هل اقتربت معركة الجيش السوري مع الاكراد؟
يتابع الجيش السوري معاركه بهدف تحرير إدلب من براثن الإرهاب، متخذا من مدينة معرة النعمان الاستراتيجية هدفا له بعد تحرير خان شيخون، ليكمل إلى مدينة سراقب والتي اتخذها قادة الإرهاب مقرا لهم، وتحرير هذه المدينة يحقق هدفا كبيرا بالنسبة للجيش السوري وهو استعادة الطريق الدولي M4,M5))، وبذلك تكون الدولة السورية قد اسقطت ورقةً ساوم عليها النظام التركي على طاولة مفاوضات سوتشي وما سبقها، والاشارة المهمة هنا هو أن اصرار الجيش السوري على تحرير محافظة إدلب يغلق ملف المساومات على هذه المحافظة من قبل دول العدوان على سوريا .
والسؤال: ماذا بعد معارك إدلب؟.. ليأتي الجواب فيما يجري في منطقة شمال شرق الفرات، من حيث التواجد العسكري الامريكي الاسرائيلي لناحية احتلال هذه المنطقة، بحجة دعم الاكراد الانفصاليين وتعزيز الكيان الكردي، بالاضافة للحديث الامريكي التركي المتكرر عن انشاء ما يُسمى منطقة آمنة وما يواجهه سكان تلك المناطق من عرب واثنيات أخرى من التهجير والخطف عبر الترهيب الكردي المدعوم أمريكيا وغربيا، من هنا جاءت تصريحات الدولة السورية على لسان الرئيس بشار الاسد ومسؤولين في الدولة تؤكد الرفض السوري المطلق لما يُسمى بالمنطقة الآمنة واعتبار ذلك عدوانا امريكيا تركيا على السيادة السورية.
ثمة معطيات جوهرية تشكلت خلال الأيام القليلة الماضية في صدارة ذلك الاتفاق التركي الامريكي بانشاء ما يسمونه منطقة آمنة بإدارة قوات مشتركة تركية امريكية، والذي يبدوا انه فاشل حتى اللحظة على إثر تصاعد الخلاف التركي الامريكي، غياب نتائج سوتشي على خلفية عدم التزام انقرة بتعهداتها تجاه ما اتفق عليه سابقا، وهذا سرع ودفع بعجلة الحسم العسكري للجيش العربي السوري وتحقيق انجازات ميدانية عبر تحرير مناطق واسعة، هذه الانجازات الميدانية فرضت مسارات جديدة كليا على خيارات التركي والامريكي في مناطق التواجد، كذلك أعطت هذه الانجازات والتي تبدوا مفاجئة للطرفين التركي والامريكي الدولة السورية دافعية اكبر لخيار الحسم العسكري دون الانتظار لما يمكن أن تخرج به لقاءات الثلاثية (بوتين روحاني اردوغان) والذي كان اخرها لقاء انقره الخامس للثلاثية والذي أكد بيانه الختامي على مكافحة الارهاب واحترام سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، والملفت في نتائج هذا اللقاء هو تجاوز موضوع إدلب الذي ركز عليه التركي قبل أيام من هذا اللقاء، وكانت محورية مخرجات هذا اللقاء هو سرعة تشكيل اللجنة الدستورية، مع تشديد بوتين على ضرورة عملها مستقبلا بشكل مستقل وبلا ضغوط خارجية، وفي القمة تمت الاشارة الى منطقة شمال شرق سوريا وتوافقت الثلاثية على أنه لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة إلا على أساس احترام السيادة والسلامة الإقليمية للدولة السورية، وهذا يمثل متغيرا رئيسيا يربك حسابات الامريكي ويخلط الاوراق عليه، والأهم أنه يمهد لفشل المشروع الامريكي في هذه المنطقة من الارض السورية، وبجانب المعطيات السابقة معطى أساسي يتمثل بنجاح الدبلوماسية السورية وقدراتها على تحقيق انجازات لا تقل أهمية وثقلا من الانجازات العسكرية .
عزم الدولة السورية على تحرير كامل الجغرافيا السورية، في ظل توافر القوة الميدانية المتراكمة واللازمة لخيار التحرير، يذهب بالمشهد ميدانيا الى المناطق التي تتواجد فيها قوات محتلة امريكية وهي المناطق التي يسيطر عليها الاكراد، والذين يحضون بدعم وحماية أمريكية اسرائيلية منقطعة النظير، وهذا يعيدنا الى العام 2017 عندما استطاع الجيش السوري تطهير محافظة دير الزور الواقعة على ضفاف نهر الفرات، وبالرغم من تقدم وحدات الجيش نحو شرق النهر، إلا أنها توقفت على بعد نحو 5 كم في منطقة الشمال الغربي للمحافظة المذكورة، كي لا تصطدم مع “قوات سورية الديموقراطية” المدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة الاميركية، التي توفر بدورها الغطاء الجوي لتمدد القوات الكردية شرق الفرات على حساب ضمور “دولة داعش” في حينه، ما يعطي مؤشرات بالمسعى الامريكي لفرضية تشكيل كيان كردي شرق الفرات منذ وقت مبكر، هذا بالنظر الى ظروف ومكتسبات تلك المرحلة، فما الذي يمكن قوله الان بعد تحقيق انجازات ميدانية كبرى ووصول الجيش السوري الى انتصارات استراتيجية رسمت مشهدا جديدا المتحكم الرئيسي فيه هو الجيش العربي السوري، بينما لجأت ما تبقى من دول العدوان الى اللعب بالورقة الأخيرة في الساحة السورية وهي الورقة الكردية .نجاح الامريكي باستحداث دولة فيدرالية كردية في العراق فتح الباب امامه لتحقيق حلمه القديم منذ معاهدة سيفر عام 1920 والتي خلصت الى قيام دولة كردية في مربع التواجد الكردي، حينها أرجأ مشروعه بسبب السجالات والحروب التي كانت تعصف بالمنطقة آنذاك، إلا أن هذا المشروع بقي حاضرا في العقل الامريكي البريطاني الاسرائيلي حتى قيام حرب الخليج الثانية عام 1991 حيث ارسلت امريكا وبريطانيا ما سُمي بقوات المطرقة الى قاعدة انجرليك التركية لتكون مقرا لتلك القوات ومنها تم تشكيل غطاء جوي لحماية أكراد العراق، وبقيت قوات المطرقة 12عاما واستطاعت الولايات المتحدة الامريكية من انجاز جزء من مشروعها عبر دورها في انشاء الدستور الفيدرالي العراقي والذي هندسه الامريكي كولن باول والتي من خلاله تشكل ما يُسمى الان بدولة كردستان العراق .
وبالنظر للمشهد الكردي السوري، تبقى الإرادة الامريكية تدور في نفس الفلك وتذهب بالمشهد السوري لتكرار النسخة الكردية العراقية، وليس غريبا تحريك الامريكي للورقة الكردية بهذه السلاسة فتاريخ الاكراد يشبه لحد كبير في نشأته وتكوينه تاريخ الكيان الصهيوني، والأبعد من ذلك تاريخيا أنه كان من المقرر وعبر الفكر الاستعماري القديم ان يُنشأ الكيان الكردي قبل الكيان الصهيوني، ليعطي البريطاني أولوياته نحو تنفيذ وعد بلفور مع وعود أمريكية بريطانية بإنشاء الكيان الكردي مما يعني بقاء تشكل هذا الكيان في الفكر الاستعماري المعاصر ليتحول الكرد الى أداة حقيقة في المشروع الاستعماري الأكبر وهو تقسيم وتفيت المنطقة .
إن فرضية مواجهة الجيش العربي السوري مع الاكراد لم تعد مجرد فرضية، بل باتت أمرا واقعا تفرضه التحديات الناجمة عن عدة عناصر أهمها التواجد الامريكي التركي المحتل لمناطق شرق وغرب الفرات وما لذلك التواجد من خلفيات تتمثل في الاطماع الامريكية التركية وكذا الاسرائيلية النابعة من الاهمية الاستراتيجية لتلك المناطق بما تحتوية من ثروات وما لها من أهمية على المستوى الاقتصادي للدولة السورية باعتبارها جوهرة الاقتصاد السوري، ولعل تسارع المتغيرات في الميدان وحركة الجيش العربي السوري تجاه السيطرة للمناطق القريبة من تواجد القوات الامريكية والتركية يحتم القول بقرب معركة الجيش العربي السوري مع الاكراد .
رأي اليوم -د.حسناء نصر الحسين
إضافة تعليق جديد