خلافات الإخوة الأعداء في ريف ارلب تمهد لحرب ضروس بينهم
تتجه الأحداث في ريف إدلب شمال سوريا نحو التصادم بين «جبهة النصرة» من جهة و«جبهة ثوار سوريا» من جهة ثانية.
وبالرغم من أن «النصرة» استطاعت خلال تموز الماضي أن تؤسس عدداً من «المحاكم الشرعية» في مناطق مختلفة، إلا أنه من المتوقع أن يؤدي قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بفرض قيود على تمويلها وتسليحها، إلى عزلها عن محيطها، وتشجيع بعض الفصائل على محاربتها، مستفيدة من الغطاء الأممي.
وأصدرت «جبهة ثوار سوريا»، بقيادة جمال معروف أمس الأول، بياناً شديد اللهجة، هددت فيه «جبهة النصرة» بالحرب إذا لم تسحب عناصرها من مناطق جبل الزاوية، وتوعدتها بمصير مماثل لمصير تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، الذي سحب عناصره من المنطقة قبل حوالي ثمانية أشهر مع بدء المعارك بين الفصائل «الجهادية».
واتّهم البيان «جبهة النصرة» بإخلاء جبهات القتال مع النظام السوري، سواء في حلب أو مورك أو وادي الضيف، وانشغالها بالسيطرة على الشريط الحدودي مع تركيا «حيث شاهدناكم تركتم حلب وسلمتم دير الزور إلى داعش، ثم اتجهتم إلى دركوش وسلقين وحارم وعزمارين، وانتشرتم على الحدود السورية التركية» بدل التوجه إلى بلدة الفوعة وكفريا أو نبل والزهراء (بلدات محاصرة) تنفيذاً لدعوى محاربة الفساد والمفسدين.
ويأتي بيان «جبهة ثوار سوريا» في ظل مخاوفها من أن تكون الأرتال والتعزيزات التي تستقدمها «جبهة النصرة» إلى بعض قرى جبل الزاوية، مثل كنفصرة، تمهيداً لعملية اقتحام واسعة تستهدف من خلالها «النصرة» فرض سيطرتها على المنطقة وطرد مقاتلي معروف منها، كما طردتهم قبل حوالي شهر من حارم وسلقين ودركوش وعزمارين، علاوة على قيامها بحشد المزيد من عناصرها بالقرب من أطمة وباب الهوى في ظل توقعات بأن معبر باب الهوى الحدودي هدف لا تراجع عنه بالنسبة إلى «النصرة»، نظراً لما يمثله من خط إمداد استراتيجي، إضافة إلى ما يدرّه من أموال نتيجة الرسوم والأتاوات المفروضة على الأشخاص والأشياء التي تعبر منه ذهاباً وإياباً.
واضطرت «جبهة النصرة» بعد هزيمتها في المنطقة الشرقية، وانسحاب قادتها وعناصرها من جميع معاقلها في مدينة دير الزور، إلى تغيير سياستها، واتباع سياسة جديدة، تحت عنوان «تطبيق الشريعة الإسلامية»، أدت إلى حدوث تصادم بينها وبين العديد من الفصائل المسلحة في مناطق مختلفة من سوريا.
وفي درعا، اعتقلت «النصرة» قائد «المجلس العسكري للجيش الحر» العقيد أحمد النعمة، ثم اعتقلت قائد «لواء الحرمين» شريف الصفوري، وفي حماه اعتقلت قائد «لواء أبي العلمين» التابع إلى «المجلس العسكري» في حماه بعد خلاف بينهما على شحنة أسلحة. وفي إدلب قادت معارك ضارية ضد «لواء ذئاب الغاب» و«لواء أحرار الجبل الوسطاني» وغيرهما من الفصائل، بينما اشتبكت في ريف حلب مع لواء «قبضة الشمال»، الأمر الذي يشير إلى أن غالبية الفصائل المسلحة تعتبر نفسها متضررة من سياسة «جبهة النصرة» الجديدة، ولا مانع لديها من اللجوء إلى السلاح لإيقاف هذه السياسة.
وكان زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني قد أعلن، في تسجيل مسرب في رمضان الماضي، عن نيته إقامة «إمارة إسلامية»، قبل أن يصدر توضيح من المتحدث الرسمي باسم «النصرة» أبو فراس السوري بأن المقصود هو تطبيق «الشريعة الإسلامية، وليس إقامة إمارة بمعنى دولة وحكم». وبناءً على ذلك، أسّست الجبهة فروعاً عدة لما أسمته «دار القضاء» في مناطق عدة، سواء في ريف إدلب أو ريف حمص أو ريف حماه، ومؤخراً في ريف اللاذقية، بهدف تطبيق شرع الله كما يفهمه مشايخ «النصرة». وانتشرت عدة صور ومقاطع فيديو لقضاة من «جبهة النصرة» وهم يتلقون «التوبة» من بعض المسلحين المتهمين بالفساد أو المتاجرة بمواد ممنوعة.
وأتت هذه التغييرات في علاقة «جبهة النصرة» مع فصائل كانت حتى الأمس حليفة لها، بالتزامن مع تنامي الجهود الدولية لمحاولة ضبط ظاهرة الإرهاب ومنعها من الإفلات من عقالها، والتي توجت بصدور قرار مجلس الأمن الجمعة الماضي، والقاضي بضرورة وقف تمويل وتسليح «النصرة» و«داعش».
وإذا كان هذا القرار يعني في ما يعنيه، رفع الغطاء الإقليمي والدولي عن كلا التنظيمين، ومنع أي دولة من الاجتهاد وتقديم مساعدة مباشرة أو غير مباشرة لأحدهما، تحت طائلة تعريض نفسها لمجموعة من الإجراءات ستفرض عليها بموجب الفصل السابع، فمن غير المستبعد أن تتخذ بعض الفصائل من هذا القرار غطاء لها للتحرك ضد «جبهة النصرة» في محاولة منها لاستجداء المزيد من الدعم والتمويل بذريعة أنها تحارب الإرهاب، ومن جهة ثانية تحاول اقتسام ميراث «النصرة» من دون انتظار وفاتها حتى، الأمر الذي يعني أن مناطق وجود الجبهة ستشهد صراعات جديدة، قد تكون هذه المرة أكثر دموية، لأن جهات محلية وإقليمية كثيرة ستكون مستعدة لتقديم العون والدعم لتبرئة نفسها من تهمة الوقوف مع تنظيم إرهابي مدان عالمياً.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد