حزب الله يرسم قواعد اللعب على الحدود: معادلات جديدة في المواجهة مع إسرائيل
كشف المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عاموس هارئيل، النقاب عن اعتقاد قادة الجيش الإسرائيلي العاملين على طول الحدود اللبنانية، بوجود تغييرات جوهرية في أداء "حزب الله"، في إطار معادلة توازن الردع القائمة، مشيراً إلى أن ذلك يتجلى بشكل أساسي في التفجيرات التي وقعت في مزارع شبعا وفي نشاطات الحزب على طول الحدود.
ولاحظ هارئيل أن جنود كتيبة الهندسة القتالية يرصدون نشاطاً ظاهراً لـ"حزب الله" الذي يتجول رجاله مؤخراً في أوقات متقاربة بالقرب من السياج الحدودي بثياب مدنية، لكن في سيارات معروفة جيداً لقوة "اليونيفيل" أيضاً، وأحياناً حاملين السلاح علناً.
وإلى الشرق، على طول الحدود مع سوريا في هضبة الجولان، ولاسيما في منطقة جبل الشيخ حيث لا تزال تسيطر قوات النظام السوري، وقعت سلسلة محاولات تنفيذ عمليات بواسطة عبوات ناسفة وإطلاق قذائف صاروخية.
وكتب هارئيل أن "وسائل الإعلام فسرت الهجمات المنسوب تنفيذها إلى تحالف سوريا وحزب الله، بأنها رد على الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مخزن سلاح للحزب في بلدة جنتا في البقاع في 24 شباط الماضي. واعتبرت هذه الوسائل أنه يقف مباشرة أو بشكل غير مباشر خلف العمليات ضد إسرائيل في الجولان أيضاً".
ونقل عن أوساط، وصفها لعمليات "حزب الله" بأنها محاولة لرسم خط أحمر لاسرائيل، وأن "في سوريا يجوز لكم أن تهاجموا لكنكم ستدفعون الثمن إذا اعتديتم على سيادة لبنان".
لكن هارئيل لفت إلى أن الظن أخذ يقوى بأنه يحدث هنا شيء أعمق، وأن "حزب الله" يحاول من جديد رسم قواعد اللعب في المواجهة العسكرية مع إسرائيل، بعد سنوات من الاستقرار النسبي على طول الحدود. وكتب أن سلسلة حوادث السنة الماضية، قد تعبر عن نهاية السنوات السبع الهادئة على الحدود منذ كانت حرب تموز العام 2006.
ويرى "حزب الله"، وفق هارئيل، أن التجربة التأسيسية لعلاقة الحزب بإسرائيل تكمن أيضاً في نجاحه الكبير، المتمثل في انسحاب الجيش الإسرائيلي من الشريط الأمني في الجنوب اللبناني في أيار العام 2000.
ويعتقد رجال الاستخبارات الإسرائيليين أن ذلك كان التزاوج المثالي من وجهة نظر "حزب الله" بين هويتيه، وهما أيديولوجية النضال الجهادي بإلهام إيران، وكونه لاعباً فعالاً في الميدان اللبناني.
وبحسب هارئيل فإنه "بعد الانسحاب، ثبت حزب الله نفسه في جنوب لبنان مع سيطرة كاملة على ما يجري هناك وإظهار وجود ظاهر متحد لقوات الجيش الإسرائيلي على طول الحدود. وفي الوقت نفسه حافظ على ميدان صراع على نار هادئة في منطقة مزارع شبعا، حيث ادعى السيادة اللبنانية عليها. وأحرقت أوراق اللعب في الحرب، فيما فشل الجيش الاسرائيلي في واقع الأمر في محاولته هزيمة حزب الله، لكن قرار مجلس الأمن 1701 أبعد رجال الحزب عن الحدود وانتشرت قوة من الامم المتحدة والجيش اللبناني في أماكنهم".
ويشير المعلق العسكري إلى الحذر لدى الطرفين بعد ما ظهر من قدرة تدميرية في الحرب، من التورط في مواجهة أخرى، وقصرا فعلهما على عمليات مركزة من دون إعلان، وبعيداً عن الحدود المشتركة في الأكثر.
ويضيف "هكذا اغتالت إسرائيل عماد مغنية في دمشق في العام 2008؛ وحاول حزب الله أن يضرب سلسلة أهداف اسرائيلية في العالم، وفي النهاية قتل خمسة سياح إسرائيليين في عملية انتحارية في بلغاريا في صيف العام 2012. واضطرت المنظمة أيضاً إلى أن تغير استعدادها في جنوب لبنان، فقد ركزت قياداتها ومخازنها في القرى الشيعية وتخلت عن أكثر القرى المسيحية، وطوت مواقعها في المناطق المفتوحة التي كان الجيش الإسرائيلي يسميها في الحرب محميات طبيعية".
ويعتبر هارئيل أنه "بعد تدخل حزب الله لمساندة النظام السوري ضد المعارضين تكبد الحزب خسائر تعتقد القيادة الإسرائيلية أن الحديث عنها مبالغ فيه. ففي المقابل راكم حزب الله تجربة عملياتية مهمة مع ثقة متزايدة بقدرته العسكرية. وبنى في هذه الأثناء ترسانة تحوي عشرات آلاف الصواريخ القادرة على إصابة كل هدف داخل إسرائيل. كما عاد وعزز سيطرته الدينية والاقتصادية على السكان الشيعة في لبنان، لكن نشأ في هذه الصورة عنصر مُغضب من وجهة نظر حزب الله، وهو سلسلة الهجمات الإسرائيلية على قوافل السلاح في سوريا منذ مطلع العام 2013 فما بعد".
ويكتب هارئيل أنه تشكل لدى "حزب الله" بالتدريج فهم يرى أن تلك ليست أحداثاً موضعية بل هي معركة إسرائيلية ترمي إلى ضرب زيادة قوة المنظمة ومنع نقل منظومات سلاح متطورة إلى داخل لبنان.
وفي أيار الماضي، بعد هجومين جويين بالقرب من دمشق قضي فيهما على صواريخ "فاتح 110" كانت معدة لـ"حزب الله"، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن هضبة الجولان "مفتوحة" لمنظمات المقاومة، أي لعمليات على إسرائيل. وخصص "حزب الله" الأشهر التالية لتنظيم نفسه استعداداً لإمكانية أن يقرر العمل هناك، بحسب المعلق العسكري.
ويضيف أن "الخط الفاصل في المواجهة بين حزب الله وإسرائيل لم يمر فقط بجنتا بل بالضاحية الجنوبية لبيروت أيضاً. وفي ليلة الثالث من كانون الأول العام الماضي، اغتيل هناك بإطلاق الرصاص من مسافة قصيرة حسين اللقيس، وهو من كبار قادة الذراع العسكري لحزب الله. وكان ذلك حادثاً تأسيسياً من وجهة نظر الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. ولم نكن نحتاج إلى معلومات استخبارية سرية كي نحزر بالتقريب الحيرة التي واجهتها قيادة حزب الله العليا".
ويمضي هارئيل بالقول إن "نصر الله قال في خطبة معلنة بعد اغتيال اللقيس إن لمنظمته حسابا قديما مع إسرائيل (مغنية)، وحسابا جديدا (اللقيس) وحسابا متجددا (أي الصراع كله كما يبدو). وبعد الخطبة فوراً نشر المحلل اللبناني الأقرب إلى نصر الله، رئيس تحرير صحيفة (الأخبار) إبراهيم الامين مقالة انتهت بالتحذير التالي: (توجد رائحة دم على الحدود الجنوبية. انتظروا وسترون)".
وقد صيغت إستراتيجية "حزب الله" الجديدة بعد اغتيال اللقيس، لكن بدأ بتنفيذها بعد غارة جنتا. ومنذ ذلك الحين استعملت العبوة الناسفة في مزارع شبعا وزرعت عبوتان ناسفتان في هضبة الجولان وأطلقت قذائف صاروخية على جبل الشيخ، وكشفت شرطة تايلاند عن خطة للحزب لضرب سياح إسرائيليين في بانكوك واعتقلت مواطنين لبنانيين وهي تطارد سبعة آخرين مشتبهاً فيهم.
ويخلص هارئيل إلى أن رد "حزب الله" على الهجوم في جنتا يبدو أنه معركة واسعة يُشك في أن تكون بلغت نهايتها، في مزارع شبعا وفي الجولان وفي الخارج أيضاً.
ويبدو من جهة أخرى أن نصر الله يدرك أن اسرائيل لا تبحث عن حرب أيضاً، وهو مستعد لأن يزيد المخاطرة، بل لأن يمضي حتى النهاية كي ينقل رسالة إلى إسرائيل ويحذرها ألا تمس مرة أخرى رجاله في لبنان أو جهود تهريب السلاح على الحدود مع سوريا.
وختم هارئيل أنه "منذ كانون الأول، بدأ واقع إستراتيجي جديد يتشكل، وكبر في شباط، ولم تتضح قواعده إلى الآن. إن الشيء الواضح هو أن حزب الله أخذ يتجرأ لأول مرة منذ العام 2006 على الهجوم على الحدود مع إسرائيل. وبقي أن نرى هل إجراءاته ردود على خطوات إسرائيل فقط أم سيبادر هو نفسه إلى تحرشات جديدة؟".
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد