ورقة اليانصيب لم تعد قادرة على تحقيق أحلام المواطن السوري!
كانت ورقة اليانصيب فيما مضى كالعصا السحرية التي تقلب حياة المواطن من جحيم سقيم إلى نعيم مقيم، وكانت جائزتها الكبرى والتي تقدر بعشرين مليون ليرة في تسعينيات القرن الماضي وحتى أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة مفتاحاً للبدء بعدة مشاريع اقتصادية..
وما دفعني لكتابة هذه المادة هو أحد باعة اليانصيب الذي كان يصدح بصوته عن الجائزة الكبرى والبالغة 20 مليون ليرة سورية – جائزةالسحب الدوري- وهنا يحضرني المسلسل الشهير “عيلة خمس نجوم” الذي عرض في نفس التاريخ المذكور سابقاً عندما فازت “أم أحمد” بالجائزة الكبرى البالغة 20 مليون ليرة سورية، لتنهال عليها المشاريع الاقتصادية والاستثمارية من كل حدب وصوب، فما هو حال هذا المبلغ بين الماضي القريب والحاضر؟..
كان مبلغ العشرين مليون ليرة سورية في العقد الأول من الألفية الجديدة يمثل ثروة حقيقية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فكان بإمكان مالكها أن يشتري منزلاً في قلب العاصمة مع مزرعة في إحدى مناطق الاصطياف في الزبداني أو بلودان مثلاً.. وكان بإمكانه أن يشتري منزلين في منطقة مشروع دمر – في التسعينيات- أو منزلاً في غرب المالكي أو تنظيم كفرسوسة، أو بإمكانه أن يشتري متجراً في شارع الحمرا أو منطقة الشعلان، أو أن يشتري متجرين في منطقة دوار كفرسوسة القريبة من تنظيم كفرسوسة، وكان بإمكان مالك هذه العشرين مليون ليرة سورية أن يشتري 4 سيارات مرسيدس شبح كاملة المواصفات، أو أن يشتري 20 سيارة كيا ريو من الوكالة عدادها (0) كيلو متر، أو أن يشتري (66) سيارة (ميتسوبيشي أو لانسر أو نيسان) موديل 83، إذ كان سعر السيارة من هذه الماركات قبل عام 2011 هو 300 ألف ليرة فقط وأحياناً 250 ألف ليرة سورية.. فتخيلوا يا رعاكم الله..
لم يكن يتصور أكثر المتشائمين أن يصل بنا الحال إلى ما وصلنا إليه اليوم من انهيار للاقتصاد، وتراجع للقوة الشرائية لليرة السورية، فغدت العشرين مليون ليرة سورية – وهي جائزة اليانصيب في سحبه الدوري الأسبوعي- لا تغري أحداً، بل بات المواطن يستخسر فيها ثمنها، فهي لم تعد قادرة على شراء منزلاً صغيراً في أسوء مناطق المخالفات في دمشق، ولا تستطيع القيام بمشروع صغير إلا إذا أراد أحدهم أن يفترش الشارع ببسطة صغيرة مسلط عليها سيف المحافظة تحت طائلة المصادرة، لأن البسطة النظامية بحاجة إلى ترخيص قد يكلف أكثر من هذا المبلغ كي يحصل صاحبها على ورقة تخوله افتراش الشارع بشكل نظامي ليكسب رزقه منه..
أما سيارة المرسيدس الشبح التي تحدثنا عنها والتي كان سعرها 5 مليون، فوصل سعرها اليوم إلى قرابة المئة مليون ليرة سورية، وهي بحاجة إلى الفوز بالجائزة الكبرى -100 مليون- لشرائها، والسيارة نوع كيا ريو التي كان سعرها في الوكالة حوالي المليون ليرة سورية فوصل سعرها إلى أكثر من 50 مليون ليرة سورية اليوم، وال(66) سيارة موديل ال83 التي كان بمقدور المواطن أن يشتريها بمبلغ ال20 مليون فهو بالكاد يستطيع أن يشتري إحداها اليوم بهذا المبلغ، مع الإشارة أن العمر الافتراضي لهذه السيارة قد ولى منذ زمن..
أما الجائزة الكبرى لسحب رأس السنة والبالغ 100 مليون ليرة هذا العام، فهو أيضاً لم يعد يلبي طموحات المواطن، فهذا المبلغ أصبح بالكاد يستطيع شراء منزلاً متواضعاً في مناطق المخالفات بدمشق، أما في ضواحي دمشق النظامية كضاحية قدسيا مثلاً فأنت بحاجة إلى ثلاثة أضعاف هذا المبلغ كي تتمكن من شراء منزلاً أو متجراً صغيراً في تلك الضواحي..
هذه مقارنة صغيرة قد تعطي صورة واضحة عن الواقع المعيشي المتردي الذي أوصلتنا إليه عشر سنوات من الحرب والدمار والحصار، ناهيكم عن أزمة الأخلاق من تجار الأزمة الذين لا يقلون ضراوةً وسوءاً ووحشية بامتصاص دماء المواطن السوري الذي عانى ما عاناه في العقد الأخير..
المشهد
إضافة تعليق جديد