هكذا فشلت معركة «هي لله»
بعد مرور عام على انتهاء أخطر محاولات التنظيمات المندرجة تحت راية « الجبهة الجنوبية « لإحداث خرق في ريف السويداء الغربي ونقاط سيطرة الجيش السوري في ريف القنيطرة، عادت «ألوية الفرقان» لتلملم صفوف أبرز الفصائل الإرهابية جنوباً في معركة أطلقت عليها تسمية «هي لله»، لتعيد المنطقة الى واجهة الاحداث.
في ساحة أحد المواقع العسكرية المشرف على المساحات المفتوحة لالتقاء جبل العرب بسهل حوران، تجلس مجموعة من الشباب الذين تمكنت الحرب من حفر قساوتها على وجوههم، لكنها عجزت عن إخفاء ابتساماتهم لدى استقبالهم ضيفاً ما.
هؤلاء المقاتلون لا يندرجون جميعاً تحت ألوية الجيش السوري، إنهم خليط من مقاتلي «نسور الزوبعة» التابع لـ «الحزب السوري القومي الاجتماعي» و «المقاومة اللبنانية»، جمعتهم حساسية هذه الجبهة وأهميتها، حيث تتصل فيها محافظات الجنوب السوري بعضها ببعض.
وللجنوب في وجدان المقاومين حضور قوي، خاصة أن المجموعات الإرهابية في هذه المنطقة لم تُخف ارتباطها الكامل بالعدو الصهيوني وبالاستخبارات الأجنبية التي تدير غرفة عمليات «الموك».
يُحضِر أحد المقاتلين أكواب الشاي لرفاق السلاح وللضيوف المقاومين الزائرين، فيما تدور مواضيع معمّقة عن طبيعة المعارك القائمة، فتكثر النقاشات حول طوبوغرافيا المنطقة ومؤشرات الاستدلال الليلية وعن أحدث وسائل المراقبة والكمائن التي سُخِّرت لخدمة هذه الجبهة، بدءاً من الكاميرات والمراصد الحرارية مروراً بالمعدات الأكثر تطوراً، والتي بقيت سرية عملها محفوظة لدى المكلفين باستخدامها فقط. على أن هذه الاجتماعات والجلسات تحدث يومياً في أغلب المواقع العسكرية، وهو ما يؤكد أن هذه الجبهة استثنائية بكل تفاصيلها وأن ما يُحضَّر لها ليس بالقليل.
على طول الخط الممتد من مطار الثعلة العسكري وتل الشيخ حسين والإذاعة وصولاً إلى المجيمر تل أبو زقاق، يُتابع الجيش السوري والقوات الحليفة والرديفة تحصين جدار من السيطرة العسكرية، والتماس هنا مباشر ومتداخل بين ريف السويداء الغربي وريف درعا الشرقي.
هذه البلدات تبعد بضعة كيلومترات عن خط تسيطر عليه التنظيمات الإرهابية، وهو يمتد من الكرك والحراك وأم ولد والأصلحة وصولاً إلى جمرين وبصرى الشام، في جبهة شهدت العام الماضي معارك عنيفة على اثر سعي المسلحين للسيطرة على مطار الثعلة، غير أن فشل المخطط أرخى بظلاله على هذه الجبهة وبقيت تنعم بهدوء نسبي بعده حتى كان مساء الـ15 من تموز الحالي.
مع بداية المساء، بدأت ترد المعلومات إلى غرفة العمليات العسكرية في المنطقة الجنوبية (الشعار، البزاق، كروم جبا)، وهو مثلث التلال الإستراتيجية في ريف القنيطرة التي يحكم الجيش السوري السيطرة على قممها، وسيكون الهدف الرئيسي للهجمات، كما سيكون خط السيطرة العسكرية في ريف السويداء الغربي هدفاً ثانياً في الوقت نفسه.
على الرغم من أن التحضيرات القائمة على خط الجبهة بدت مكتملة منذ ساعات المساء الأولى، إلا أن لعمليات الليل هنا حيث الجبهات المتداخلة والتي لا يفصلها في بعض المفاصل عن بعضها سوى مئات الأمتار، معايير يجب أخذها بالاعتبار، فلن يبدأ أي تحرك قبل غياب القمر في عتمة الليل، وهو ما بدأ يتحقق بعد مرور ساعتين على منتصف الليل.
لا تتوقف أصوات الهواتف وأجهزة اللاسلكي في غرف العمليات العسكرية، المعلومات تتقاطع عن التحركات الواسعة من بصرى الشام وجمرين وعن هجوم يتحضر باتجاه بلدة برد التابعة لريف السويداء. وعلى طول هذا الخط المواجه للنقاط المتقدمة للإرهابيين، تنتهي استعدادات مقاتلي «نسور الزوبعة» الذين يشكلون القوة الأكبر في حماية الخاصرة الجنوبية الغربية لمدينة السويداء.
على سطح نقطة الرصد، ينحني آمر الموقع على الكاميرا الحرارية المثبتة في المحرس مراقباً التحركات من وإلى بصرى الشام، يخفي سيجارته بحذر داخل كف يده، ففي الظلام الدامس حتى جمرة السيجارة تكون واضحة للعدو الذي يراقب أيضاً بالحذر ذاته تفاصيل الجبهة الهدف.
الهدوء حذر والنسمات الصيفية كانت برودتها لطيفة، وبينما كان أحد المقاتلين يدك الرصاص في مخزن بندقيته، همس مبتسماً «أعشق هذه النقطة التي أحرسها، على الرغم من أنها أكثر النقاط خطورة في مواجهة العدو ... إننا نشعر بالمسؤولية اتجاه التاريخ واتجاه المستقبل، لذلك لن يمروا إلا على أجسادنا».
عند الساعة الثانية والربع ليلاً وعند انتهاء الاستعدادات ربما، تحققت المعلومات المتقاطعة مع البيان الذي أصدره تنظيم «ألوية الفرقان» الإرهابي، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي منشور يطلق على المعركة مسمى «هي لله»، ولعل موعد النشر كان هو ساعة الصفر، بدأ الهجوم على حاجز برد، وحتى بداية شروق الشمس كانت أصوات الرصاص تصدح في سفح جبل العرب، ومن على أسواره كانت خطوط الرصاص المتفجر تضرب جسم الارتال المهاجمة فتضيء العربات المتفجرة عتمة الليل لتعطي للقوات الحامية والمدافعة نَفَساً وقوة معنوية للاستمرار بالدفاع، في ريف القنيطرة كان المشهد ذاته يحدث من محاور عدة، وفي وقت واحد هاجمت التنظيمات المشاركة في معركة «هي لله» نقاط الجيش السوري، لكن كما حدث في ريف السويداء جرَّ الإرهابيون أذيال الخيبة ليعودوا إلى مواقعهم مهزومين.
اليوم التالي شهد مناوشات خفيفة على المحاور ذاتها لكنها انتهت من دون أن يتمكن الإرهابيون من تحقيق أي نتائج، لتتوقف بعد ذلك العملية ويعود الهدوء إلى محاور القتال.
قائد ميداني برّر سبب توقف هذه العملية التي روّج لها كثيراً في البداية قائلاً «لم يتوقع الإرهابيون أن يكون حجم الرد على هذا الشكل، كانوا يتوقعون أن يسقط حاجز برد خلال الدقائق الأولى لهجومهم، لكن الخبرة الميدانية التي اكتسبتها القوات العاملة على الأرض في خط المواجهة مع العدو لناحية طبيعة المنطقة والإمساك بنقاط ربط إستراتيجية في هذا التداخل الجغرافي، بالاضافة لامتلاك منظومة رؤية ليليلة ومناظير حرارية متطورة، كلها أمور ساهمت بالاشراف الكامل على تحركات العدو، ومن ناحية أخرى فإن البيئة الحاضنة للجيش السوري ولقوى المقاومة الوطنية تلعب دوراً كبيراً في دعم القوات العاملة على الأرض، والتي تشكل خط الدفاع الأول عن خاصرة السويداء الجنوبية الغربية».
ويرى قائد ميداني آخر يشرف على واقع المنطقة، أن الإمداد الذي كان يصل إلى الجماعات الإرهابية من داعميها في الخارج عن طريق الأراضي الأردنية وصولاً إلى هذا الخط انخفض كثيراً، يوضح أن تلك الجماعات حاولت تحقيق أي انجاز على الأرض بذريعة نصرة داريا، لكن المفاجأة كانت أن الجدار العسكري صلب ومحصن، فكان القرار بتوقف العملية.
سيف عمر الفرا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد