200 ألف من المرتزقة يعملون إلى جانب الجيش الأمريكي في العراق

22-08-2007

200 ألف من المرتزقة يعملون إلى جانب الجيش الأمريكي في العراق

من يخطر له أن الولايات المتحدة أرسلت 160 ألف جندي إلى العراق فقط عليه أن يعيد النظر في اعتقاده. فهناك مئتا ألف متعاقد يعملون إلى جانب الجيش النظامي هناك، لكنهم خارج الإطار القانوني بكل ما في الكلمة من معنى، أي أن وجودهم على الأرض لا يسري عبر القنوات الإدارية والدستورية، مما يجعلهم مجرد مرتزقة يتكسّبون من الحرب ولا يدخلون في نطاقها المعلن. حتى القتلى بينهم لا ترد أعدادهم في النشرة الرسمية لقتلى الحرب في العراق. وهذه السابقة التي أسست لجيش الظل للمرة الأولى في الازمنة المعاصرة، باتت مكشوفة على امتداد الخريطة الأميركية عبر تدفق المعلومات التي رافقت إعلان الرئيس بوش حربه العالمية على الإرهاب. منذاك، أي بعد أحداث 11 أيلول صرفت الإدارة الأميركية بلايين الدولارات لتمويل شركات التعاقد العسكري مثل بلاك واتر ودينكورب وتريبل كانوبي وإيرينيس وأرمور غروب وغيرها، حتى فاق عدد المتعاقدين عديد الجنود النظاميين وبات المتعاقد يحصل على عشرة أضعاف راتب الجندي العادي. بل يبلغ الدخل اليومي لبعض افراد النخبة من التعاقدين ألف دولار مقابل أقل من مئة للجندي النظامي.
يقول السفير الأميركي السابق في العراق جو ولسن: «هناك خطر يتربص بخزينة الدولة بسبب السرية التي تكتنف تشغيل المرتزقة في العراق، وبالتالي هناك تأسيس غير مسبوق لظاهرة استعمال القوة من دون حسيب أو رقيب ومن دون التحسب لولاء أولئك المرتزقة». ويعتقد كثر في الكونغرس وفي صفوف العاملين في المجال الإعلامي أن المواطن الأميركي يبذل 40 سنتاً من كل دولار ضريبي لتمويل المرتزقة علماً أن الولايات المتحدة تصرف بليوني دولار أسبوعياً في العراق.
وليس جديداً أو طارئاً توظيف «المتعاقدين» في الحرب على العراق بل يعود وجودهم إلى بدء الإجتياح الأميركي عام 2003. فبينما كانت نسبة المرتزقة في حرب الخليج الأولى 60 إلى 1، سجل شهر تموز (يوليو) عام 2007 وجود 630 شركة للمتعاقدين العسكريين تضم 180 ألف عنصر لأكثر من 100 دولة ما يعني أن عدد هؤلاء فاق عدد الجنود النظاميين بمئة وستين ألفاً.
إلا أن المشكلة التي تواجه التحقيق في هذه الظاهرة تكمن في السرية التامة المحيطة بالأموال المبذولة على شركات التعاقد. ويقول جوزف ولسن أن غياب الإشراف الدولي ترك الحبل على غاربه أمام إدارة بوش لتستفيد من الفساد والمحسوبية وسياسة «تحت الطاولة» لحساب الذين يحققون مكاسب سياسية ومالية من بطانة البيت الأبيض. والأخطر، يضيف ولسن، أن الولايات المتحدة ما عادت قادرة أن تجمع جنودها من أبنائها في الحروب المقبلة.
ويلحظ المراقبون أن قوى المرتزقة باتت قابلة للتوظيف في أي صراع كان، لأن أحداً لا يذكر ضحاياهم ولا يراقب تصرفاتهم ولا يعاقبهم. فخلال السنوات الأربع الفائتة لم يتشكل أي نظام للمحاسبة والمراقبة على أعمال أولئك المرتزقة ولا وجود لقوانين عسكرية أو مدنية تطبق عليهم، فبصرف النظر عن أي جرائم يرتكبونها تراهم يتمتعون بحصانة ضد المحاسبة. وهذا الواقع يطرح السؤال: ماذا يفعل هؤلاء عملياً في العراق؟ يقول عضو لجنة التفتيش في البرلمان الأميركي جان شاكوسكي: «لو أردت الإطلاع على أي إتفاق موقع عليّ أن أدخل إلى غرفة سرية ولا أستطيع أن آخذ أي ملاحظات أو أكتب أي شيء، وحتى لو استطعت لا يحق لي أن أطلع أحداً على شيء».
في المقابل، شاهد الأميركيون على شاشات الانترنت وبعض شاشات التلفزة مرتزقة يستعملون أفراداً عراقيين كأهداف للرماية. مع ذلك، يجرى تهريب المتهمين والمتورطين في مثل هذه الجرائم إلى خارج البلاد بسرعة، علماً أن 64 جندياً أميركياً نظامياً اتهموا بجرائم قتل وأحيلوا على المحاكم العسكرية عدا جرائم الاغتصاب والإسراف في استعمال العنف. ويسري قول مأثور بين المرتزقة: «ما يجري هنا اليوم يبقى اليوم هنا»، مما يعني أن احداً لا يجب أن يعلم بجرائمهم.
ويقول هانز فون سبونيك، الديبلوماسي لدى الأمم المتحدة، الذي ترأس وفدها إلى العراق قبل الإجتياح: «هناك دول كثيرة بدأت تعبر عن قلقها حيال الفلتان القانوني الذي يمارسه المسلحون المأجورون في العراق: خذ بندقية وقاتل براتب كبير، ذلك هو القانون الوحيد الذي يحكم أرض العمليات في العراق اليوم.
ولعل ما يقلقنا أكثر أن تلك المجموعات لا تخضع لأي مساءلة من أي كان بما فيها الدول الأم التي أرسلتها. هكذا تحولت الحرب إلى مسألة تجارية عوض أن تكون مسألة سياسية ناتجة من خلاف بين بلدين أو أكثر. وبالتالي، سيؤدي هذا الواقع إلى تهميش الدور القانوني والرسمي وإبطال معنى المعاهدات الدولية وتغيير خريطة العلاقات بين الأمم».
ويشهد العراق اليوم توافد أعداد من المرتزقة جرى تجنيدهم في تشيلي، ومعظمهم ينتمي إلى جيش الجنرال بينوشيه واستخباراته العسكرية. ويقول عالم الاجتماع التشيلي تيتو تريكوت: «هناك انحراف واضح في مدى استعمال المرتزقة في حرب العراق لأن التدخل الخارجي يؤدي إلى خلق بورصة مناقصات بين المتعاقدين من بلدان مختلفة، فالمتعاقد الآتي من بلدان العالم الثالث يحصل على أقل من ثلث ذلك الآتي من بلدان العالم الأول. واللافت في جميع الأحوال أن الشعب العراقي غير وارد في هذه المعادلة». ويضيف تريكوت أن حرب العراق كونت نظاماً جديداً في العلاقات بين الدول الفقيرة والدول الغنية حوّل المجندين من الدول الفقيرة إلى ذخائر حية وخفف إلى حد كبير من الإصابات في صفوف جنود الدول الغنية.
ويلفت تريكوت إلى أن المتعاقدين العراقيين يتعرضون للموت والإصابة أكثر من غيرهم ويتقاضون رواتب أقل من الجميع، علماً ان معظم هؤلاء يعملون حراساً ومرافقين ومترجمين وعمالاً مياومين.
أخيراً، حصل أحد المحققين الأميركيين المستقلين على وثيقة من الاستخبارات الداخلية تفيد أن واشنطن تصرف 42 بليون دولار سنوياً على الجواسيس والمخبرين المتعاقدين، أي المرتزقة. ويشكل هذا الرقم نسبة 70 في المئة من مجموع موازنة الاستخبارات الأميركية. حتى التقرير الاستخباري اليومي الذي يتلقاه البيت الأبيض تحضره شركة خاصة. وتفيد تقارير أخرى أن صيادي المرتزقة في كولومبيا وبوليفيا يعملون تحت ظل «الحرب على المخدرات» فيجمعون مجرمين ولصوصاً ومهربين ويجندونهم للمشاركة في الحرب العراقية.
ويحصل أمر مماثل في أفريقيا، خصوصاً في الصومال والكونغو والسودان. وتكشف لائحة بأسماء القتلى في صفوف المتعاقدين جرى تسريبها أخيراً عبر البريد الإلكتروني وجود عرب (من بلدان مختلفة) وعدد كبير من الفيليبينيين والباكستانيين والفيجيين والاتراك والنيباليين وغيرهم في صفوف المرتزقة على أرض العراق اليوم.

جاد الحاج  
المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...