فرض العزوبة على الكهنة ليس من الله
عندما قال يسوع في كتاب الرؤيا: "انا الألفا والاوميغا، البداية والنهاية" كان يعلني ان الخالق الواحد قسم ذاته الى قطبين: مذكر ومؤنث. لا يتعاكس هذان القطبان مع بعضهما البعض ولا يلغي احدهما الآخر، وانما يتمم كل واحد منما الآخر اذ انهما يشكلان وحدة كاملة جديدة تخلق منها حياة جديدة.
هذه الحقيقة، اعني اتحاد القطب المذكر مع القطب المؤنث، يجب ان يعرفها كل شخص مهتم بالحياة الروحية. ولكن ليس كما يرى عادة في مثل الاتحاد الجنسي، الذي يقصد الانجاب المادي واتمام الرغبات الحسية السفلى، وانما ان يرى انه شكل سام من الاتحاد، حيث المذكر والمؤنث، الرجل والمرأة، يجتمعان ويتجاوزان الوعي بانهما متعاكسين، وان كلا منهما يعاكس الآخر وان احدهما يجب ان يذل وان يكون الآخر رأس الاسرة.
هذا الميل المنحرف الذي يسعى الى تقسيم القطبية الاصلية لله نشأ من الوعي الشيطاني، من الملائكة الساقطين. اذ انهم عرفوا، بما ان النساء والرجال جنسان مختلفان، اذا اجروا اي خطوة غير صحيحة فمن شأنها ان تكون لها نتائج خطيرة هي تقسيم الجنسين – خلق العداوة والمعاكسة بينهما – وهكذا لا يعود هناك امكان للانسان لان يرتفع الى وعي روحي أعلى، اي ان ينمو روحيا ويحصل على الخلاص.
ان قصد الفكر الشيطاني ومخططه هو الفصل ما بين النساء والرجال لكي لا يجتمعا في اتحاد تجاوز النشاط الجنسي والانجاب، يتجاوز الدور التقليدي حيث يكون الرجل رأس المرأة والمرأة خاضعة له، وانما يجتمعان لكي يجدا اتحادا اسمى يتم في مساواة تامة. لا يمكن للانسان ان يكون لديه فكر المسيح اذا لم يرفع كلا القطبين للحياة. على الانسان ان يتجاوز الانقسام التقليدي، ليس فقط الرجل والمرأة بل ايضا الانقسام ما بين المظهر المذكر والمظهر المؤنث لكل كائن انساني، لكل نفس.
يقول المرشدون الروحيون انه من الاحسن ان يجتمع الرجل مع المرأة في علاقة غير مبنية على الرغبات التقليدية – شهوات الجسد – بل على ما يتجاوز هذه الرغبات الانسانية، فيجتمعا في طهارة، في اتحاد طاهر لا يشبه حاله الاتحاد العادية ما بين الرجال والنساء المتبعة في المجتمع اليوم والظاهرة في الاشكال المنحرفة للصور الاباحية الداعرة التي تصور سوء الاستعمال للجنس.
نرى عبر التاريخ ان الميالين الى ممارسة الحياة الروحية نظروا الى بعض الانحرافات الجنسية او المظاهر الدنيئة للنشاط الجنسي الانساني، وخلصوا الى نتيجة ان هذه الممارسة لا تنسجم مع السلوك في طريق الحياة الروحية. لكن هذا لا يعني انه عليك ان تلجأ الى التطرف وتقول ان الخيار الوحيد للتخلص من النشاط الجنسي هو عدم ممارسة الجنس على الاطلاق. لا يحصل بهذا التطرف توازن ما بين القطبين في داخل الرجل او المرأة. العزوبة، الامتناع عن الزواج، ليسا امرا شرعيا صادرا عن الله. لم يكن فرض العزوبة على الكهنة بايحاء من الله او الروح القدس، وانما جاءت من الفكرة الخاطئة ان العزوبة تساعد الانسان على الدخول الى السماء.
كيف يمكن لله ان يقلب رأساً على عقب ويأمر بالعزوبة التي تعاكس سنة الزواج؟ الزواج مكرم ومحترم عند كل الناس. من الضروري على المهتمين بالحياة الروحية ان يتجاوزوا الاطار الفكري الذي يدعو الى ممارسة العزوبة لكل من يريد الانخراط في سر الكهنوت او في الحركات الروحية. عليهم ان يتجنبوا الاطار الفكري الذي يدعو الى وقف قوة الحياة، اي هبوب قوة الحياة من خلال الرجال والنساء. عليهم الا يلوموا النساء – حواء – على السقوط من الجنة ويتجنبوا العلاقة الجنسية مع المرأة لكي يكونوا اطهارا.
لا يكمن التحدي الكبير في تجنب العلاقة الجنسية وانما في الدخول الى علاقة جنسية، كما فعل يوسف ومريم لإنحاب يسوع، اي بالترفع عن المظاهر الجسدية للعلاقة الجنسية، معطين كل مظهر منها معنى روحيا، مطهرينها من العوامل الدنيوية. وهذا في الواقع تحد اكبر بكثير من البقاء في حالة عزوبة.
كل شخص عنده قوة الارادة يمكنه ان يبقى في حال العزوبة. ولكن ما اهمية قوة الارادة اذا لم تتوازن مع المحبة والحكمة؟ يجب ان يكشف الكذب عن الاعتقاد السائد بأن العزوبة تؤدي الى النمو الروحي، او انها اسرع وسيلة للنمو الروحي. اسرع طريق للنمو الروحي هو ان تعمل على توازن القطب المذكر والقطب المؤنث في كيانك. واسرع طريق لتحقيق هذا الهدف هو ان تدخل في علاقة مع شخص آخر من جنس معاكس لك حيث تجبر، اذا صح القول، على ان تجابه هذه القضايا في ذاتك وفي علاقتك مع الشريك الآخر. وهكذا يكمل كل واحد الآخر.
اننا على ثقة بأن مريم ام يسوع، رمز الطهارة الفائقة في كل العالم، ام النور الالهي، دانت في الماضي وما تزال تدين الزام حال العزوبة على كل شخص يرغب الخدمة في سلك الكهنوت، وتدين كذلك الفصل ما بين الرجال والنساء في المجتمع، واعتبار المرأة دمية بيد الرجل يملكها متى يشاء ويتخلى عنها متى يشاء، وايضا الفكرة الخاطئة ان المرأة – حواء – هي المسؤولة عن السقوط من جنة عدن.
(•) مقطع من كتاب "المسيحية اليهودية" الذي سيصدر قريبا للباحث الديني اسعد اثناسيوس بيطار.
المصدر: النهار
التعليقات
لا يكمن التحدي
هرطقة هرطقة
يا سيد هرطقة كنت اكتب اسمك يا زلمي
إضافة تعليق جديد