قصة شعب مع مباريات التأهل إلى كأس العالم.. هي قصته مع العالم
لا مفر من التمعّن في ولع السوريين الهوسي بالرياضة. فهم، كلما أطل كأس العالم بتصفياته التمهيدية، حزموا أمتعة الحلم كافة، وألبسوا خيباتهم حلة الأمنيات مجدداً، وراحوا يوقتون حياتهم على موعد المباريات، ليضربوا مواعيد ساحرة مع الفرج، عله يأتي ولو خجلاً بعدما أخلف المواعيد السابقة كلها، من طرف واحد.
السبت ما قبل الفائت، احتشد مشجعو الفريق في ملعب العباسيين، وما زال في النفوس أمل في تحقق المعجزة التاريخية ووصول الفريق إلى كأس العالم. المباراة مع الفريق الإيراني، وهو فريق شقيق حسبما يقول المعلق، مع الانتباه إلى التصنيف الدارج هنا والذي يصنف البلدان إلى قسمين:
الأشقاء وهم العرب فحسب، والأصدقاء وهم كل ما تبقى من بلدان المعمورة.
ملعب العباسيين مزدحم، وعشرات الآلاف يصيحون حماساً. والجمهور الإيراني الشقيق أخذ له مكاناً محدداً على المدرجات، مع ملاحظة أنه أتى برجاله ونسائه، فيما كان الهوى السوري ذكورياً محضاً في الملعب. أما من لم يكونوا في الملعب فلزمهم الرجوع إلى بدائية التلفزيون والبحث المضني عن القناة الأرضية الثانية التي تحل معتلة الصورة. ومع أن أحداثاً كثيرة كانت تنقل على القناتين الفضائية والأرضية، إلا أن ذلك لم يحصل مع المباراة. ولا معيار واضحاً يجعل بث مسلسل للمرة العاشرة أهم من نقل مباراة ينتظرها ملايين السوريين، من دون أدنى مبالغة. ربما هناك منفذ وحيد متوفر للتبرير، فالفضائية هي واجهة البلد على العالم، ومن باب عدم الثقة بالفريق ربما، لم يرد مسؤولو التلفزيون بث خسارته الوطنية لتشوه الصورة المبهجة عن البلد، خصوصاً أنها ستأتي مطعمة برد فعل الجمهور الغاضب.
هتاف وتشجيع وغناء وهدير، خفّضه هدف إيراني في الشوط الثاني. لكن الجمهور استمر يشجع حتى أتى الهدف الثاني الذي قصم ظهره. أما
جمهور التلفزيون فما قصم ظهره أكثر هو صوت المعلق الرياضي السوري الذي بدا يائساً إلى أبعد حد ولدرجة أنه نسي وظيفته كمعلق وراح يندب على مسامع المشاهدين، مع أن هناك أكثر من ربع ساعة باقية على النهاية.
وفي الملعب، كانت الأمور أشد اضطراباً، فالجمهور لا يقنع بالزعل، وهناك طاقة محتقنة باللوم. بدأ الجمهور السوري يشجع الفريق الإيراني،
ويشتم ويشتم. أوقف الحكم المباراة لبرهة، فالجمهور على المدرجات لم يشف غليله وراح يرمي ما تيسر ليده على الملعب. والغريب أن أحداً من اللاعبين السوريين لم يبادر إلى تهدئة الغاضبين، على جري العادة الرياضية. كان واضحاً أن إحباطا شديداً يعصف باللاعبين أيضاً. وبعض
من كان في المدرجات استاء وأخذته الظنون. فلوحات الإعلان في الملعب السوري كانت تعج بالمنتجات الإيرانية، حتى تعذّر رؤية كلمة عربية في أفق النظر. والأمر كان واضحاً على الشاشة لدرجة أن من لا يعلم التفاصيل سيظن أن المباراة تجري في إيران!
وأمام فريق لا يلعب ومحبط، تعتمل الظنون. فلماذا يحصل ذلك في مواجهة الأشقاء الإيرانيين على وجه التحديد؟ هل أعطيناهم المباراة؟
وخسر الفريق. وبقي اللقاء الحاسم مع الإمارات التي يجب الفوز عليها بفارق ثلاثة أهداف ليصبح التأهل إلى الدور الأخير من التصفيات ممكناً،
وفيه يكون المتأهل على مشارف الوصول إلى كأس العالم.
اليأس الرسمي أطبق متجاهلاً وجود فرصة للنجاح. فقبل يوم من المبارة، لم تخصص الصحف السورية، في صفحاتها الرياضية، أكثر من تعليق صغير حول الحدث. وحتى هذا «الخبر»، سقط منه موعد المباراة! وعطفاً على أن السوريين متقدمون على إداراتهم الرسمية، يمكن الإشارة إلى أن أعضاء الاتحاد الرياضي قد خاضوا في نزاعات وسجالات بشأن انتخابات الاتحاد في موعد التصفيات، واستحوا أخيراً وقالوا ما ظنوا أنه يحفظ ماء الوجه: لقد أعلنا هدنة تنتهي بعد مباراة المنتخب مع الامارات.
كما دار سجال طويل خلال التصفيات حول استقدام مدرب أجنبي للفريق، وحول تعنّت المدرب الوطني في منصبه، ورفضه أن يتراجع ليكون
مساعداً. والحل الوسط كان باختيار مدرب وطني آخر أكثر قبولاً من الجمهور وأكثر خبرة. وبه، مضى الفريق إلى الإمارات، وكاد ينتزع
التأهل من الإماراتيين على أرضهم، ففاز عليهم بثلاثة أهداف مقابل واحد أتى من ضربة جزاء.
ما حدث يؤكد أن العطب ليس في الفريق الوطني، ولا في المواطن السوري، بل في الإدارة. والرهان على الروح القتالية، للاعب كما للعسكري، لا يكفي ولا ينفع اعتباره عدة كاملة للانتصار. بل يجب تغذية هذه الروح ورعايتها، وشكر المولى عز وجل ألف مرة على أنها لا تزال موجودة.
الشكر والرعاية قبل أن يقنط الناس، ويبدأوا فعلاً في تشجيع الفريق الخصم!
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
التعليقات
عظم الرقبة و حليب الروح
إضافة تعليق جديد