لعنة «سجن صيدنايا» تلاحق قادة «الجهاديين»
حسان عبود أبو عبدالله الحموي وزهران علوش وأحمد عيسى الشيخ أبو عيسى والشيخ السعودي عبد الواحد صقر الجهاد وأبو سليمان الكردي وأبو البراء الشامي، وغيرهم كثر من قيادات التنظيمات «الجهادية» في سوريا، هم جميعاً من خريجي سجن صيدنايا الشهير.
وثمة رواية بأن زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني قد يكون نزل في سجن صيدنايا لفترة من الزمن، ولكن هذه الرواية غير مثبتة حتى الآن، ومن المرجح أنها غير صحيحة.
ورغم أن المذكورين سابقاً خرجوا جميعهم من سجن صيدنايا، لكن على ما يبدو فإن السجن لم يخرج منهم، أو الأصح ان لعنة السجن بقيت تلاحقهم رغم مرور عامين ونيف على إطلاق سراحهم.
فمن يتابع المشهد السوري، يعتقد أن الخلافات العميقة التي تصل في أحيانٍ كثيرة إلى درجة الاشتباكات المسلحة وسقوط قتلى وجرحى وأسرى بين الفصائل الإسلامية المعروفة، مثل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية»، قد تكون وليدة أسباب فرضتها تطورات الميدان ومقتضيات المعركة ضد النظام السوري، لكن الحقيقة أن هذه الخلافات أعمق من ذلك، وهي أبعد تاريخياً حتى من لحظة اندلاع الأزمة السورية في آذار العام 2011. وقد يبدو غريباً أن نقول ان بعض جذور هذه الخلافات يمتد رجوعاً إلى العام 2008، وتحديداً إلى يوم السبت الخامس من تموز من ذلك العام، الذي شهد ما أصبح يعرف إعلامياً بـ «مجزرة صيدنايا».
و«مجزرة صيدنايا» كما اصطلح على تسميتها، أدّت في ذلك الحين إلى مقتل حوالي 25 سجيناً، معظمهم من السجناء الإسلاميين المتشددين. وبينما تبنت المعارضة السورية، مع منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام العربية والغربية، الرواية التي تقول إن السلطات السورية استقدمت كتيبة من الشرطة العسكرية لتفتيش سجن صيدنايا، وإن عناصر الكتيبة قاموا بالتفتيش بطريقة مستفزة لمشاعر الإسلاميين، فحصلت مشادة بين السجناء والشرطة العسكرية قتل فيها 9 أشخاص ما أدى إلى اندلاع أعمال احتجاجية داخل السجن سقط خلالها العدد المتبقي من القتلى. إلا أن الرواية الرسمية الصادرة عن السلطات السورية أكدت أن «بعض نزلاء السجن، المحكومين بجرائم متعلقة بالإرهاب في العراق وسوريا، قاموا بالاعتداء على زملائهم أثناء جولة تفقدية لمدير السجن، فاستدعيت قوات الأمن التي اشتبكت مع السجناء، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين الطرفين».
واليوم، وبعد مرور خمس سنوات على أحداث «مجزرة صيدنايا»، قد يكون آن الأوان لإعادة صياغة للرواية الرسمية التي لم تجد آنذاك من يصدقها، بينما انتشرت الرواية الثانية انتشار النار في الهشيم، وبناءً عليها أطلق على تلك الأحداث مصطلح «المجزرة» وحُمّلتْ السلطات السورية المسؤولية الكاملة عنها.
ويأتي ذلك بعد صدور شهادات من بعض قيادات «الجهاد الشامي» ترجح صحة الرواية الرسمية، وربما لم تكن مثل هذه الشهادات تجد طريقها إلى النشر على الملأ لولا الخلافات العميقة التي تشتد يوماً بعد يوم بين الفصائل الإسلامية بعضها بعضاً، وبشكل خاص بعد أحداث مسكنة بين «أحرار الشام» و«داعش»، والتي تعتبر أكثر تلك الخلافات دموية حتى الآن، حيث سقط بسببها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين بينهم قادة و«أمراء».
فلم يكن من قبيل العبث أن يطالب القيادي «الشرعي» في «جبهة النصرة»، تركي الأشعري، وهو سعودي الجنسية، «بعزل سجناء صيدنايا من مجالس الشورى والإمارة»، مشيراً إلى أن ذلك هو السبيل الأوحد لحل مشاكل الشام. ولا يخفى أن مطالبة «الشرعي السعودي» البارز بعزل سجناء صيدنايا قد تترتب عليها تداعيات خطيرة على صعيد العلاقة بين «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية»، لأن هذه المطالبة تطال بالدرجة الأولى كلاًّ من «رئيس مجلس الشورى في الجبهة الإسلامية» أحمد عيسى الشيخ و«رئيس الهيئة السياسية» حسان عبود و«القائد العسكري» زهران علوش، فجميعهم من سجناء صيدنايا، لذلك سارع «الشرعي السعودي» إلى حذف تغريدته من حسابه، ولكن بعد فوات الأوان، لأن التغريدة كانت قد صُوّرت ونشرت على نطاق واسع.
ومع ذلك، كانت التغريدة الأخطر، والتي لم تحذف، حتى الآن، هي تأكيد الأشعري أن سبب أحداث مسكنة الدموية بين «الأحرار» و«داعش»، هي خلافات بين «أميرين» تعود إلى زمن سجن صيدنايا. ورغم أن الأشعري لم يقل أكثر من ذلك، إلا أن شهادته تسلط الضوء على نقطة في غاية الأهمية، وهي وجود خلافات كانت تستفحل بين سجناء صيدنايا، وان معارك مسكنة في ريف حلب قد تكون من تداعيات تلك الخلافات، وهو ما يشير إلى أهمية تلك الخلافات وخطورتها لدى الطرفين المتنازعين، بحيث لا مانع لديهما من دفع ثمنها من دماء «المجاهدين في سبيل الله»، كما يطلق كل طرف على عناصره.
وما لم يقله «القيادي الشرعي» تركي الأشعري، تولى أبو البراء الشامي تفصيله على نحو واضح. وربما تكون شهادة الشامي من أهم الشهادات في خصوص أحداث سجن صيدنايا. فقد أكد، في تغريدات له على حسابه على «تويتر»، أن «ما يحصل الآن من أحداث على الأرض عشناه في صيدنايا: تكفير + تخوين= اقتتال. هذه حقيقة لا خيال. السيناريو نفسه، ولكن الآن يوجد بالأيدي كل أنواع السلاح».
وحول سبب تلك الأحداث، يقول الشامي إن «معظم المشاكل التي كانت داخل صيدنايا ناتجة من الجهل بالدين والتعصب الأعمى والكذب على العلماء، بقصد أو بغير قصد».
ثم يوغل الشامي أكثر في التفاصيل، ليقول: «حتى اني أذكر أنه في أحد الأيام حصلت مشكلة بين الطرفين، وكانت هناك مساع للإصلاح، فخرج شخص من الطرف المغالي وبيده سكين وركض باتجاه الطرف الآخر». وفي تغريدة أخرى يقول: «حصل إشكال بين أخوة الدين، وكل فرد معه سيف وسكين وفريق بالطابق العلوي وآخر بالطابق السفلي»، مشيراً إلى أن «أكثر ما أثير داخل السجن كانت مسائل التكفير، والطامة كانت أن جميع السجناء يتحدثون بها بعلم وغير علم» وذلك على نحو قريب مما يحدث اليوم بين الفصائل الإسلامية التي تتبادل الاتهامات في ما بينها حول مسائل التكفير والخيانة والتخاذل ومشاريع «الصحوات».
ويختم الشامي: «كنا نتمنى ألا يتكرر سيناريو صيدنايا خارج أسواره لما رأينا من الشيء المحزن المبكي، ولكن الله أعلم بعباده».
إذاً، وبحسب شهادة أحد السجناء الذين كانوا متواجدين في السجن خلال تلك الفترة، فإن أحداث سجن صيدنايا تحدث من جديد اليوم خارج أسواره، ولكن بين الأطراف عينها، وبين السجناء أنفسهم الذين خرجوا وأصبحوا «أمراء وقادة الجهاد الشامي».
وكأنّ شهادة أبو البراء الشامي توحي بأن ما جرى في سجن صيدنايا وداخل أسواره لم يكن، في حقيقته، سوى «بروفة» للتراجيديا الدموية التي تعيشها سوريا منذ حوالي ثلاثة أعوام، تحت عناوين التكفير والجهل والعنف الأعمى، ولكن هذه المرة داخل سجن أكبر من سجن صيدنايا وليس أصغر من أسوار الجغرافيا السورية.
فهل تتحول «مجزرة صيدنايا» إلى متلازمةٍ تصيب بالعدوى كل من يقترب من الأزمة السورية، سواء بالجغرافيا أو بالتدخل؟ وهل تستمر لعنة صيدنايا في استـــدراج الســوريين، عبر «أمراء الجهاد وقادته»، نحو مجزرة جديدة قد لا يكون ثمة قاع للدمــاء المسفوكة فيها، ولا سقف لعدد ضحاياها؟
عبدالله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد