«الجهاديون» ومؤتمر جنيف
رغم الموقف الرافض لمؤتمر «جنيف 2» يشكل القاسم المشترك بين غالبية التنظيمات ذات الطابع الإسلامي في سوريا، حيث أعلنت كافة هذه الفصائل عن رفضها للمؤتمر، بدءاً من «الجبهة الإسلامية» مروراً بـ«جبهة النصرة» وانتهاء بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، فان ما يثير الانتباه أن مرحلة التحضير لانعقاد المؤتمر الدولي شهدت أعمق انقسام بين هذه التنظيمات، وصل إلى حد الصراع المسلح المفتوح بين بعضها البعض.
وبينما تستمر هذه التنظيمات في الإعلان عن موقفها الرافض لانعقاد «جنيف 2» أو الاعتراف بأي نتائج تترتب عليه، فإن ثمة شكوكا في مدى صلابة موقف بعض هذه الفصائل، بحيث يراهن البعض على أن التطورات المقبلة ستشهد تغييرات كبيرة في مواقف بعضها من المؤتمر أو ما يترتب عليه من اتفاقات وتداعيات.
فلم يكن محض مصادفة أن تشتعل نار الحرب بين «الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين» و«جبهة ثوار سوريا» من جهة وبين «داعش» من جهة ثانية، قبل موعد انعقاد المؤتمر بحوالي ثلاثة أسابيع فقط، رغم أن الطرفين يتفقان في العلن على رفض مؤتمر جنيف ويسعيان إلى إفشاله. وهذا يستدعي التساؤل عن سبب الاقتتال بين الطرفين طالما هدفهما واحد في مواجهة عقد «جنيف 2».
والإجابة هي أن اتفاق «الجبهة الإسلامية» و«الدولة الإسلامية» على رفض مؤتمر جنيف، لا يلغي إمكانية أن يكون مسار رفض كل منهما، والأهداف المتوخاة من الرفض، مختلفة عن الآخر.
وقد بدت هذه الحقيقة واضحة منذ 24 أيلول الماضي، عندما صدر «البيان رقم واحد»، الذي اعتبر بمثابة انقلاب عسكري على «الائتلاف الوطني السوري» المعارض والحكومة المنبثقة عنه. حيث سحب البيان الاعتراف بـ«الائتلاف» و«الحكومة» التي كان يقودها أحمد طعمة، واعتبر أن هذه التشكيلات التي تجري في الخارج لا تمثل الفصائل الموقعة على البيان، ولا تعترف به.
وجاء هذا الموقف في حينه بعد أيام من إعلان رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا، في تصريح، أنه لا يمانع من المشاركة في «جنيف 2» من دون شروط مسبقة. والنقطة المهمة في البيان، التي شكلت منعطفاً كبيراً، لم تكن في البنود التي تضمنها، وإنما في مشاركة «جبهة النصرة»، المصنفة أميركياً على أنها تنظيم إرهابي، في التوقيع على هذا البيان المشترك مع أهم الفصائل الموجودة على الأرض، مثل «أحرار الشام» و«لواء التوحيد» و«صقور الشام» (وهي التي شكلت الجبهة الإسلامية بعد حوالي شهرين من البيان)، وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها، حيث لم يكن سبق لـ«جبهة النصرة» أن شاركت علناً في إصدار أي بيان مع هذه الفصائل التي كانت قبل أشهر تنتقد قيام زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني بمبايعة زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، معتبرة هذه المبايعة خدمة مجانية للنظام السوري، بحسب ما ورد في العديد من البيانات الصادرة عنها.
وما يؤكد أن «البيان رقم 1» أثبت اختلاف مسار الرفض بين «الجبهة الإسلامية» وبين «داعش» من مؤتمر «جنيف 2»، هو أن موقف «الدولة الإسلامية» من البيان كان حادّاً ومفعماً بالاتهامات، معتبراً صدور البيان الخطوة الأولى لتشكيل «صحوات الشام» ضده، رغم أنه في المبدأ لا يختلف مع مضمون البيان لجهة عدم اعترافه بـ«الائتلاف كممثل للشعب السوري»، ولكنه، أي «داعش»، قرأ ما بين سطور البيان، وتوقف طويلاً عند توقيع «جبهة النصرة» عليه، وعدم دعوته للمشاركة في إصداره، وفهم الرسالة المبطنة التي تضمنها البيان والموجهة بشكل رئيسي إليه هو وليس إلى «الائتلاف».
وقد أثبتت الأحداث أن قراءة «داعش» للبيان كانت واقعية، وفيها من الصحة الشيء الكثير، لاسيما بعد تشكيل «الجبهة الإسلامية» من أهم الفصائل التي وقعت على «البيان رقم 1»، ثم تحالفها مع «جبهة النصرة»، ومشاركة الجبهتين في الحرب الأخيرة ضد «الدولة الإسلامية».
ومؤخراً جدّد زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، في مقابلته مع قناة «الجزيرة»، رفضه للمؤتمر. وقال «لن نعترف بالنتائج المنتظرة لمؤتمر جنيف 2، والمشاركون فيه لا تمثيل لهم على الأرض، ولن نسمح للعبة جنيف 2 بخداع الأمة». ورأى أن الهدف من عقد المؤتمر هو رغبة المجتمع الدولي بإيجاد طريقة للحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد وإعادة الحياة إليه «بعد أن اقترب من السقوط». وأشار، بما يشبه التهديد، إلى أن «كل من سيشارك في مؤتمر جنيف 2 باسم الشعب السوري سيكون شريكا في التآمر على دماء السوريين التي سفكت على أيدي الأسد وأعوانه»، مضيفاً أن مقاتلي «النصرة» لن يسمحوا بتمرير مشروع «جنيف 2» في حال تم التوصل إلى اتفاق.
وهو موقف ليس ببعيد عن الموقف الذي عبّر عنه القائد العسكري لـ«الجبهة الإسلامية» و«جيش الإسلام» زهران علوش، الذي أكد، في تغريدات على حسابه على «تويتر»، أن هناك توجهاً لإدراج المشاركين في «جنيف 2» على قائمة المطلوبين، سواء أولئك المنتمين للنظام أو المعارضة. وقال إن «الهيئة العسكرية للجبهة الإسلامية تعتزم تقديم طلب لقيادة الجبهة للموافقة على إدراج المشاركين في «جنيف 2» من الطرفين في قائمة المطلوبين».
ورغم أن بعض القياديين في «الائتلاف» السوري المعارض حاولوا الإيحاء بأن «الجبهة الإسلامية» قد توافق على مؤتمر جنيف، بل ذهب البعض منهم إلى حدّ التأكيد بأن الموافقة الرسمية ستصدر قريباً عن «مجلس شورى» الجبهة، كما صرح بذلك زياد أبو حمدان لقناة «الميادين»، إلا أن «الجبهة الإسلامية» ظلت على موقفها العلني الرافض لمؤتمر جنيف وعدم الاعتراف بنتائجه، وهو ما صرح به رئيس المكتب السياسي للجبهة حسان عبود في حديث مع قناة «الجزيرة»، وأكدته تصريحات الكثير من قادة الجبهة خلال الفترة الماضية.
أما موقف «داعش» من المؤتمر جنيف فقد جاء على لسان المتحدث باسمها أبو محمد العدناني، الذي لم يذكر «جنيف 2» بالاسم، لكنه اكتفى بإطلاق تهديدات نارية ضد كل من «الائتلاف والمجلس الوطني وهيئة الأركان والمجلس العسكري» معتبراً إياهم «طائفة ردة وكفر»، مضيفاً «كل من ينتمي لهذا الكيان هو هدف مشروع لنا في كل مكان، ما لم يعلن على الملأ تبروئه من هذه الطائفة وقتال المجاهدين».
لذلك يبدو شديد الغرابة أن يستمر القتال بين «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» من جهة و«الدولة الإسلامية» من جهة ثانية، لاسيما قبيل انعقاد مؤتمر جنيف الذي تتفق المواقف العلنية لكليهما على رفضه ومحاربة كل من يشترك به، فلماذا يتحاربان مع بعضهما إذاً؟.
يجيب قيادي سابق في «الجيش الحر»، رفض الكشف عن اسمه، أن «الجبهة الإسلامية» لا ترفض «جنيف 2» من حيث المبدأ وإنما تسعى إلى إقناع العالم أنها البديل الصالح لحكم سوريا بدل النظام الحالي، وبالتالي تريد جنيف على مقاسها وبما يحقق طموحها في حكم سوريا، وهو ما يؤكده تسريب الشروط التي وضعها حسان عبود لحضور المؤتمر، وهي «سحب الاعتراف الدولي بـ«الائتلاف» و«هيئة الأركان» التي يقودها سليم إدريس، والاعتراف بالفصائل الإسلامية، وطي صفحة المفاوضات مع النظام السوري. ويضيف القيادي السابق أن هناك دولاً وأجهزة أقنعت «الجبهة الإسلامية» أن بوابة حكم سوريا لن تفتح لها إلا بعد القضاء على «داعش» الذي يعتبر خطراً على أمن المنطقة والعالم.
وفي نفس السياق، أكد لـ«السفير» معتقل سابق في سجن صيدنايا، على معرفة تامة بقيادات «الجبهة الإسلامية» الذين كانوا معتقلين حتى منتصف العام 2011 في ذلك السجن، أنه لا يمكن الاطمئنان إلى كل ما تعلنه قيادات الجبهة من مواقف، مشيراً إلى أن تشددهم في رفض مؤتمر «جنيف 2» قد يكون وراءه صفقة ما تجري في الخفاء ومن تحت الطاولة. وقال «أنا أعرفهم جيداً، ففي أحداث سجن صيدنايا في العام 2008 حرضنا من أصبحوا اليوم أمراء الجهاد، على العنف وحمل السلاح، وأقنعنا بعضهم أن نعلن إمارة سجن صيدنايا، وأنه انطلاقاً من هذه الإمارة سنحرر كل سوريا من احتلال النظام الأسدي، ولكن للأسف كانوا هم أنفسهم أول من باعنا وتخلّى عنّا ووشى بالأماكن التي كنا نخبّئ فيها الأسلحة والمتفجرات، ثم شكلوا لجنة لمفاوضة إدارة السجن وقبلوا بحل القضية بشكل سلمي بعد أن كانوا المحرضين على استعمال القوة والسلاح».
وأشار إلى أن غالبية قيادات «الجبهة الإسلامية» هم من المعتقلين السابقين في سجن صيدنايا. وتساءل «ألا يمكن أن يعيد تاريخ سجن صيدنايا نفسه في وقائع مؤتمر جنيف 2 وما يليه؟».
وما يعزز ذلك التأكيدات المتكررة لقياديين في «الائتلاف السوري» المعارض خلال الأيام الماضية أنهم سمعوا من بعض قادة «الجبهة الإسلامية» ما يشير إلى موافقتهم على «جنيف 2». فهل تأكيدات القياديين كاذبة، أم في «الجبهة الإسلامية» من يظهر عكس ما يضمر؟.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد