1.5 سوري بحاجة إلى سكن والأرقام تستثني الإناث
امتدت فترة الخطوبة أربع سنوات، بانتظار أن يحصلا على شقة صغيرة تؤويهما في جمعية سكنية للشباب في أطراف دمشق، إلا أن الأهل رفضوا أن يطول الانتظار أكثر من ذلك، فقرر أيمن ويارا الزواج والانتقال الى منزل يدفعان أجرته نصف دخلهما كحلٍ موقت.
جعلا فكرة الإنجاب مؤجلة إلى حين الحصول على البيت المنشود، الذي كان بالنسبة اليهما الحلم بالاستقرار. لكن بعد مضي سنتين على الزواج لم يقاوما الرغبة في الحصول على طفل، فرزقا مولوداً ذكراً شاركهما رحلة الذهاب إلى الجمعية السكنية كل شهر لدفع القسط وتفقد حال شقة الأحلام.
استمر أيمن و يارا على هذه الحال سنوات، وما أن يفقد أحدهما أعصابه ويقترح التوقف عن الأمل، والتفكير بالسفر إلى خارج البلاد للعمل من أجل جمع مبلغ يؤهلهما لامتلاك على بيت، حتى تذّكر الزوجة زوجها ( أو بالعكس ) أن «الصبر مفتاح الفرج، والبلد أولى بأبنائه».
بعد طول انتظار، يعلن خبر إنجاز المشروع السكني، فيهرعان إلى المنزل حاملين شتلة الياسمين ليزرعاها على الشرفة دليل تفاؤل، بعدما أمضيا عمرهما بانتظار هذه الشقة.
هو فعلاً عمر أمضياه بالانتظار. فعلامات الشيخوخة بدأت تظهر على أيمن و يارا وهما ينحنيان بصعوبة ليغرسا الياسمين، لكن وبسعادة غامرة يقدمان الشقة هدية لابنهما الوحيد الذي قرر الزواج بعد أن أصبح في الخامسة والعشرين من العمر!
كانت تلك حلقة من أحد مسلسلات الدراما السورية الناقدة، يتخوف كثير من الشباب أن يكونوا أبطالاً لها.
ولكن بعيداً من الخيال الدرامي بدأ مشروع سكن الشباب في سورية، منذ عام 2002 بإشراف المؤسسة العامة للإسكان وتنفيذها، انطلق من العاصمة ليشمل بقية المحافظات تدريجاً، واستمر كأحد توجهات الحكومة في خطتها الخمسية العاشرة بين عامي 2006 – 2010.
يبلغ سعر المنزل في المشروع نحو 600 ألف ليرة سورية أي ما يقارب 12 ألف دولار أميركي وهو عبارة عن شقة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 100 م2 في أحسن الأحوال، ورأى معظم الشباب أن هذا السعر مناسب إذا تمت مقارنته بأسعار سوق العقارات المستمرة بالارتفاع منذ سنوات، وكانت الميزة التي جذبت المحتاجين من ذوي الدخل المحدود أن الدفع بالتقسيط على مدى 25 سنة.
غير أن الشباب المتقدم للحصول على مسكن في هذا المشروع فوجئ بأن السعر المذكور سابقاً كان سعراً «مبدئياً» وفق تصريح الجهات المختصة حين قامت مؤسسة الإسكان بتسليم 608 شقق من المساكن الشبابية في الصيف الماضي مع رفع أسعارها بنسبة تزيد عن 70 في المئة، وبررت مؤسسة الإسكان الأمر بأنه نتيجة ارتفاع أسعار تكلفة مواد البناء، فيما يعتبر الخبراء أن السعر مرتفع و مبالغ به.
ولم يجد الشباب بديلاً من الصدمة على حد تعبير كرم ( 27 سنة محاسب) الذي يقول ساخراً: « كان لابد من صدمة، يعني على رأي المثل يا فرحة ما كملت خدها الغراب وطار»، ويتابع متسائلاً: «هل نفّذ مثل هذا المشروع ليريح الشباب الطامح بالاستقرار أم ليخنقه بتكاليف عالية تضاهي كلفة تنفيذ الشقة في القطاع الخاص؟».
في تقرير نشره «المركز الاقتصادي السوري» في تموز (يوليو) الماضي، خلص إلى أنه «يقدر عدد المحتاجين إلى سكن بـ1.5 مليون شخص على الأقل».
بنى التقرير نتائجه على اعتبار أن عدد السكان في سورية ممن تجاوزوا 20 سنة في تعداد عام 2004 هو نحو 9 ملايين نسمة، في الوقت الذي بلغ عدد المساكن المشغولة والخالية في تلك الفترة 3.37 مليون مسكن، هو ما يعادل ثلث السكان فوق العشرين فقط، واستثنت الدراسة ثلث هذه الشريحة ( ممن فوق العشرين ) باعتبارهم يسكنون مع أهاليهم، فيبقى الثلث الأخير في حاجة الى السكن، أي هناك على الأقل 3 ملايين شخص في حاجة إلى السكن، وباعتبار ان نصفهم إناث يبقى هناك 1.5 مليون شاب على الأقل في حاجة إلى سكن، في حين أن الزيادات السنوية في عدد المساكن لم تتجاوز 10 في المئة من هذه الحاجة سنوياً، وبالتالي فالفجوة لا تزال كبيرة في مجال السكن وفق التقرير المذكور.
بالنسبة إلى علاء ( 28 سنة موظف متزوج) فإن كلمتي «حلم» و «بيت» لهما المعنى نفسه، يقول «أعترف بأن أحلامي يمكن أن تختزل بهذه الكلمة: «بيت»، ويتابع: «قد يجد البعض أني أبالغ، لكن بالنظر إلى مرتبي الذي لا يتجاوز 10 آلاف ليرة نحو (200 دولار أميركي)، ولأن أي عائلة مستقرة تحتاج إلى منزل يؤويها يمكن الوصول إلى عمق المعنى والمعاناة».
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد