«فلسطين أمس واليوم وغداً» في دار الأوبرا السورية.. كتابة بالضوء لتاريخ مستمر
يحيلـنا عنوان معرض الصـور الفوتـوغرافية « فلسطين أمس واليوم وغداً - دار الأوبرا السورية -11-14آب» إلى ثلاثة أزمنة سجلتها كاميرا مصورين مجهولين؛ فالمعرض الذي ضم أكثر من ثلاثمئة صورة ضوئية وثّقت لمرحلة ما قبل نكبة 1948 وما بعدها ومن جرائم قامت بها العصابات الصهيونية؛ وما تلاها من سقوط دراماتيكي للمدن والقرى الفلسطينية في يد الاحتلال الإسرائيلي؛ استمدت معظم موادها من صور ووثائق وخرائط نادرة من الأرشيفين العثماني في عهد السلطان عبد الحميد والبريطاني ومن مجلات وجرائد قديمة؛ عمل الفنان السوري أيمن الدقر على تجميعها وتحقيقها تاريخياً ومقاربة مراجعها. ليس هذا وحسب بل عمل الدقر على رفع حساسية الصور والوثائق لونياً وخطياً وتوحيد هويتها البصرية لتصبح صالحة للعرض، محققاً كتابة تسجيلية بالضوء للمأساة الفلسطينية؛ منكباً طيلة أكثر من عام على فوتوغرافيات أقرب ما تكون إلى فيلم وثائقي من الحياة الفلسطينية المعاصرة التي غالباً ما تكون مادتها البصرية بعيدة عن نشرات وسائل الإعلام اليومية؛ فالأرشيف الضخم الذي استقى منه الفنان صوره ينهل بلا هوادة من معين ثري للغاية يعود تاريخه إلى بداية فن التصوير الضوئي، لتقع عين الزائر لهذا المعرض على صور وثقت لمبانٍ ومعالم رئيسية في المدن الفلسطينية التي حاول الاحتلال الإسرائيلي تزويرها وشطبها من الذاكرة الفلسطينية والعربية على حد سواء، حيث حاول المعرض تقديم ما يشبه بانوراما عن هذه المدن؛ خصوصاً عن المهن والحرف الفلسطينية التي كانت سائدة في عهد الاستعمار البريطاني؛ جنباً إلى جنب مع عشرات الصور التي حاولت التقاط هوية المدينة الفلسطينية قبيل الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها عصابات الهاغانا والأرغون في شتى بقاع فلسطين.
هكذا نعثر على صور تعود لعام 1929 لمبنى الأوقاف بمدينة القدس ومبنى البريد المركزي، وصوراً للآثار الرومانية بمدينـة أريحـا؛ وصوراً للعاملين في إذاعة القدس تعود لعام 1940؛ إضافةً لصور لعمال ومزارعين فلسطينيين يقومون بخزن وانتقاء البرتقال اليافاوي؛ فضلاً عن صورٍ أخرى لطالبات فلسطينيات في مدرسة « الفرندز» برام الله عام 1937. إضافةً لصور لنفق السكة الحديدية الذي كان يربط بين نابلس وطولكرم وجنين؛ كما نشاهد صوراً للحياة الثقافية والفنية هناك كان أبرزها لكورال من الشباب والشابات الفلسطينيين على مسرح وسينما الحمراء بالقدس تعود لعام 1936؛ إضافةً لتركيز المعرض على الصور التي تظهر التدمير المنهجي الذي قام به بن غوريون في مدينة حيفا وكيف أجبر أكثر من 3500 مواطن فلسطيني على النزوح من مدينة حيفا عام 1947؛ كما يوثق المعرض لقيام العصابات الصهيونية بتهجير الفلسطينيين من مدينتي اللدّ والرملة في 12 تموز 1948؛ وما اعقب ذلك من عمليات إبادة جماعية ومجازر مرعبة بحق الشعب الفلسطيني في هاتين المدينتين.
مشهدية كثيفة ونادرة عمل الدقر على إعدادها وتصنيفها في مراحل زمنـية تبدو مطلة أكثر فأكثر على حياة الفلسطـينيين في بلاد الشتات، وفي المخيمات وملامح الهجرة اليهودية الكثيفة التي شهدتها فلسطين ما قبل وبعد نكـبة الـ 48؛ وصـور صادمـة للمذابح التي قامت بها إسرائيل في دير ياسين وجنين وبئر السبع، ليطل بعدها هذا المعرض على المعيش الفلسطيني في الفترة التي أعقبت قيام الكيان الإسرائيلي، والممارسات العنصرية التي قام بها داخل الأراضي المحتلة، لا سيما تفاصيل بناء جدار الفصل الذي وزع المعرض نسخاً من كتابٍ مجاني على الحضور منه بعنوان « جدار شارون - تأليف الفرنسي آلان مينارغ - ترجمة عبود كاسوحة - دار الأولى للنشر».
سامر محمد إسماعيل
السفير
إضافة تعليق جديد