يوجين إيبودي: الكتابة رحلة من الواقع إلى الحلم وبالعكس

13-09-2012

يوجين إيبودي: الكتابة رحلة من الواقع إلى الحلم وبالعكس

يوجين ايبودي، صوت جديد من الأصوات الإفريقية التي تكتب باللغة الفرنسية، وقد عرف كيف يصنع لنفسه مكانة على خارطة الرواية «السوداء» كما تسمى اصطلاحا. ولد في الكاميرون، التي غادرها الى فرنسا وهو في مقتبل شبابه، ولا يزال يعيش هناك منذ أكثر من ثلاثين سنة، حيث يُدرّس في جامعة مونبولييه كما يكتب مقالة أسبوعية في «لا تريبون دو جنيف»، وبين الأمرين، تأتي رواياته لترسم لنا صورة أخرى عن إفريقيا المعاصرة.
التقيناه مؤخراً في الجزائر، حيث كان هذا الحوار.
بداية، أعترف بأني قرأت لك عملين: «السيدة إفريقيا» و«حباك خلاسي»، وأول ما لفتني فيهما، هذه الحكائية العالية، التي تذكرنا بأعمال الحكواتيين الأفارقة، التي قرأنا بعضها أو التي سمعنا عنها. هل يزعجك أن يقال عنك إنك «حكواتي» بمعنى من المعاني؟
^ أبدا، بل أجد أن ملاحظتك في مكانها، لأني لا أستطيع أبدا أن أنكر أني آتي من ثقافة مزدوجة، بمعنى من المعاني: أولا هناك الثقافة الشعبية الإفريقية، الشفاهية، مثلما عرفتها في الكاميرون، كما الكتابة، التي أنحو إلى تسميتها الرواية الحلمية، واقصد بذلك أني أكتب الرواية في مرحلة الحلم. تتشكل نصوصي وتأخذ شكلها في هذه اللحظة التي تقع ما بين حلم الليل، واللحظة التي أصحو فيها. ربما من الخطر أن أقول كلاما مشابها، لكن بالفعل هذا هو التوازن الذي أحاول الحفاظ عليه. الكتابة هي هذه الرحلة من الواقع إلى الحلم، وربما أيضاً من الحلم إلى الواقع، لكن على شرط، أن أزيل كل الحدود التي تفرق بينهما. إن استطعت الوصول إلى ذلك، فهذا معناه أني نجحت في مسعاي بالكتابة. ولا يتشكل ذلك كله بالطبع، إلا عبر هذه اللغة الحكائية، الممتدة من تراث وثقافة يشكلان ميراثاً حقيقياً لي، على الرغم من أني غادرت الكاميرون من فترة طويلة، لأعيش في فرنسا.

آداب «تهرب منا»

ولكنك تتخطى هذه الثقافة الشفهية، لتجعلها مكتوبة؟
^ مثلي مثل كثيرين، إن لم أقل مثل الجميع: أتيت إلى الأدب لأني قرأت الآخرين، أي أحاول أن أبحث عن صلات حقيقية مع العبارات القديمة، وأقصد بالقديمة تلك التي قيلت قبلي. بمعنى آخر، يعطيني هذا الانطباع بأني أحمل داخلي العديد من الأصوات، أي كل هذا يشعرني بأني لست وحيداً في هذا العالم ولا أقف عارياً في مواجهة أي شيء. كنت أقرا الأدب الكلاسيكي، وفي الوقت عينه، كانت تشدني الكلمات التي يرويها لي جدي، بالأحرى التي كان يحكيها لي. هذا المزيج، هو ما أسميه الميراث، وفي حالتي الميراث الكتابي، الذي يجعلني، كلما حاولت أن أكتب، أن أجد تلك النقطة المشتركة بين الأمرين.
ذكرت الأدب الكلاسيكي، من هم هؤلاء الكلاسيكيون؟
^ بداية لا بدّ من أن أشير إلى شرطي الإنساني، بكوني «أسود» وإفريقياً، لا أتحدث هنا عن أي عنصرية مثلاً من قبل الآخر، لكني أعي شرطي التاريخي، لذلك كان من البديهي أن اقرأ سنغور وسيزير وكامارا لاي، هذا إذا أشرنا إلى كلاسيكية الأدب الزنجي، وفق مصطلح سنغور. لكن بالتأكيد، ثمة آداب أخرى ملأتني، وبخاصة الأدب الروسي. من يستطيع أن يهرب مثلا من دوستويفسكي، من يستطيع أن يهرب من تأثير «الإخوة كارامازوف». في الحقيقة، غالباً ما قالوا لنا إن «أهل الشمال» هم الحكماء والعقلانيون الخ، لكن مع دوستويفسكي تكتشف كلّ هذا الجنون الإنساني الذي يجتاح كل شيء. تجد هذا الكرب، هذه الكآبة التي تنهش كل شيء. لا شك في أنه درس مفيد لنا، نحن الكائنات البشرية التي تعاني المشاعر والانتظار والقدر وكل شيء.
تحدثت عن هذه الرحلة من الشفاهة إلى الكتابة، لكن يعرف العالم اليوم، ظاهرة الكتاب الرقمي، هل تجد أنه سيؤسس لقراءة أخرى، مثلا؟
^ صحيح أن الكتاب الرقمي يتقدم بخطوات متسارعة، لكني أظن أنه يجب الاحتفاظ بمكانة الكتاب الورقي، بمعنى أن لا يقتل الجديد ما كان عليه القديم، إذ ثمة خدمات لا تزال منوطة اليوم بالكتاب القديم، وأظن أن أمامه بعد أشياء كثيرة ليقدمها. في أي حال، لا أريد أن أجعل من الكتابين عدوين، وإن كانا يتواجهان، بمعنى آخر، وفيما لو استعرت دوستويفسكي مجددا، فإن أقسى المعارك تنشأ عادة بين «الإخوة الأعداء». ولو عدت إلى خدمات الكتاب الورقي، التي سيقدمها، لقلت أمراً بسيطاً: لغاية الآن لم يقرأ الأدب الإفريقي الجديد كما يجب، ثمة أسماء كثيرة تستحق أن نعرفها ونتعرف إليها، وأظن أن هذا هو الدور الكبير اليوم للكتاب الورقي، أن يعرفنا على آداب «تهرب منا» لأسباب كثيرة.

جائزة افريقية

حزت مؤخرا جائزة يامبو اوولوغيم، في باماكو، ماذا تعني لك هذه الجائزة؟
^ إنها تأتي من بلد إفريقي، أي لها وقع خاص في نفسي، زد على ذلك، أنها تأتي لتكافئ «نصاً أخلاقياً»، بمعنى (Ethique) وهذا له حضور في الأدب الإفريقي. في أي حال، كما تعرف، لا أحد يكتب من أجل الجوائز، لكن من الجميل أن نحصل عليها، على الأقل تفتح أفقا ما، قد يبدو أننا في حاجة إليه أحياناً.
وهل تشعر بمغبة ما، لأن الجائزة لم تأت من الكاميرون مثلاً؟
^ أبدا، إنها جائزة افريقية، أي أن قارة بأكملها اختارتني، وهذا شرف كبير لي، أضف إلى ذلك أن اللجنة كانت برئاسة تييرنو مونينيمبو، وهو كاتب له حضوره الواسع، في إفريقيا، كما في أوروبا، وبخاصة بعد حصوله على «رونودو» منذ سنوات.
تعيش منذ عقود في فرنسا، لكنك تكتب عن الوضع في إفريقيا، كيف يمكنك عن تكتب عن شخص إفريقي هناك؟
^ مثال الشخص الإفريقي هو الشخص الذي لا نعطي له فرصته كاملة، عليه أن ينتزعها أكثر من غيره. حتى وإن كانت حظوظه متساوية مع آخرين، إلا أنهم يفضلون عليه هذا الآخر. لذلك لا أطلب منه أن يقول أقل منه.
هل تشير بهذا القول إلى ما قاله الان مابانكو في كتابه «نحيب الرجل الأسود» من أنه غالباً ما يتظاهر، بالغرب، بدور الضحية؟
^ كان مابانكو يشير إلى ما يردده بعض علماء الاجتماع حول دور الضحية، بمعنى أنه لم يقل ذلك شخصياً، في أي حال «المدهش» في هذا الكتاب هي الفكرة التي يتحدث عنها بأن الرجل الأسود، خريج الجامعة، لا علاقة له بالرجل الأسود الذي يعمل كعامل تنظيفات. بهذا المعنى كان يخلط ما بين الوضع الاجتماعي والهويات الجماعية. في أي حال، لم أحب هذا الكتاب، أجده مرعباً.
سؤال أخير، هل قرأت الأدب العربي؟
^ بداية قرأت الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، الذي أعرف أكثر رموزه من كاتب ياسين إلى رشيد بوجدرة، إلى آخرين بالطبع، لكني تعرفت على الأدب اللبناني، المكتوب بالفرنسية طبعاً، بعد فوز أمين معلوف بغونكور، وهنا أعود إلى قصة الجوائز التي تأتي لتعرفنا على آداب أخرى. لن أدعي أني أعرف الأدب العربي، بل قسم منه، لا أقرأ العربية، هناك بعض الأسماء القليلة التي أعرفها، إما من جراء أنها تكتب بالفرنسية وإما لأنها ترجمت. لكن أفضل أن أبقى حذراً في إجابتي هنا، حتى لا أقول الكثير من الحماقات.


أجرى الحوار: إسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...