أزمة منتصف العمر:مراهقة متأخرة أم متطلبات عاطفية ونفسية جديدة
إنها أزمة منتصف العمر يعيشها رجال كثيرون في الاربعين او الخمسين من العمر، مرحلة حرجة يسميها البعض مراهقة متأخرة او نزوة.. لكن مهما اختلفت التسميات فتعد مرحلة انتقالية بين القوة والضعف يقف فيها الانسان مع ذاته ليبدأ اعادة ترتيب حساباته من جديد لاسيما عندما يشعر انه لم تعد لديه اهداف جديدة يحققها فيبدأ بالبحث عن تغيير لحياته المستقبلية في مجالات عدة: في العمل والعلاقات الاجتماعية والاسرية وكذلك في مظهره ولباسه وشعره...
فإما ان يكون هذا التغيير ايجابياً فيه الفائدة والمتعة له ولعائلته كأن يجدد بيتاً او يشتري سيارة ويحقق مستوى من الرفاهية،أو ان يكون هذا التغيير سلبياً يهدم فيه بيتاً ويدمر مستقبلاً لاطفالهم بأمس الحاجة لوجوده ورعايته لهم لاسيما عندما يفكر بالزواج ثانية ليجدد معه شبابه وحياته ملقياً باللوم والمسؤولية على المرأة اما في تقصيرها واهمالها او انها لم تعد تناسب ثقافته ومستواه الاجتماعي باعتبار انه بلغ مستوى من التقدم اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً فيبحث عن امرأة بديلة تناسب افكاره وثقافته وعقليته...أبو سامر واحد ممن وقع في فخ المراهقة مطلقاً العنان لعواطفه وقلبه في قصة حب جديدة انتهت بالزواج .. وهدى تشكو من تصرفات زوجها الاقرب الى المراهقين والشباب الصغار، وزينة زوجها مراهق منذ عرفته الى ان اصيب بمرض هدد حياته، اما فاتن فتعترف بوجود المراهقة المتأخرة ايضاً عند المرأة ولكن هيهات ان تصرح او تنطق ببنت كلمة حفاظاً على اسرتها وبيتها وردود افعال المجتمع.
حاورنا نساء ورجالاً كانت لهم تجربة في هذا الشأن.. أبو سامر 46 سنة يعمل في مكتب عقاري وهذا العمل الجديد له بعد تحسن حالته المادية معتبراً ان هذا التغيير يجب ان يرافقه تجديد في حياته الشخصية، اذ وجد في نفسه القوة والمال والشباب... احب فتاة صغيرة في عمرابنته تقريباً عاش معها قصة حب.. لقاءات... رسائل موبايل... زواج.. ضارباً عرض الحائط بمشاعر واحاسيس عائلته ولسان حاله يقول: تزوجت في الثالثة والعشرين من عمري، لم اتمتع بشبابي.. قضيته في العمل وتلبية طلبات الاسرة وتربية الاولاد.. أريد العيش بسعادة مابقي لي من الدنيا وهذا حقي الطبيعي.. هدى: متزوجة منذ خمسة عشرعاماً تشكو من تصرفات زوجها الاقرب الى المراهقين والشباب في اختياره للباسه وتسريحة شعره وحبه لمجالسة الشباب اكثر من رفاقه واصدقائه وتسحره الشابات الصغيرات وفي العمل( زير نساء) زينة قالت: زوجي مراهق منذ كان شاباً صغيراً في الثانوية وحتى ماقبل الخمسين حتى هدد المرض حياته فقرر ان يعيش بقية حياته بسعادة واستقرار محققاً لنفسه ولنا جميعاً كل سبل الراحة والسعادة والرفاهية..
- اما فاتن 38 سنة عاملة مقسم قالت:
اذا اعتبرنا مايقوم به الرجل في سن الاربعين مراهقة او نزوة لتبرير افعاله وسلوكه ومسموح له بالزواج ثانية وثالثة ورابعة فهل يعني ان يستجيب لعواطفه وقلبه اينما وجد الحب والمتعة ولايوجد من يكبح جماح هذه الرغبة او النزوة لديه رغم عواقبها ونتائجها السلبية على الاسرة، وتؤكد فاتن: كذلك المرأة تمر بمرحلة المراهقة او النزوة في مرحلة تقدم العمر لكن شتان بين استجابة المرأة والرجل لعواطفهما وقلبهما، عند المرأة هذا ما لايقبله عقلها وقلبها اذ سرعان ماتخفيها وتكبتها حفاظاً على بيتها واولادها وردود فعل من حولها.
حول هذه الظاهرة واسبابها كان لنا اللقاء التالي مع د. همام عرفة الاختصاصي بالامراض النفسية والعصبية وعضو اتحاد الاطباء النفسيين العرب قال:
ان التغيرات الفيزيائية التي تحدث في منتصف العمر تترافق مع متطلبات عاطفية ونفسية جديدة ولعل ابرز هذه التغيرات هو المقدرة على الاستسلام للخيالات او الاحلام اللامحدودة الاحتمالات.. فالبالغون والشباب الصغار يستطيعون ان ينظروا الى المستقبل ويتخيلوا كل شيء يحبونه: اعمال ناجحة، مغامرات، منصب رفيع وثروة... ان خيالات كهذه تعتبر غالباً مفيدة ومريحة في التعامل مع حقائق الحياة اليومية التي تكون غير مشبعة. وعندما يبلغ الرجل أو المرأة منتصف العمر يدرك بشكل حتمي محدودية الزمن يصبح اكثر اقتراباً من الحقيقة ويدرك ان بعض اهدافه ستبقى دون تحقيق كما أشار د.عرفة الى ان بعض الناس يشعرون بالالحاح الشديد في منتصف العمر الى ان يقوموا بانجاز كل مايستطيعون قبل فوات الاوان وهذا الدافع قد يكون مثمراً وتكيفياً لاسيما عندما يقرر احدهم ان يطور ويحسن من وضعه المادي ومستوى معيشته او يقرر الانفصال عن زوجته التي لم يعرف معها طعم السعادة والراحة وقد تكون احياناً مخربة ومفجعة عندما يترك الرجل اسرته بحثاً عن علاقات عاطفية مع فتيات مراهقات للمتعة..
- كما اكد د. عرفة ان الرجل بعد سن الاربعين او الخمسين من العمر يواجه صراعات عاطفية وبشكل عام فإنها تشير الى سلوك مهم ناجم عن اضطراب تكيفي يحدث غالباً في سياق حوادث الحياة غير المتوقعة والشديدة كوفاة الزوج او الزوجة فقدان العمل مرض خطير.
ومن بين الرجال والنساء الذين هم عرضة لازمات منتصف العمر غالباً يتحدرون من اسر تتصف بالخلافات والتنافر بين الوالدين وهما من الصنف المتسرع والمندفع في القرارات وقلة الشعور بالمسؤولية كما نوه الدكتور عرفة الى ظاهرة الاكتئاب التي تحدث عند الرجل والمرأة في هذه السن عندما يغادر الابناء المنزل اما بسبب الزواج او العمل... فيشكل هذا الامر شدة عند الاباء وتكون اكثر وضوحاً عند الام اذا كانت علاقتها قوية بأبنائها تزداد الحالة سوءاً لدى الوالدين في حال كانوا يشكلون رابطة بينهم اكثر من الحب والتفاهم.
فما رأي علم الاجتماع في ظاهرة المراهقة المتأخرة أزمة منتصف العمر؟
الاختصاصي الاجتماعي محمد طالب قال:
- نتيجة التقدم في السن تحدث لدى الانسان تغيرات واضحة تختلف من شخص لاخر حسب درجات النضج الفكري وتقبل الحالة وهذه التغيرات تتأثر بعوامل عدة تعود الى مرحلة المراهقة الشبابية واسلوب التربية والتنشئة التي تلقاها الانسان في طفولته وطبيعة العلاقات الاسرية بين الوالدين كما ان الظروف المادية السيئة تؤدي الى الحرمان من المراهقة الطبيعية عند الشباب ومن تحقيق احلامهم لذلك تأتي هذه المراهقة المتأخرة كنوع من التعويض عن النقص والحرمان لديه بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي مربها.
- واضاف الاختصاصي : الهروب الحقيقي من الواقع للرجل والشعور بأنه مازال شاباً وهنا يأتي دور المجتمع الذي تعود على أن يتعامل مع المرأة بعد الاربعين انه سن اليأس ومع الرجل انه سن النضج فما ظهر من شيب عند المرأة دليل الكبر والشيخوخة اما عند الرجل فهو هيبة ووقار ليأخذ من تلك المقولات مبرراً ودافعاً لتحقيق احلام حان وقتها ويبقى الرجل يعيش وهماً اسمه عدم كفاية ووهماً آخر اسمه حقه الطبيعي ان يتمتع بشبابه.
زهور كمالي
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد