ضغوط أميركية للقاء بين عباس ونتنياهو
في الوقت الذي تتفاقم فيه الأوضاع الأمنية والأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية المحتلة، يزداد الحديث عن احتمال لقاء قمة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وتأتي الإشارات حول اللقاء المحتمل ليس فقط في ظل هذا الوضع الأمني والاقتصادي، وإنما أيضاً في ظل تهديدات فلسطينية بالعودة إلى المحافل الدولية لمجابهة إسرائيل. وتتخالف هذه التهديدات مع التعهدات الممنوحة من الطرفين للولايات المتحدة، والقاضية بمحاولة العمل على إنهاء مفاوضات التسوية الدائمة خلال تسعة أشهر تنتهي في شهر أيار المقبل، والامتناع عن أي خطوات من طرف واحد.
وكانت أوساط فلسطينية قد أشارت إلى أن الإدارة الأميركية تمارس ضغوطاً شديدة على الرئيس الفلسطيني لحثه على لقاء نتنياهو في القدس بغرض منح المفاوضات المتعثرة زخماً جديداً. ومعروف أن عباس كان يرفض اللقاء مع نتنياهو على اعتبار أن ذلك يشكل مكسباً صافياً للأخير، وخصوصاً إذا لم تعلن إسرائيل تجميد الاستيطان. ومن غير المستبعد أن تكون التلميحات بلقاء نتنياهو وعباس محاولة للإيحاء بأن شيئاً ما يتحرك على القنوات التفاوضية. لكن ظاهر الأشياء يفيد بأن المفاوضات التي يقودها صائب عريقات مع وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني لم تدخل بعد في جوهر المسائل برغم انعقاد اللقاء التاسع حتى الآن. وبرغم الإعلان الأميركي عن الرغبة في المشاركة المكثفة في المفاوضات، فإن شيئاً لم يتحقق بعد.
ويظهر هذا جلياً من جهة أخرى في ما أعلن عن رفض بنيامين نتنياهو طلباً فلسطينياً تشجعه أميركا بتقديم موعد الإفراج عن الدفعة الثانية من معتقلي ما قبل أوسلو. وقد طلبت السلطة، وفق ما نشرت صحف إسرائيلية، تقديم موعد الإفراج عن دفعة من 26 أسيراً من آخر الشهر إلى هذه الأيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك. وحثت الخارجية الأميركية إسرائيل على تقديم بادرة حسن النية هذه تجاه السلطة الفلسطينية، إلا ان نتنياهو رفض.
ومعروف أن نتنياهو يتعرض لحملة من جانب قوى اليمين الإسرائيلي، التي طالبته بالتخلي عن تعهده بعدم الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين. وجاء هذا الطلب بعدما قتل إسرائيليان في الضفة الغربية في شهر أيلول الماضي، وفي إطار المساعي لعرقلة احتمالات التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. ومن المؤكد أن مقتل الإسرائيلي الأخير في غور الأردن ليلة أمس الأول سيثير هذه الزوبعة الاعتراضية من جديد، خصوصاً أن القتيل هذه المرة ضابط كبير برتبة عميد في القوات الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي. عموماً ازدادت المخاوف في أوساط فلسطينية مختلفة من احتمال أن تحاول إسرائيل التملص من الإفراج عن الدفعة الثانية من المعتقلين تحت ذرائع شتى.
ولا يبدو أن هذه المسائل فقط هي ما يعكر صفو العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. فالحكومة اليمينية تحاول مسايرة الجهات الأشد تطرفاً، وهي تقدم تقريباً بشكل أسبوعي على إنشاء المزيد من الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية خصوصاً، وفي الضفة عموماً، حتى في المستوطنات التي تعتبر معزولة. وكانت آخر العطاءات الاستيطانية تتعلق بـ58 وحدة سكنية في مستوطنة «بسغات زئيف» في القدس الشرقية.
لكن كل عطاءات وجمود الحكومة الإسرائيلية لم تحل دون ممثلي اليمين المتطرف في الحكومة ومطالبة نتنياهو بعرض الموقف الإسرائيلي بوضوح أشد وخصوصاً ضد الدولة الفلسطينية. وطالب وزير الإسكان من حزب «البيت اليهودي» أوري أرييل نتنياهو بتقديم تقرير للحكومة عن تطورات الموقف التفاوضي لإسرائيل. وتأتي هذه المطالبة في ظل اتساع الاختلاف بين طرفي الحكومة تجاه المفاوضات.
وفي حين يصر العديد من قادة الليكود و«البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» على رفض أي تقدم نحو حل الدولتين وخصوصاً الحل الجزئي، خالف زعيم «هناك مستقبل» يائير لبيد الرأي اليميني السائد المطالب باعتراف السلطة الفلسطينية بـ«يهودية الدولة» كشرط لأي اتفاق. وقال لبيد في الولايات المتحدة إن إسرائيل ليست بحاجة لمثل هذا الاعتراف من الفلسطينيين. لكن موقفه اضطر نتنياهو للإعلان أن لبيد في هذا الموقف لا يمثل إلا نفسه، وأن موقف الحكومة مغاير لذلك ويصر على الاعتراف بيهودية الدولة كشرط للسلام.
وكان نتنياهو قد أعلن قبل أيام أنه «من دون أن يعترف الفلسطينيون باسرائيل كدولة يهودية ويتخلوا عن حق العودة، لن يكون هناك سلام». لكن وزير المالية يائير لبيد أوضح في مقابلة مع برنامج المقابلات الصحافية «تشارلي روز»، بُث أمس في شبكة «بلومبرغ» التلفزيونية، أنه لا يتفق مع رئيس الوزراء وأن اسرائيل لا تحتاج الى اعتراف من جانب الفلسطينيين بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي. وشدد لبيد على أن المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين فشلت حتى الآن لأن للطرفين أهدافاً مختلفة: «الفلسطينيون معنيون بالسلام والعدل، بينما الاسرائيليون معنيون بالسلام والامن».
وكثر الحديث مؤخراً من جانب شخصيات فلسطينية فعالة عن أن الوضع على صعيد المفاوضات «غير جيد»، وأنه إذا لم تتقدم أميركا بخطوات فإن «مصيبة سياسية» سوف تقع.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد