نتنياهو يترنّح سياسياً والمقاومة تحتفي بصمودها
بعد خمس وعشرين ساعة على سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، عقد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون ورئيس أركانه بني غانتس مؤتمراً صحافياً موسعاً. وكان واضحاً أن الغاية الأساسية من هذا المؤتمر الصحافي تسويق رواية انتصار إسرائيل وهزيمة المقاومة للجمهور الإسرائيلي الذي يشعر بغصة في حلقه. ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هناك في إسرائيل من اشترى الرواية التي عمد الثلاثي الذي قاد الحرب إلى تسويقها.
وبديهي أن هناك فارقاً بين أن تصدر الرواية عن ترويكا حرب الخمسين يوماً على ألسنة المتحدثين باسمهم، وبين أن تصدر بألسنة القادة أنفسهم. ولكن من شبه المؤكد أن ما عجز نتنياهو ويعلون عن تسويقه داخل «الكابينت» وداخل الحكومة سوف يكون أصعب تسويقه في الحلبة السياسية ولدى الجمهور الإسرائيلي. تكفي هنا الإشارة إلى آخر استطلاع رأي نشرته «القناة الثانية» أمس، ويتحدث بالتمام والكمال عن خسارة نتنياهو 50 نقطة، من 82 في المئة عند بدء الهجوم البري إلى 32 في المئة الآن.
ولا يمكن قراءة المؤتمر الصحافي الإسرائيلي من دون الأخذ بالحسبان ما جرى أمس وأمس الأول، في قطاع غزة. فقد خرجت جماهير غزة تحتفل بانتصار الصمود وخرج قادة فصائل المقاومة، وخصوصاً من حماس والجهاد الإسلامي، إلى العلن. وشكل ظهور هذه القيادات ضربة كبيرة للصورة التي أرادت إسرائيل إشاعتها عن الصدمة الهائلة التي أصابت، خصوصاً قيادة حماس. فهذه القيادات تعود إلى العلن متضمّنة نوعاً من التحدي لإسرائيل، وأن وقف النار لم يكن فرضاً من جانب وإنما هو اتفاق بين طرفين.
وفيما تتحدّث أوساط المقاومة عن أن نتائج الحرب كانت انتصاراً بمفهوم المقاومة، يؤكد كل المعلقين والخبراء في إسرائيل أن نتيجة الحرب كانت تعادلاً. ولكن التعادل في العرف الإسرائيلي يعني إقراراً بالهزيمة. وربما لهذا السبب خرج أمس، نتنياهو ويعلون وغانتس في «المهمة المستحيلة» لشراء ودّ الجمهور الإسرائيلي ولتأكيد أن الحرب لم تكن تعادلاً، بل كانت انتصاراً حاسماً لإسرائيل.
ويؤمن كثيرون في إسرائيل أن مهمة نتنياهو في إقناع الجمهور بأنه تصرّف بحكمة ومسؤولية وشجاعة هي مقدّمة جهوده في محاولة «إعادة إعمار» مكانته السياسية. والأمر نفسه يسري على يعلون الطامح إلى لعب دور زعامي مستقبلاً في «الليكود»، وحتى لغانتس الذي تعرّضت صورته الشخصية وقيادته للجيش لانتقادات شديدة ربما لم يسبق لها مثيل في إسرائيل.
وفي مواجهة نتنياهو تنتصب جبهة قوية من خصومه في «الليكود» وفي الحلبة السياسية اليمينية بشكل أساسي. فقد دعا داني دنون، الذي سبق لنتنياهو أن أقاله من منصب نائب وزير الدفاع، إلى عقد مؤتمر لـ«الليكود» لبحث اتفاق وقف النار الذي يرى أنه تمّ بسبب عجز إسرائيل عن هزيمة حماس.
وبديهي أن مثل هذه الدعوة تعني وضع نتنياهو على مشرحة مؤتمر «الليكود» للبدء في «طحنه وتقطيعه». وكذلك الحال مع وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي أعلن أمس، خلافاً لما يسوقه نتنياهو: أنه طالما تسيطر حماس على القطاع لا يمكن الحديث عن ضمان أمن الإسرائيليين أو احتمال التوصل إلى حل سياسي. وطبعاً عن وزير الاقتصاد نفتالي بينت، حدث ولا حرج. فهو لا يريد فقط إسقاط حماس في غزة وإنما إسقاط الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة في رام الله أيضاً.
ولخص نتنياهو في المؤتمر الصحافي رسالته إلى الجمهور الإسرائيلي بقوله إن «حماس تلقت الضربة الأقسى لها طوال حياتها». ومع ذلك، أقر أنه «من السابق لأوانه القول إننا حققنا ردعاً طويل المدى»، موضحاً أن «التغييرات في الشرق الأوسط تنطوي على فرص بالنسبة إلى إسرائيل، وحماس فوجئت بشدة ردّنا ومن وحدة وتراص شعبنا».
وشدد نتنياهو على أن وقف النار حقق لإسرائيل إنجازات عسكرية وسياسية كبيرة جداً. «فحماس لم تحصل على أي من مطالبها التي وضعتها شروطاً لوقف النار». وأضاف أنه «كرئيس لحكومة إسرائيل، فإنني أتحمل المسؤولية العليا عن أمن مواطني إسرائيل، وهذا ما قادني ونظيريّ يعلون وغانتس، في كل مرحلة من نشاطاتنا في عملية الجرف الصامد. من اللحظة الأولى وضعنا هدفاً واضحاً: ضرب حماس ومنظمات الإرهاب بشدة، وأيضاً جلب الهدوء المديد لكل مواطني إسرائيل».
وانشغل نتنياهو ويعلون وغانتس في مؤتمرهم بتعداد أوجه خسارة حماس الميدانية والعسكرية والسياسية. وطلب يعلون من الجمهور ألا يلتفت لثرثرات رجالات حماس وأحاديثهم عن الانتصار. وكان يعلون يقصد أساساً خروج قيادات حماس مثل إسماعيل هنية ومحمود الزهار علناً ليعلنوا للعالم أن المقاومة انتصرت في غزة. لكن أحداً منهم لم يشر إلى ما لم يتحقق لإسرائيل في هذه الحرب. فقط يعلون أشار بشكل عاجل إلى أن جثتي الجنديين الإسرائيليين لدى حماس لا تزالان بين مطالب إسرائيل ولم يقولا إنهما كانا شرطاً لوقف النار. كما لم يتحدث أي من القادة الثلاثة عن عدم وجود أي إشارة لنزع سلاح قطاع غزة.
في كل حال، عرضت قنوات تلفزيونية وصحيفة «هآرتس» نتائج استطلاعات رأي تظهر ما يشبه الانهيار في مكانة نتنياهو لدى الجمهور الإسرائيلي. وبحسب استطلاع «القناة الثانية» الإسرائيلية، فإن 32 في المئة فقط من الإسرائيليين راضون عن أداء نتنياهو، في مقابل 59 في المئة غير راضين.
وكانت نسبة التأييد لنتنياهو قبل وقف النار 38 في المئة وبلغت الذروة في الحرب عند بدء العملية البرية حيث وصلت 83 في المئة.
وعن إحساس الجمهور الإسرائيلي بنتائج الحرب، قال 59 في المئة إن إسرائيل خسرت الحرب، في حين قال 54 في المئة إنهم يعارضون وقف النار. ومع ذلك حاول الجمهور الإسرائيلي أن يحتفظ بنوع من الثقة بالجيش حيث أعلن 83 في المئة رضاهم عن أداء الجيش.
عموماً، كثيرون في إسرائيل يعتقدون أن في الأجواء رياح أزمة وزارية وأن هناك من يخطط لانتخابات مبكرة. وهذا ما يقرأه العديد من المعلقين في المواقف التي يبديها ساسة ووزراء تجاه قضية الحرب، في وقت تتجه فيه أنظارهم نحو مزاج الشارع بقصد التقرب إليه لتحقيق مكاسب انتخابية.
من جهة أخرى، أشاد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية باحتضان السكان في غزة «للمقاومة» خلال الحرب، مشيراً إلى أن ما حصل «أعاد الاعتبار» للقضية الفلسطينية.
وقال هنية، أمام حشد من مناصري حماس الذين تجمّعوا للاحتفال بالانتصار في الحرب في ساحة مقر المجلس التشريعي في غرب مدينة غزة، إن «هذا الصمود العظيم كان السبب في ثبات المقاومة ونصر المقاومة»، مضيفاً أن «هذا الانتصار بعد معركة استمرت 51 يوماً... شهدت مقاومة باسلة أبهرت العالم، شهدت تلاحماً بين الشعب والمقاومة فصنعت هذا النصر».
وأكد هنية أن «القادة العسكريين الثلاثة الكبار الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في رفح قبل أسبوعين هم رموز انتصار»، مضيفاً «سنمضي وإياكم إلى النصر والصلاة في القدس».
إلى ذلك، وفي مؤتمر صحافي للأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية عقد أمس في حي الشجاعية في شرق القطاع، قال المتحدّث باسم «كتائب القسام» أبو عبيدة: «لا نعرف مع عدونا سوى اللغة التي يفهمها وهي لغة القوة والندية، انتصرت غزة لأنها أظهرت هشاشة المحتل».
وشدّد أبو عبيدة على أن «المقاومة استطاعت أن تجمع كل أطياف الشعب الفلسطيني حولها، لا خيار أثبت جدواه سوى خيار المقاومة». وأضاف، موجهاً كلامه للأسرى في السجون الإسرائيلية،: «أيها الأسرى الأحرار لن ننساكم»، لافتاً إلى أن «موعدنا مع خطاب النصر قريب في باحات المسجد الأقصى المبارك».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد