سوريا: حماسة محدودة لـ«جنيف 3» وقلق من ارتسام خرائط نفوذ جديدة
لن تبدي دمشق حماسة كبيرة تجاه مشاورات المبعوث الأممي الى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي من المتوقع أن يلتقي السفير السوري في جنيف حسام آلا في إطار انطلاق مشاوراته اليوم بخصوص «مؤتمر جنيف 3» المحتمل.
وقررت دمشق السير «بالتوازي بروتوكوليا» مع دعوات دي ميستورا للقاء، من دون إعطاء الأمر «أكثر مما يستحق»، ولا سيما أن «القلق» من الفشل جاء على لسان المنظم قبل غيره، حين التقى أعضاء مجلس الأمن نهاية نيسان الماضي.
ووفقا لما قاله مسؤول سوري، فإن الخارجية السورية «لم تنقطع عن التواصل مع بعثة الأمين العام للأمم المتحدة»، إلا «أن الفشل كان من جانب الآخرين، بسبب عدم قدرتهم على إلزام تركيا والسعودية بخطتهم.
وفشلت خطة حلب كما كانت الحكومة السورية ترجح منذ البدايات. وأبدت الخارجية حينها رغبة في التعاون، وسهلت للبعثة عملها، باعتراف الأخيرة، لكن الحكومة اشترطت أن يعلن دي ميستورا مستقبلا «من يتحمل مسؤولية الفشل على الملأ من دمشق»، وهو ما لم يحصل، وإن كان اتفق على أن الخطة وصلت إلى طريق مسدود بسبب عجز البعثة الأممية عن ممارسة أي تأثير على المجموعات المسلحة الموجودة في حلب، أو على داعميها.
وقررت دمشق المضي قدما في «سياسة الرد الإيجابي» تجاه الجهود الدولية، بما يتوافق مع النصائح الروسية والإيرانية، والتي تدعو إلى «استثمار أي جهد سياسي، لوقف حالة الاستنزاف التي تعاني منها الدولة بكافة أركانها».
رغم ذلك، تبقي الدولة على تحفظاتها، بسبب احتفاظها بقناعتها «حول جدوى الحسم العسكري على الحل السياسي» أو بضرورة تقدمه بكافة الأحوال. ويزيد من المأساة السورية وجود قناعة أخرى مشابهة ومقابلة، من الخصم التركي ـ السعودي بضرورة إحداث تغيير في توازن القوى قبل الشروع بأي نقاش سياسي، وهي قناعة عطلت بدورها خطة دي ميستورا في حلب، وتسعى لحشد زخم عسكري لحلفائها في لقاءات «جنيف 3»، الحالية والمنتظرة.
وتتشكل قناعات جديدة، بأن فشل دي ميستورا، يمكن أن يخلق وقائع على الأرض، تضيع في تعقيداتها أية جهود للتسوية لزمن طويل مقبل.
ووفقا لأحد المصادر المؤثرة في النقاش السياسي الراهن فإن «التنبؤ بمآل الأمور مستحيل» سواء كنا نتحدث عن الشمال الشرقي ونزاعات القوى الموجودة هناك، أو المناطق الجنوبية والوسطى، أو الإقليم بشكل عام.
ويسوق مثال العلاقة المتشابكة المصالح، والتي لا تخلو من نفور وانعدام ثقة أيضاً، بين الحكومة والإدارة الذاتية الكردية، كما لا تخلو من تعاون، وصل حدود دعمهم عسكرياً، وإن بشكل محدود من أطراف عدة، بينها إيران.
وفي حال أن القضية الكردية هي «قضية دولية بالمعنى الإثني والجغرافي» كما في التأثير الإعلامي، فهي أيضا قضية اكتسبت ثقلا إضافيا في الجغرافيا السورية. ويسوق المثال الكردي، كأنموذج لما يمكن للخيال السياسي أن يتصوره، بناء على معطيات واقعية. ومن بينها أن الأكراد مختلفون في ما بينهم، إذ يرفض أكراد سوريا، المؤثرون في الشمال، الانطواء تحت تأثير الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني. وفيما يبني الأخير علاقات إستراتيجية مع تركيا يقيم هؤلاء العداء لها. وفيما يحصلون على دعم من الجيش السوري وإيران يقيم البرزاني علاقات تاريخية مع إسرائيل، ويصدر لها النفط العراقي عبر الموانئ التركية.
ويظهر مستوى التعقيد الثاني بحصول مؤسسات الخدمة المدنية على تمويلها من الدولة السورية، وإن رفع على بعض مبانيها الأعلام الكردية. وفيما يشرع مسؤولون في الإدارة الذاتية القوانين انطلاقاً بتغيير المناهج إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في «الأسايش»، تعترف الدولة بأن مشكلة الأكراد في سوريا عمرها عقود، وتحتاج إلى حل جذري. إلا أن السياسة العامة ليست واضحة بعد تجاه تلك المنطقة، رغم صدور تصريحين عن وزيري الإعلام عمران الزعبي والمصالحة الوطنية علي حيدر سابقا «ضمن إطار توجه مسموح به» يقبلان فيهما بفكرة الإدارة الذاتية، ولكن ضمن اتفاق عام مع المركز في دمشق.
ورغم أن الأكراد هم الأكثر نفوذاً وتنظيماً، كقوى منفرطة عن الدولة المركزية، إلا أن الجهود لتوحيد قوى أخرى تحت «راية إسلامية»، كما يجري في تركيا بين قادة «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» وغيرها من حركات «الخلافة»، سيقود إلى توسع «الحكم الإسلامي في الشمال الشرقي»، والذي سيتم تحت وصاية تركية وبتشريع سعودي، وربما يقود إلى مواجهة مع الأكراد العلمانيين، خصوم الأتراك بطبيعة الحال، الأمر الذي يعني تعمق الهوية المذهبية والإثنية للصراع، بما يمكن أن يقود إلى رفع الرايات بشكل أكثر صراحة على أطراف الجبهات. وهذا بدوره، «يصعب على المرء تصور نهايته المحتملة»، وإن كان ينذر بتحول خطوط التماس إلى خطوط أكثر صلابة وصعوبة في التحريك، وهو ما يمكن أن يقود إلى جمود أفقه غامض في التسوية السياسية.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد