«مجزرة» في جبل الشيخ
يخيّم التوتّر والغضب على قرى جبل الشيخ في مَقْلَبَيْه السوري واللبناني منذ ليل أول من أمس، بعد سقوط عددٍ كبير من الشهداء من أبناء قرى عرنة وعين الشعرا وبقعسم وصحنايا ذات الغالبية الدرزية، في معارك مع مسلحي «جبهة النصرة» وكتائب إسلامية أخرى في قرية كَفَرْ حَور. إذ أدت المعارك بين «قوات الدفاع الوطني» واللجان الشعبية الموالية للجيش السوري وبين مسلحي «النصرة»، إلى سقوط 27 مقاتلاً من «الدفاع الوطني» أغلبهم من عرنة وصحنايا، ومقتل أكثر من 60 مسلحاً من «النصرة» وجرح 37، على ما أكدت مصادر ميدانية سورية في جبل الشيخ.
وفي التفاصيل، قالت مصادر عسكرية إن قوات «الدفاع الوطني» بدأت هجوماً على مواقع «النصرة» في بيت سابر وبيتيما وكَفَرْ حَور عند الخامسة من فجر الخميس، «بهدف إرباك مسلحي النصرة في هذه القرى وليس اقتحامها، وقطع الطريق بين بلدة بيت جن ومنطقة خان الشيح، تمهيداً لطرد المسلحين من بيت جن التي يشكّل إرهابيو النصرة فيها خطراً على قرى جبل الشيخ».
وشنّ المقاتلون الموالون للجيش الهجوم من محوري: بيتيما ـــ قلعة جندل والمقروصة ـــ حسنو. وذكرت المصادر أن «قوات الدفاع الوطني تمكنت حتى الظهر من قتل عدد من مسلحي النصرة والدخول إلى منطقة المداجن في كفر حور، قبل أن يحاصر مسلحو النصرة إحدى المجموعات وتسقط مجموعة الإمداد في كمين قاتل ثمّ قيام النصرة بهجوم مضاد».
غير أن سقوط هذا العدد من الشهداء دفعةً واحدة، خصوصاً من عرنة، التي بلغت حصتها 19 شهيداً حتى ليل أمس، أثار غضباً عارماً في قرى عرنة وحضر والسويداء، وصلت ارتداداته إلى قرى حاصبيا وراشيا اللبنانية والجولان المحتل والجليل والكرمل في شمال فلسطين المحتلة، والتي تقطنها غالبية درزية. سقطت مجموعة الإمداد بكمين قاتل للنصرة أدى إلى عدد كبير من الشهداء
وتحدّثت مصادر أهلية في عرنة عن أن «سوء إدارة حصل خلال المعركة، ولم يكن هناك تنسيق منذ بدأ الهجوم مع الجيش السوري ولا مقاتلي حزب الله». وأشارت مصادر «الدفاع الوطني» في القنيطرة إلى أن «ما حصل كان خطأً تكتيكياً قاتلاً». وأشارت مصادر عسكرية معنية في جبل الشيخ إلى أن «مواقع الجيش السوري وأحد مرابض مدفعية حزب الله في الجبل قصفت مواقع النصرة في بيتيما وبيت سابر وكفر حور، وصولاً حتى بيت جنّ بشكل عنيف بعد ظهر أول من أمس، ويستمر القصف إلى اليوم (أمس)».
«الحياد» والدور الإسرائيلي
وبعيداً عن الميدان، شكّل حادث أول من أمس مادةً سجالية لدعاة «تحييد الدروز»، وعلى رأسهم النائب وليد جنبلاط، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دعاة التدخل العسكري والأمني الإسرائيلي في جبل الشيخ، بحجّة الدفاع عن الأقلية الدرزية ضد اعتداءات «النصرة». ففي الوقت الذي تطرح فيه الغالبية من الدروز السوريين وجزء لا بأس به من دروز لبنان، نظرية الحرب الاستباقية ضدّ الجماعات التكفيرية وعلى رأسها «النصرة» لحماية القرى المنتشرة في الجنوب السوري واللبناني من الاعتداءات المستقبلية للتكفيريين، بعد تجارب المسيحيين والأيزيديين في العراق الذين دفعوا ثمن الحياد تهجيراً وقتلاً، غرّد جنبلاط أمس على حسابه الجديد على موقع تويتر معتبراً أنه «آن الأوان للمصالحة مع المحيط، والوقوف على الحياد». وواكب عددٌ من المرتبطين مع أجهزة أمنية إسرائيلية والمقرّبين من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كعضو حزب الليكود أيوب قرة ذي الأصول الدرزية، أحداث جبل الشيخ بتحريض الضباط والجنود الدروز في الجيش الإسرائيلي على التدخل لمساعدة أهالي قرى جبل الشيخ، في وقت يدعم فيه الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» مسلحي «النصرة» في محافظة القنيطرة. وأرسل قرّة عبر تطبيق «واتس أب» إلى مجموعة من الضباط الدروز في جيش الاحتلال رسالة بالعبرية حصلنا على نسخة منها. وتقول الترجمة الحرفية للرسالة: «النصرة تجاوزت كل الخطوط الحمر من ناحية الدروز، ومخططاتنا بالهدوء وأخذ الخطوات إلى الوراء لن تنجح، وستأتي فقط بالقتل والدمار إلى أبناء طائفتنا الدرزية كالمسيحيين والأيزيديين وباقي الأقليات. لا مناص إلا للخروج للحرب ضد جبهة النصرة والإسلام من أجل أن نحافظ على وجودنا وكينونتنا الدرزية. نحن أحفاد سلطان باشا الأطرش. العشرات من الدروز ذبحوا قبل دقائق معدودات في قرية عرنة بجانب حضر، وليس بعيداً عن الحدود السورية ـــ الإسرائيلية حيث توجدون. كل هجوم على الدروز في منطقتنا المجاورة سيهدد أمن المنطقة، ونحن بالتشارك مع حكومة إسرائيل ندعو إلى الضرب بيد من حديد. وقريباً سيدفعون الثمن غالياً». وعلمنا أن شيخ عقل طائفة الموحدين الموحدين الدروز في فلسطين موفق طريف التقى أمس أحد المعنيين في الحكومة الإسرائيلية بهدف البحث في «الخطوات التي يمكن أن تقوم بها دولة إسرائيل لحماية الدروز». وفي مقابل هذا الطرح، ترى مصادر المؤسسة الدينية في السويداء أن «هذه الدعوات مرفوضة، وأهلنا في جبل الشيخ لا يريدون مساعدة إسرائيل، وهم قادرون على حماية أنفسهم وقراهم وردّ اعتداءات التكفيريين». وقال الشيخ أبو نبيه كبّول إنّ «الأجدر بدعاة إسرائيل لحماية الدروز إقناعها بوقف دعم مسلحي النصرة الموجودين في القنيطرة وجبل الشيخ. هؤلاء مكشوفون ونعرف نية إسرائيل وغاياتها».
من جهته، علّق النائب طلال أرسلان على أحداث جبل الشيخ، قائلاً: «يدفع الدروز في سوريا اليوم ثمناً لممانعتهم ووقوفهم إلى جانب سوريا ومؤسساتها. إن ما يحدث اليوم في جبل الشيخ يزيدنا تمسكاً بثوابتنا وينفح في قلوبنا الإصرار على تبني مشروع المقاومة جملة وتفصيلاً ولا عودة عن إيماننا بانتصارنا في المحصلة النهائية».
وأشار الوزير السابق وئام وهّاب إلى أنه «لا حياد في الحرب بين الإرهاب والجيش اللبناني والسوري والعراقي، وأهلنا في جبل الشيخ لم يكونوا يوماً في موقع المعتدي، بل كانوا باستمرار في موقع الذي يردّ الاعتداء. هذه معركة من يقف فيها على الحياد يدفع ثمناً أكبر من الثمن الذي يدفعه أطرافها».
الجيش يمنع إدخال جرحى
منع الجيش اللبناني، ليل أول من أمس، سبعة جرحى من مسلحي المعارضة السورية في جبل الشيخ من الدخول إلى شبعا كانوا قد أصيبوا خلال المعارك مع مقاتلين موالين للجيش السوري، التزاماً بقرار الحكومة اللبنانية. وأثار قرار الجيش سلسلة اتصالات في شبعا من الجماعة الإسلامية وبعض المشايخ السلفيين في محاولة للضغط لإدخال الجرحى، قبل أن يسمح الجيش لفريق طبّي من الصليب الأحمر الدولي بعلاجهم في الجبل. في المقابل، أجرى عدد من فعاليات حاصبيا سلسلة اتصالات صباحاً بعد معلومات مغلوطة عن نية الجيش إدخال الجرحى. وانسحب التوتر على قرى الجليل والكرمل منذ ليل أول من أمس، بعد معلومات مغلوطة انتشرت في القرى عن دخول «النصرة» إلى عرنة وارتكاب مجزرة بحقّ أهلها، وجرت سلسلة اجتماعات في القرى، كذلك عمد عدد من جنود الجيش الإسرائيلي الحاليين والمتقاعدين إلى التلويح بإمكانية الدخول إلى الجولان المحررّ لمساعدة أقربائهم، وسط توتّر في القرى المشتركة بين البدو والدروز. وعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى إطلاق طائرات من دون طيار فوق مناطق المعارك.
فراس الشوفي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد