تفسير علمي لأقانيم الله الثلاثة
جاء في سفر التكوين من العهد القديم: "في البدء كان الكلمة". وعنت "الكلمة" هنا للبعض الإله الأزلي، اما للبعض الآخر، فما عنت شيئاً، لأن هذا البعض لم يفقه ما جاء في تلك الجملة. لكن من البديهي والمنطقي ان "الكلمة" التي وُجدت في البدء لم تكن فعلاً او حرفاً لا معنى له، بل كان لها مدلول حسيّ، اي أنها كانت تدل الى شيء جامد، حيوان او انسان او روح. فإن قبلنا بأنها كانت تدل الى شيء معين سنتساءل عما يمكن أن يكون هذا الشيء. لذا دعنا نبحث أولاً عن السبل التي يتعرّف بها الانسان على شيء ما، فعسى ان نجد الجواب الشافي.
الانسان (وأخذنا الانسان كونه الوحيد العاقل) يتعرّف على شيء ما، مطلق شيء، بالكنه، اي بالفكرة الاولى عنه وما وراءها، قل بميزته الخاصة، فكنه الطاولة ان تحمل على سطحها اشياء، وكنه الجماد ان لا يتحرك بوسائله الخاصة، وكنه المصباح ان يضيء، وكنه الانسان ذلك الكائن المفكّر، وكنه الله ذلك العظيم خالق الكون.
• فالشيء عند الانسان كنه: ويتعرّف الانسان كذلك الى الشيء بصفاته وخصائصه، وذلك بواسطة حواسه المعروفة. فالمصباح ليس بكنه فقط إنما صفات. فهو صغير، مصنوع من معدن او من معدن وزجاج، يمكن تعليقه ليتدلى، كما يمكن نقله من مكان الى آخر، وهو يحتاج الى طاقة لكي يعمل (زيت، نفط، كهرباء او غير ذلك).
• والشيء عند الانسان صفات: ويتعرّف الانسان أخيراً الى الشيء بتاثيره (أي بتأثير ذلك الشيء) الى اشياء اخرى، اي بكونه شرطاً لوجودها. فاللوحة المعلقة على الجدار ما كنت لأراها لولا ضوء المصباح. أي أن المصباح كان شرطاً سمح لي برؤية اللوحة، فوجدت هذه بالنسبة إليّ. وأقول مصباحاً من دون ان أراه بالضرورة، فقد يكون محجوباً عني، إنما ضوؤه كان ينير اللوحة فعرفته من تأثيره عليها.
• والشيء عند الانسان شرط، بوجوده توجد أمور أخرى: وكما الشيء فكذلك الانسان. فالانسان يتعرّف الى الانسان بكنهه وبصفاته وبكونه شرطاً لتأثير ما على أشياء أخرى.
فعندما يلفظ احدهم كلمة انسان نفكّر بذلك الكائن العاقل من دون التطرق الى لونه وجنسه وعمره وطوله، والى ما هنالك. ثم عندما ننظر الى انسان نتبين بعض خصائصه وصفاته. وأخيراً عندما نرى قصراً فخماً لقلنا انه جميل، ولعرفنا انه لا يمكن ان يكون قد شيّد الا اذا كان هناك انسان قدر على تشييده، وهذا من دون أن نرى ذلك الانسان بالضرورة. فقد عرفناه من خلال عمله (القصر).
باختصار يتعرّف الانسان الى شيء، مطلق شيء، بطرق مختلفة. بالكنه فيفقهه بعقله، وبالصفة فيفقهه بحواسه، وأخيراً بكونه شرطاً فيفقهه من خلال الاشياء الأخرى.
وجاء في سفر التكوين أيضاً: “وخلق الله الانسان على صورته".
فاذا كان الانسان على صورة الله، فالله يتجلى للانسان وفق تلك الصورة، أي ان الانسان يتعرف الى الله بالكنه والصفة والشرط.
بالكنه تعرّف الى الله بتلك الروح العظيمة التي خلقت الكون. وكان الآب. وبالصفة تعرّف الى الله عندما تجسد ونزل من السماء فرآه وسمعه ولمسه. وكان الابن الناصري يسوع المسيح.
وأخيراً تعرّف اليه كشرط لاتمام التكريس والبركة والتسامح والمحبة. وكان الروح القدس (لا تتم المعمودية مثلاً إلا اذا حل الروح القدس).
فالله هو الآب الكنه والابن يسوع المسيح الصفة، والروح القدس الشرط. فالله واحد اوحد يتجلى للانسان بصورته وبصورة الانسان بأقنوم او اثنين او ثلاثة اقانيم وفق الظروف.
الله ليس بثلاثة آلهة مختلفة. الله واحد والمسيحية ليست ديناً مشركاً كما يقال: وإن اصروا فكل الاديان تصبح مشركة.
في البدء كان الكلمة، وكان "الكلمة" آب كنه. وإبن صفة وروح قدس شرط. "الكلمة" إله الكون والبشر بثلاثة اقانيم.
الدكتور فارس عيد
المصدر: النهار
التعليقات
بسم الله الرحمن
إضافة تعليق جديد