أيها العلمانيون: دافعوا عن بلدكم تركيا
مختارات (الجمل) من الصحافة التركية- ترجمة: محمد سلطان:
انهيار ثقافة الآيديولوجية الإسلاموية
نحن نشهد انهيار ثقافة الآيديولوجية الإسلاموية، التي بدأت أوائل عام 1960 في الشرق الأوسط، وضربت العالم بأسره مثل العاصفة. حيث نشاهد هذا الانهيار مليئاً بالآلام والدروس والتراجيديات.
أنماط اللباس, الحياة, أشكال التنظيم, العبارات التي أطلقت ضد الغرب والتمدن... إلخ. في العراق قضية, وفي مصر الإخوان المسلمون, وفي تركيا الرؤية القومية... إلخ. كل ذلك أدى إلى اشتعال الثورات. اعتباراً من هذه اللحظة لم يبقَ لديهم أحد ليرمم ما تهدم. اعتباراً من الآن لم يبق لديهم أحد ينادي "هل من أحد؟!. ولم يبق لديهم كتاب يمدون لهم يد العون والمساعدة. لم يبق لديهم أحد حفظ ماء وجهه لينظر بوجه الآخرين. يبدو وكأن الأرض تصدعت وفار بركان الأوساخ ليقضي على هذه الآيديولوجية. مثل سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين, الآن نشهد انهيار جدار مظلم كبير قسم المجتمع إلى قسمين وتسلط على "الإنسانية والحياة السياسية" في الأراضي الإسلامية.
أنشأوا أحزاباً كبيرة قادرة على السيطرة على أنظمة الحكم في تركيا وفلسطين ومصر وتونس والجزائر... إلخ عن طريق تشكيل تنظيمات سرية ومضحية لأجل هذا الهدف مستقطبةً كتلاً كبيرةً من الناس, وواضعةً إياها تحت سيطرتها عن طريق استخدام المشاكل المستحيلة الحل في العالم والتاريخ مثل الدين والمعتقدات.
كانوا سبباً في استمرار الحروب المذهبية, كانوا سبباً في استمرار الحروب الأهلية, أصبحوا آلات موسيقية تعزف لمصلحة جهات استخباراتية مثل الـCIA والـFBI. أصبحوا أتباعاً لشيوخ النفط ورجال الدولار, وانخرطوا في صفوف التنظيمات الوحشية الدامية أمثال تنظيم القاعدة.
في المحصلة سوف تكتب كتب ودراسات طويلة تروي هذه الحكاية. لم يقدموا الهدوء والأمان والثقة في بلادهم أو في البلاد التي ذهبوا إليها. لم يقدموا مثقال ذرة من التطمين بخصوص العدالة والرحمة والأخوة والمساواة.
تمت دراسة الآيديولوجية الإسلاموية في الأكاديميات العالمية وأعيرت اهتماماً كبيراً لا يقل شأناً عن الحركة الماركسية. فقد قضت على الرأسمالية وأسواقها الشهية وعلى التنظيمات المظلمة التي في هذه الأسواق. بالمختصر المفيد؛ قضت على جميع هذه الشهوات والجاذبيات.
لم يبق أكاديمي وفيلسوف وعالم اجتماع ورجل سياسة ومثقف إلا وتحدث عن الآيديولوجية الإسلامية. البعض رآها على أنها مشكلة حقيقية, والبعض تحدث عنها على أنها بحث صوفي, والبعض الآخر أخذها على محمل الجد ولاحقاً سخر من تحديها للثقافة الغربية, والبعض نظر إليها على أنها عنف دموي، وآخرون قالوا أنها مشكلة المغتربين الذين يضمرون حقداً على الغرب. البعض زرع مثقفيه وعملائه ضمنها ليكتشف أسرارها ويفك شيفرة علاقتها بالسياسة ويطور دبلوماسيتها مع العالم الإسلامي. لكن بشكل أو بآخر استطاعت هذه الآيديولوجية أن تشغل جميع سكان الكرة الأرضية.
استطاعت أن تدمر مساحات جغرافية شاسعة بنشاطها السياسي كمدينة لندن ودولة ماليزيا. خصوصاً منذ الثمانينات وصاعداً نجحت في البقاء في صدارة عناوين الصحف والوسائل الإعلامية. أبقت الكثير من المواضيع ضمن حياتنا اليومية خلال فترة ثلاثين عاماً, مثل النقد الذي وجهته للتحضر والنقاشات الدائرة حول الحياة الدنيوية والآخرة وأنماط اللباس والمظهر.
يقع على عاتقنا أن نصغي إلى ذلك الصراخ:
إن الحرب الخفية التي اشتعلت بين تركيبة حزب العدالة والتنمية وبين جماعة (رجل الدين) فتح الله كولن، والأموال السوداء التي وصلت حد 100 مليار ليرة تركية، تدل على أن هذه النقاشات وهذه الحرب العمياء شارفت على الانتهاء.
هذه الحرب الخفية بين هذين التشكيلين الإسلاميين تحمل في طياتها الكثير من المعاني مشيرة إلى أنها أكثر من حرب. فإذا غضضنا النظر عن تجاهلهم للقوانين العامة والدستور, وإذا تجاهلنا أعمالهم السرية, كما تجاهلنا تسجيلات الفضائح الجنسية, دعونا من استخدامهم للدين والخالق في أقذر أعمالهم, دعونا من تغذية ودعم تنظيم القاعدة ومساعدتها لقتل الشعب السوري وتحريضه ضد إيران ومن ثم القيام بتبييض الأموال مع إيران, دعونا من خلق الانشقاقات ضمن صفوف الشرطة والقضاء والذي يعتبر كارثة بالنسبة إلى أي دولة, دعونا من تنفيذ مؤامرات خبيثة ضد الجيش التركي ومعاملته وكأنه جيش للعدو, دعونا من تخوين الكتاب والصحفيين والتعاون مع شهود عيان كاذبين لزجهم في السجون, دعونا من طرد مراقبي مجلس البرلمان من المجلس, ودعونا من اتهام بعضهم الآخر والافتراءات وليبراليوهم المأجورون, فإذا تجاهلنا كل ذلك لن يبقى في يدهم أي ممسك محق وتهمة حقيقية.
إنها في نظر كل العالم عبارة عن نظام فوضوي لدولة بدائية تابعة شبه منحلة تعيش في حقبة الستينات ومتخلفة أكثر من دول أفريقيا الوسطى.
هذا النقاش سوف يمتد لمائة سنة أخرى. نحن نعايش المرحلة التي هرب فيها أنور باشا, عندما هزمت الدولة وسيطرت منظمة عميلة على الدستور والقوانين (جمعية الاتحاد والترقي). وها نحن مرة ثانية تحت الاحتلال. في مثل هذه الأيام المظلمة خرج حزب مصطفى كمال أتاتورك واتجه نحو صامصون (مسقط رأسه), ولكن هذه المرة بدلاً من خروجه باتجاه صامصون أخذ منحاه باتجاه الولايات المتحدة ليدخل ضمن حسابات ومساومات مع المحتلين (يقصد هنا زيارة كمال كيليتشدار أوغلو لأميركا).
ولكن نحن يقع على عاتقنا أن نصغي لصراخ الملايين من الشباب المسلمين الصادقين والبريئين ممن رزحوا تحت الأنقاض. يجب أن نتحاور معهم من جديد دون ذكر الماضي عن الدنيا والتطور والدولة والحزب والخالق.
إن هؤلاء الشبان الذين يسمون أنفسهم مسلمين، والذين رأوا بأم أعينهم آيديولوجية آبائهم وإخوتهم الكبار ورفاقهم، ورأوا فضائح تسجيلاتهم الجنسية والخزي الذي أصابهم، يعتبرون من هذه اللحظة أيتاماً ومقطوعين من شجرة, فهم شبان تم التلاعب بمشاعرهم والضحك عليهم ومخادعة أرواحهم.
فهم يعيشون في عار الترعرع على تبعيتهم العمياء المطلقة دون سابق شرط لزعمائهم ومشايخهم مما أدى إلى خلق نتائج مأساوية لا تحتمل.
ستمر فترة طويلة على تخطي خيبة الأمل والصدمة التي لحقت بهؤلاء الشبان الأبرياء، وربما سيستغرق الوقت سنيناً طويلة لنجد فرصة التكلم المباشر معهم. ولكن المهم أن نبدأ. يجب أن نجتمع معهم من جديد. يجب أن نزودهم بتجاربنا المريرة مرة أخرى. كما يجب أن نتعاون كتفاً لكتف في سبيل حماية بلدنا من الانقسام والتشرذم لإعادة بناءه وتقاسم خيراته.
يا إخوتي الأعزاء... أنتم لستم مسؤولين عن العار الذي سببه آباءكم وزعماءكم ومشايخكم. من الآن فصاعداً لا تجعلوا إيمانكم الصافي بالله آلة بيد هؤلاء الشياطين الدكتاتوريين أتباع الـFBI. يا إخوتي المسلمين... لا تحاولوا حماية حزبكم وزعماءكم ومشايخكم, بل دافعوا عن بلدكم تركيا.
(فهيم طاش تكين – موقع: أوضا تي في)
الانقلاب ما بعد الصداقي, وتفاصيل ما تحت العمامة والطربوش
دخلنا الأسبوع الرابع من بدء العمليات الأمنية ضد الفساد، والتي ضربت تركيا مثل العاصفة. على ما يبدو أنه بدأت تتشتت الأنظار عن هذا الموضوع شيئاً فشيئاً. خلال ثلاثة أسابيع شهدنا أخباراً عاجلة وفضائح وبيانات على شاشات التلفاز كافية لمدة سنة. بات كل شيء يختلط ببعضه البعض وكل الأمور والقضايا باتت متداخلة وغير مفهومة.
- العمليات والمداهمات التي تمت في اسطنبول مع موجة الاعتقالات الأولى. والإضبارة التي سلبت من النائب العام والموجة الثانية التي لم تتحقق. العمليات والمداهمات في مدينة ازمير, الوزراء, أبناء الوزراء. العدايل والأقرباء.
- الوزير الذي قال: «نفذت كل شيء بحسب تعليمات رئيس الوزراء, إذا أرادني أن أستقيل يجب أن يستقيل هو أيضاً».
- الحصار الاقتصادي على إيران وغازها الطبيعي ومناجم الذهب لديها.
- ياسين القاضي, تنظيم القاعدة, قائمة الإرهاب, مؤسسة الأسرة.
- ضباط الشرطة التي تغيرت مناطق تعيينهم. النائب العام الذي أخذت الأضابير منه. الشرطة التي فتحت بحقهم دعاوي فساد لأنهم لم ينفذوا التعليمات والمهمات التي أوردت إليهم.
- الشاحنة التي تم توقيفها ولكن لم تفتش وهي ذاهبة باتجاه الحدود السورية.
- الموضوع السوري, الاستخبارات التركية, قوات الدرك, النائب العام.
- النائب العام الذي قال: «أقال رئيس الوزراء اثنين من المسئولين رفيعي المستوى, والآن يقوم بتهديدي», السياحة المفاجئة التي قام بها هذا النائب العام إلى دبي.
- نائب حزب العدالة والتنمية الذي هدد نائباً عام آخر بتذكيره بمصير النائب العام الذي وجد مقتولاً في بيته. رئيس الوزراء الذي سلب أضابير النائب العام وقال له: «لم ننتهي منك بعد». النائب العام الذي أظهر عصاه من تحت عبايته بقوله: «أنا بدأت بكتابة ذكرياتي». أومبودسمان الذي قام بالضغط على النائب العام باسم رئيس الوزراء, تكذيب كلاً من رئيس الوزراء وأومبودسمان لذلك. رئيس المجلس الذي يبحث عن طريقة لفتح تحقيق بحق أومبودسمان انضباط.
- زعيم المعارضة الذي قال: «النائب العام خدم بلده والدولة التركية, لا يمكنه أن يكون كاذباً, نحن نحترم ما يقوله». وهو كان قد قام بتعيين نواب لديه فتحت بحقهم دعاوى إرهاب من قبل النائب العام نفسه.
- الصحفي الذي سأل: «ماذا كنتم ستفعلون لو كنتم مكان النائب العام؟» والجواب الذي رد به وكيل رئيس مجلس الشعب قائلاً: «كنت لأقبل جدتك».
- النظام الإداري لمراقبي العدالة, اللجنة العليا للقضاة التي عارضت هذا النظام الإداري, المحكمة الاستشارية التي أوقفت سير النظام الإداري.
- الرئيس الذي يريد أن يربط المجلس الاعلى للقضاة بوزرائه. نائب رئيس اللجنة الذي أدلى بتصريحات تعارض ذلك, أعضاء اللجنة الذين قالوا: «تصريحات نائب رئيس اللجنة لا تمثل اللجنة».
- وزير العدل السابق الذي قال: «يوجد ضمن المحكمة الموازية إمامٌ تابع للجماعة (جماعة فتح الله كولين)».
- زعيم الجماعة الذي يصور فيديوهات لدعاء يستمطر فيه اللعنات على حزب العدالة والتنمية وينشرها في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
- رئيس وزراء يسمي العمليات ضد الفساد بأنها "انقلاب ما بعد صداقي" (نحت من كلمة صداقة), ليتذكر فجأة الأبرياء، الذين زج هو بهم في السجن منذ سنوات، مطالباً بإعادة محاكمتهم.
- قال قيادي في حزب العدالة والتنمية: «إنه من المؤسف أن يتباحث الحقوقيون بمواضيع تقنيات الحقوق والعدالة. أساساً الدولة التي ينهار اقتصادها تنهار معها استقلاليتها أيضاً, فلماذا يتباحثون حول الحقوق أصلاً؟». إن هذا القيادي هو عضو في لجنة الحقوق الفرعية المنبثقة عن لجنة كتابة الدستور في الوقت نفسه.
- موظفي الأنواع المختلفة من التضليل والتشويه الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت والصحف والقنوات التلفزيونية.
- مخاوف من زيادة استبدادية وصرامة النظام يوماً بعد يوم بالتزامن مع الادعاءات التي صدرت حول محاولة تحجيم وإزالة تشكيلات الجماعة من ضمن سلك القضاء والأمن.
- التخوف من العمل والتنسيق مع هذه التشكيلات بعد عمليات الفساد هذه والإشاعات التي تفيد بانهيار هذا النظام.
في هذه الأثناء تم تناسي مسألة "الفساد وقضايا الرشاوى". هناك مخاوف من انهيار دولة الحقوق بالكامل بعد الصدمات والهزات التي تلقتها. الجيش سوف يجد الفرصة شيئاً فشيئاً وسيقول: «وأنا أيضاً موجود». النظام يجري عملية جراحية في جسمه دون استخدام المخدر الموضعي. لذلك نشهد الصراخ وسيول الدماء في الأوساط. لن ينسى أحد هذين الأخوين المتخاصمين. لن ينسى أحد كيف أوصلوا البلاد إلى هذه النقطة واضعين أيديهم بأيدي بعضهم البعض, لن ينسى أحد كيف حولوا قضايا الفساد والحقوق إلى دمية في أيديهم. لن ينسى أحد كيف أفسدوا حياة الكثير من الناس الأبرياء في السجون. أي مصيبة سوف تصيبنا ستكون ناجمة عن هاذين الأخوين المتخاصمين. هذا يعني أنه فعلاً "انقلاب ما بعد صداقي".
يا عزيزي, يقال: «قل لي من تصادق أقل من أنت». أنت معتاد أبداً على تبديل أنواع مختلفة من أغطية الرأس وأنت خارج البلاد.
(أوزكور مومجو – صحيفة: راديكال)
الجمل
إضافة تعليق جديد