التهديد بحل السلطة الفلسطينية وسط جمود المفاوضات
كثرت الأحاديث في الآونة الأخيرة على ألسنة قيادات فلسطينية عن احتمال اللجوء إلى خيار حل السلطة الفلسطينية في ظل الجمود في المفاوضات. وكان أبرز ما صدر في هذا الشأن ما تحدّث به الرئيس محمود عباس أمام أعضاء كنيست إسرائيليين، وفي مقابلة مع صحيفة «المصري اليوم»، حيث تكرر الحديث عن «تسليم المفاتيح» تارة لإسرائيل مباشرة وتارة إلى الأمم المتحدة.
وكانت لافتة مسارعة الإدارة الأميركية إلى التحذير من مغبة اللجوء إلى هذا الخيار والتهديد بـ«العواقب الجسيمة» لذلك على العلاقات مع السلطة وعلى المساعدات الأميركية لها. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بيساكي، أمس، إنه «في السنوات الأخيرة بذلت جهود كبيرة في بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية، واستثمرت أموال الأسرة الدولية وأموال أميركية»، مضيفة أنّ «حل السلطة لن يخدم المصلحة الفلسطينية وستكون لذلك آثار جسيمة على علاقات الولايات المتحدة والفلسطينيين، بما في ذلك في موضوع المساعدات الأمنية التي تمنحها الولايات المتحدة للسلطة».
وتختلف التقديرات في شأن جدية هذه الأحاديث ليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين وحسب وإنما داخل كل جهة أيضاً. فهناك بين الفلسطينيين مَن يعتقدون أن هذا خيار حقيقي تأخر اللجوء إليه وهناك من يعتقد أنه ليس أكثر من تهديد لدفع ليس فقط الأميركيين والإسرائيليين للتحرك. وفي هذا الصدد، أبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجموعة من الصحافيين الإسرائيليين، الذين زاروا مقره الرئاسي في رام الله أمس، «إذا توقفت المفاوضات فإن الحكومة الإسرائيلية هي التي ستتحمل المسوؤلية، كذلك الوضع الاقتصادي ودفع رواتب الموظفين والعمال والفلاحين والصحة والتعليم مثلما كانت قبل إنشاء السلطة»، مضيفاً أنها ستتحمل كذلك «مسؤولية الأمن يعني إسرائيل ستتحمل المسؤولية كاملة والمسؤولية الكبرى تتحملها إسرائيل ونأمل أن لا نصل إلى هذه المرحلة وأن نصل إلى حلول والابتعاد عن كل ما يوتر الأجواء، فالمنطقة لا تحتمل المزيد من التوتر».
في المقلب الآخر، هناك بين الإسرائيليين من يرى أن هذا تهديد فارغ ويجب دفع الفلسطينيين نحوه لإثبات أن مسدسهم بلا ذخيرة وآخرون يجزمون بأن هذه كارثة سياسية وأمنية يصعب على إسرائيل احتمال عواقبها.
وأياً يكن الحال فإن تكرار هذا التهديد، خصوصاً مع اقتراب موعد انتهاء مهلة الشهور التسعة المخصصة للمفاوضات في 29 نيسان الحالي، يشير إلى واحد من اثنين: يأس من احتمال التوصل لأي اتفاق عبر المفاوضات أو حث للمفاوضات من أجل تمديدها. والواقع أن السلطة الفلسطينية لم تخف رغبتها في تمديد المفاوضات لإدراكها أن الاندفاع إلى طريق آخر غير مضمون النتائج في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة. لكن السلطة في الوقت نفسه لم تعد قادرة على مواصلة احتمال عجز الأميركيين حتى عن تنفيذ تعهدات الحد الأدنى، كما جرى في مسألة الإفراج عن الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل اتفاقية أوسلو، الذي كان متوقعاً نهاية شهر آذار الماضي.
ويبدو من خلال العودة السريعة إلى طاولة المفاوضات أنّ الطرف الإسرائيلي أيضاً لا يخفي قلقه من الدخول في المجهول في ظل الظروف الراهنة. وتشهد على ذلك مطالبات الطاقم الإسرائيلي المفاوض بالعودة إلى «صفقة بولارد» لتمديد المفاوضات وبقصد كسب الوقت بانتظار اتضاح الصورة الإقليمية والدولية. ولكن الإسرائيلي أيضاً يريد أن يجعل المساومة الجديدة أقل تكلفة قدر الإمكان.
وبرغم أن أحداً لا يجزم حتى الآن بمدى جدية التهديد بحل السلطة إلا أن النقاش الدائر في الأوساط الفلسطينية بهذا الشأن صار أكثر جدية. فهناك مدرسة تعتقد أن هذه الخطوة تشكل ورقة ضاغطة أساسية، خصوصاً إذا أخذنا بالحسبان حقيقة اعتراف العالم بفلسطين كدولة «غير عضو» في الأمم المتحدة. فهذا الاعتراف يوفر للفلسطينيين سلاحاً لم يكن يتوفر لهم من قبل وأساسه أن الأراضي الفلسطينية لم تعد «مناطق متنازعاً عليها»، كما تدعي إسرائيل بل أرضاً «لدولة تحت الاحتلال». وهذا يعني البدء بملاحقة إسرائيل في المحافل والمحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب سواء لجهة نقل سكان من دولة الاحتلال إلى أرض محتلة أم لجهة مصادرة الموارد والأراضي وإقامة المستوطنات بما في ذلك داخل القدس الشرقية.
وتنطلق فكرة حل السلطة من واقع أن السلطة الفلسطينية جعلت استمرار الاحتلال الإسرائيلي أقل تكلفة. فالدول المانحة توفر للسلطة دعماً يزيد عن مليار دولار سنوياً يذهب قسم كبير منها لرواتب رجال الأمن والإدارة العامة وهو ما يقلص التذمر ضد الاحتلال. وفي حال عودة إسرائيل للاحتلال المباشر فسوف يكون عليها مواجهة مشاكل أكثر من أربعة ملايين من سكان الأراضي المحتلة العام 1967 وإيجاد حلول لها في ظل تنامي المقاومة وتكلفة الاحتلال.
وكانت مصادر فلسطينية قد أوحت لجهات إعلامية أن عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير في رام الله بعد أيام وقبيل انتهاء مهلة المفاوضات يرمي إلى مناقشة المسألتين الأهم على جدول أعمال السلطة، وهما حل السلطة من عدمها والمصالحة مع حماس ومن ضمنها الانتخابات العامة. وبديهي أن عقد هذا المجلس يشكل إشارة إلى محاولة الاستناد إلى ذراع تمثيلي في ظل غياب كل من المجلس الوطني للمنظمة والمجلس التشريعي للسلطة، الأمر الذي يضفي شرعية ما على القرارات الهامة التي ستتخذ. ولكن ما لا يقل أهمية هو أن انعقاد هذا المجلس سيمنح قيادة السلطة والمنظمة تمديداً لشرعية وجودهما إلى حين إجراء انتخابات عامة جديدة.
وفي الجانب الإسرائيلي ثمة من يرى الأمر بجدية كبيرة. وقد كتب كبير المعلقين السياسيين في «يديعوت» ناحوم بارنيع أنه «إذا نفذ الفلسطينيون تهديدهم فستكون لذلك نتائج دراماتيكية... وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلى أن يجد طريقة لملء فراغ السلطة إنشاء شرطة والاهتمام بالتربية والصحة والماء والصرف الصحي. وسيكف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اللذان يحولان اليوم أكثر من ملياري دولار إلى السلطة كل سنة، عن تقديم المنح. وستضطر حكومة إسرائيل إلى سد النقص لكن ذلك سيكون فقط جزءاً من النفقة المالية المطلوبة. وبحساب حذر فإن النفقات الإسرائيلية في السنة الأولى على الأقل من الاحتلال المجدد، ستبلغ عشرات مليارات الشيكلات».
ويرى بارنيع أن «النفقة المالية هي الجزء السهل لأن تفجير المحادثات قد يفضي الى موجة عنف جديدة بتشجيع حماس التي ستحاول أن تملأ الفراغ. وستواجه إسرائيل وضعاً دولياً وقانونياً جديداً لأن كل بيت سيبنى في شرقي القدس والمناطق سيعتبر عملاً غير قانوني بحسب معاهدة جنيف الرابعة. وهذا يعني مقاطعة تتسع مع إسرائيل كلها وانكشافاً لكل مسؤول إسرائيلي كبير: وزير أو جنرال مكلف أو متقاعد لأن يُعتقل في كل مطار في الغرب. وهذا سيناريو متطرف. ويمكن أن توجد سيناريوهات أقلّ قسوة. ومن المؤسف جداً أننا إذا استثنينا عدداً من تصريحات (رئيسة المفاوضين الإسرائيليين) تسيبي لفني فإنّ أحداً في الحكومة لم يُجهد نفسه ليُبين للجمهور الإسرائيلي، ما هي الأثمان التي سيدفعها إذا حدث انفجار».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد