تفخيخ الحكايات السورية وتفجير المستقبل
حكاية آكل المرار «أبو صقار» الثورجي الذي نهش قلب الجندي العربي السوري، ليست حكاية شاذة في الإرث التاريخي لأمة طوطمها الذئب الذي مازال أفرادها يسمون أولادهم باسمه (ديب ودياب وسرحان).. وأبو صقار ليس سوى ذئب طائر فوق العهود والشرائع الإنسانية، كائن قادم من أبواب الماضي المغلقة على غيتو «بابا عمرو وباب التركمان..» منذ اندحار العثمانيين من البلاد وترك بقاياهم خلفهم تحت حكم القوميين العرب .. فبابا عمرو مثل «باب الحارة العثمانية» الذي مول إنتاجه الجهة نفسها التي تمد أبو صقار وجماعته بالمال والسلاح لمواجهة أهل «حارة الضبعة» وشبيحة «العشوائيات» كما صورهم كتاب ومخرجو مسلسلات ما قبل الأحداث السورية بسنوات.. إذ لم يتغير شيء في الإنتاج الدرامي السوري ـ الخليجي سوى استبدال الكومبارس والممثلين بالمتظاهرين ثم المسلحين، وما على المعارضة الدرامية المأجورة سوى إعادة إنتاج حكاية أبو صقار لإضفاء طابع درامي على جرائمه ليصبح أشبه «بالمنتقم» الهوليودي الذي يثأر لأسرته التي ذبحها «جنود النظام الأسدي».. إنهم نفس «الجوقة الدرامية» الذين افتتحوا الحرب السورية «ببيان الحليب» وأنهوه ببيان الدم الذي تمول دول الخليج والسعودية تكاليف أضخم إنتاج له بسوريا منذ عامين، حيث دخلت أعداد جديدة إلى عمليات التصوير والمونتاج من مغفلين ومجرمين وطائفيين حاقدين وعاطلين عن العمل وفيسبوكيين ومتسلقين طامحين بالشهرة ومرضى نفسيين ولاعبي سياسة وطالبات نكاح، حتى بات مصير سورية معلقاً بعدسة الكاميرا التي تجتزئ من المشهد كل ما لا يناسب مصلحتها وتوجهها العدواني ضد الأمة التي كانت ترى نفسها على قمة الشعوب العربية ثم غدت في أسفلها..
فقد نجحت شركات الإنتاج النفطي بتأليف الحكايات وتصنيع ما يشبه الثورة، فتشوش الشعب أول الأمر، ثم استيقظ إلى أن البيت يشتعل وأن الثورجيين في مجملهم ليسوا أكثر من فوضويين ومجرمين غاضبين يديرهم «ائتلاف» من المرتزقة والمأجورين ممن تمكنوا من إشراك شركات الإنتاج الدولي في المسلسل السوري، بحكاياته الدرامية التي لن تنتهي بقيام أبو صقار بتحقيق (عدالته الفردية) ضد (الطغمة الحاكمة)!؟ فنحن أمة الحكايات التاريخية المفخخة التي تلاعب بها الرواة منذ اجتماع السقيفة، وراكموا تعقيداتها عبر حقب زمنية عديدة، ثم جاء أعداءنا بمستشرقيهم وعملوا على قراءتها وإعادة العمل عليها ضدنا منذ لورنس العرب 1916 حتى فورد 2011 ، إذ باتوا قادرين على إشعال فتيل الحكايات وتحديد مكان وزمان انفجارها؛ وما حصل في العراق بالأمس وسورية ولبنان اليوم دليل على براعتهم، حيث نجحوا في افتتاح الحرب السنية الشيعية، الكردية ـ العربية ـ التركمانية، الإسلامية ـ المسيحية، ضمن نظريتهم في «الفوضى الخلاقة» أي إعادة إنتاج الحكايات كما يعاد إنتاج السماد الكيماوي الذي بات الإرهابيون يستخدمونه في التفجيرات بدلاً من تخصيب الأراضي.. فقد استيقظت الحكايات فجأة، وتحولت من أشياء يرويها المسافرون في حمامات المدن وخاناتها للتسلية والمتعة وأخذ الحكمة والموعظة منها، إلى مسلسلات نفطية متفجرة تقتل المشاهدين ..
وأذكر أني منذ ربع قرن وأنا أشتغل على تقنية الحكاية وإعادة إنتاجها بما يخدم وحدة وتنمية المجتمع السوري، حيث بدأت بتقديم كل أنواع الكتابة: الخدمية والنقدية والأدبية والفلسفية والشعرية المعاصرة، عبر جريدة تشرين وبعض الصحف العربية، على شكل حكايات تتضمن بداية وعقدة وخاتمة، وقد أقبل الناس عليها ثمانينيات القرن الماضي، ثم تطور مشروعي في إصدار الكتب والموسوعات، وجندت أعداداً كبيرة من كتاب الحكايات والروايات السوريين لإعادة قراءة سير وقصص الأبطال (أشرار وأخيار) الذين شكلوا ذاكرة السوريين خلال القرن الماضي.. فقد أدركت منذ البداية أن الفرد هو مجموع حكاياته: حكاية العائلة والحارة والعمل والطائفة والحزب والنجاح والفشل والعداوة والصداقة والحب.. وهذا ما يميز بين فرد وآخر ويجعل من شخص «أدونيساً» أو «نزار قباني» أو «أبو صقار والعرعور وأبو محمد الجولاني».. ذلك أن الحكايات تشكل جزءاً من الأمن القومي السوري والعربي والإسلامي؛ و يتكئ السلام الاجتماعي والمصالحة الوطنية على إعادة قراءة ونقد الحكايات وتفكيك ألغامها ومن ثم الإفادة منها درامياً وأخلاقياً وفلسفياً.. هذه المقومات الثلاث هي التي جعلت من اليونانيين أمة من أعرق الأمم التي أعطتنا فكرة الديمقراطية ولم نتمكن من فهمها وهضمها بعد على الرغم من فارق الـ 3000 سنة التي تفصل بيننا، ذلك أن التطور لا يجري خارج الإنسان مهما اختلف عليه الزمان..
هامش: اخترع البث المباشر ليتمكن العرب من شتيمة بعضهم على الشاشات.. وفيصل القاسم بلوعة المثقفين والمشاهدون يخففون من نسبة السموم في دمهم بالتبول فيها ..
نبيل صالح
التعليقات
منذ ان عرض التلفزيون السوري
مو الكل
. دائماً .. كان بطل الروايه
نشد على يدك
بعد أن فات الاوان
كارثة
من المؤسف حقاً أن يصل كثير
الهموم كبيره و الاوجاع اكبر و
سعار الثورجيين
الحكاية هي المبتدأ وهي والخبر
الشعور بالثقه شيء جميل استاذ
تعقيبا على رد
لاأدري ولاأعرف ان كنت تدري
ابو صقار اختصر التاريخ فكان
إضافة تعليق جديد