلبق لها الديمقراطية) طالما أن الديمقراطية لم تطبق على هذه الشعوب؟ أتراكم تعلمون بالغيب؟ أم أن الديمقراطية طُبقت في الدول العربية ونحن ما عندنا خبر؟!
إضافة تعليق جديد