الرياض «تجنّ» عشيّة الهدنة: تدمير ممنهج للمنازل وتفشل اتفاق القوى اليمنية
يواصل العدوان السعودي بحثه عن «إنجاز» يمنحه القدرة على إعادة اليمن حديقة خلفية له، وهو في سبيل ذلك يواصل القصف على المواقع المدنية؛ فلعل لدى العقل السعودي من يخبره أنه باستهداف قيادي أو شخصية سياسية مناهضة للعدوان داخل منزله ومع أسرته (كما يحدث في صعدة وصنعاء)، يمكنه أن يروج له على أنه إنجاز، مهما قتل من مدنيين من أجل ذلك. ولكن الثابت يوماً بعد يوم، أن القصف المتواصل يزيد السخط الشعبي ضد مملكة آل سعود ويجعلها تبتعد كثيراً عن التأثير في المعادلة السياسية اليمنية مستقبلاً.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه قوى دولية عن هدنة إنسانية يفترض أن تبدأ يوم غد، كثف طيران العدوان السعودي غاراته على مدرج مطار صنعاء الدولي للمرة الثالثة، وذلك بعد يوم من غارة مشابهة استبقت هبوط طائرات منظمة «الصليب الأحمر» و«أطباء بلا حدود». كذلك أعيد سيناريو قصف الأضرحة (بعد استهداف مقام الشهيد السيد حسين الحوثي الزعيم الروحي لجماعة «أنصار الله»)، إذ شنت طائرات العدوان، السبت، غارات على جامع «الإمام الهادي» في صعدة القديمة، وهو من أهم وأقدم المعالم التاريخية في اليمن، ولكنها لم تصب مقام الإمام الذي يمثل لدى الطائفة الزيدية معلماً مهماً.طرد أبناء قبائل
بكيل المير جنوداً سعوديين من الجبال القريبة من الحدود
ويبدو أن العدوان، على افتراض صدقية الهدنة التي يتحدث عنها، رغم ترحيب «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام» بها، لا يزال يصر على تكثيف القصف حتى آخر لحظة. وبعد يوم من إعلان العدوان تمكنه من تدمير منازل قيادات في «أنصار الله»، كالمتحدث الرسمي باسمها محمد عبد السلام، ورئيس المكتب السياسي صالح الصماد، والقيادي أبو علي الحاكم وآخرين، فإنه استهدف حي النهضة في صنعاء، كما استهدفت غارتان منزل القاضي محمد عبد الله الشرعي، العضو في مجلس القضاء الأعلى، مخلفة شهداء وجرحى من الحراسة.
ويوم أمس، شن طيران العدوان خمس غارات، على مرتين، على منزل رئيس «حزب المؤتمر الشعبي العام» والرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح، ليخرج صالح من أمام أنقاض منزله معلناً أنه بخير.
في غضون ذلك، تتفاقم معاناة أحياء صعدة، كضحيان ومران وغمر ورازح والبقع والطلح وكتاف وغيرها، إذ يعيش السكان هناك معاناة كبيرة في ظل انعدام ملامح الحياة، وحتى النزوح صار صعباً عليهم بسبب فقدان الوقود للمركبات. وتقدر الإحصاءات أنه شنت نحو 200 غارة على مناطق مختلفة في المحافظة، إضافة الى قصف صاروخي من داخل الأراضي السعودية استهدف قرى حدودية سقط على أثرها شهداء وجرحى لم تعرف أعدادهم بعد بسبب صعوبة دخول تلك المناطق، حتى لمنظمات الإغاثة.
في المقابل، تستمر الجبهة الحدودية في تحقيق إنجازات ميدانية كبيرة، إذ سيطرت القبائل اليمنية على عدد جديد من المواقع العسكرية داخل الأراضي السعودية. وفيما لا يزال مقاتلو القبائل مسيطرين على عدد سابق من تلك المواقع، أكد مصدر في «الإعلام الحربي» التابع لـ«أنصار الله»، أن رجال القبائل تمكنوا من السيطرة على جبل تويلق الاستراتيجي. وأكد المصدر في حديث إلى «الأخبار» أن اشتباكات عنيفة دارت طوال يوم الأحد مع القوات السعودية التي كانت تطلق القذائف والصواريخ باتجاه القرى اليمنية المقابلة، مشيراً إلى سقوط قتلى وجرحى من الجنود السعوديين الذين كانوا متمركزين في الجبل. كما ذكر المصدر أن «العدو لم يتحمل ذلك وشن قصفاً مدفعياً وصاروخياً عنيفاً من مواقع بعيدة على الجبل الاستراتيجي الذي يطل على مدينة الخوبة السعودية».
وفي جبهة الملاحيط، أكد مصدر آخر أن الجبهة تشهد هدوءاً نسبياً بعد تمكن أبناء قبائل بكيل المير أمس من إيقاف الرشاشات السعودية بعد تصديهم لها بالقذائف الصاروخية وطرد الجنود من الجبال القريبة من الحدود. ولكن السعوديين صاروا يطلقون عليهم قذائف مدفعية وصاروخية من جبال بعيدة في العمق بعد هرب حرس الحدود السعودي.
يسير كل ذلك في وقت لا تزال فيه الجبهة الداخلية مشتعلة، ففي عدن التي تشهد هدوءاً حذراً في غالبية مناطقها، أكد ناشط جنوبي تواصل الاشتباكات في محور «صلاح الدين»، في منطقة البريقة الساحلية. ووفق الناشط، فإن تحركات إنسانية للجيش و«اللجان الشعبية»، تمكنت من صرف رواتب الموظفين وتوزيع الدقيق على المواطنين بعدما كان مخزوناً في حي التواهي تحت سيطرة تنظيم «القاعدة».
ورغم أن الحياة تعود تدريجاً إلى طبيعتها في عدن، تؤدي الغارات إلى إشعال الحرب من جديد ولا سيما مع تحرك بعض الجيوب التابعة لـ«القاعدة»، وقد استهدفت الغارات أمس بعض مواقع للجيش اليمني في حي التواهي الذي تمت السيطرة عليه قبل أيام، كما استهدفت الغارات خزانات تحلية المياه في منطقة جبل حديد بـ 12 صاروخاً.
أما في تعز، فيؤكد الناشط أحمد الشرعي استمرار الاشتباكات في المدينة بعدما أكد «الإعلام الحربي» أن الجيش و«اللجان الشعبية» تمكنا من تأمين آخر نقطة كانت فيها «ميليشيات حزب الإصلاح والقاعدة في خط الستين»، وهو ما سيعيق الإمداد لهم وتزويد باقي المناطق بالمقاتلين. وشدد الشرعي على أنه لم يتبق سوى وسط المدينة، فيما يسعى «قناصة القاعدة والإصلاح» إلى استهداف عدة مبان.
وبينما يتحدث «إعلام الإصلاح» عن تقدم المسلحين بقيادة حمود المخلافي في تعز، تؤكد مصادر أن المخلافي هرب ومعه آخرون إلى شرعب مسقط رأسه، فيما لم يتبق داخل تعز سوى «عناصر مرتزقة وأجانب يتبعون القاعدة» جاؤوا بالذات إلى حي الجمهوري من أبين. وكذلك فإن الجيش، ومعه اللجان الشعبية، يتقدم في شارع الخمسين ومفرق بني عون والعدين، فضلاً عن شارع الستين.
أما بشأن الحديث عن فتح جبهة جديدة في منطقة الجوف، فقد أكدت مصادر محلية أن شهداء وجرحى سقطوا في غارة للطيران السعودي على سيارة للنازحين في منطقة اليتمة، شمال غرب الجوف، حيث يقال إن القيادي في «القاعدة» حسن أبكر، عاد إليها عبر الحدود السعودية ليفتح جبهة جديدة هناك، ولكن «الإعلام الحربي» لم يؤكد صحة ذلك.
إلى ذلك، نقلت وكالة «الأناضول» أن تنظيم «أنصار الشريعة» التابع لـ«القاعدة»، سلم أمس، عدداً من المرافق الحكومية في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت (شرق البلاد) إلى مجلس أهلي محلي. كما سلم ميناء المكلا ومبنى ديوان المحافظة ومنزل المحافظ المملوك للدولة حتى «لا يحدث هناك فراغ أمني».
علي جاحز- الأخبار
هكذا أفشلت الرياض اتفاق القوى اليمنية
يبدو واضحاً أن عدداً من المسؤولين في الأمم المتحدة، ليسوا قادرين بعد اليوم، على «ابتلاع» الجرائم السعودية المرتكبة بحق اليمنيين، بالرغم من الدعم الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي للعدوان، وبرغم صمت المفوض السامي لحقوق الإنسان، الأردني زيد بن رعد الحسين، الذي لم يصدر عنه أي انتقاد صريح للانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق أحد أفقر شعوب الأرض وأضعفها.
فبعد ٧ أسابيع من البطش السعودي الأعمى، بدأ الهمس يتحول إلى انتقادات علنية تحرج واشنطن التي لا تزال تستفيد مما يجري، سواء لجهة بيع السلاح للسعودية وجاراتها، أو بالضغط على جماعة «أنصار الله» وحلفائها في ملفات عدة. وفي وقتٍ يزداد فيه الحديث عن اقتراب انطلاق مفاوضات سياسية رغم عدم وضوح شكل هذا الحوار حتى الآن، توضح معطيات عدة كيف أفشلت الرياض كل المحاولات السابقة للعدوان للتوصل إلى اتفاقٍ ينهي الأزمة التي اندلعت في البلاد، مع استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح. فريق المبعوث الجديد
مفصل على مقاس
واشنطن والرياض
في حديث إلى «الأخبار»، يشرح دبلوماسي واسع الاطلاع على الملف اليمني كيف أفشلت السعودية الحوار في اليمن بعدما شارف على الاكتمال بحلّ سياسي يحظى برضى كل الأطراف. وبعدما أوشك الجميع على تبنيه رغم مماطلة حزبي «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمون) والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وهو ما كان قد لمّح إليه المبعوث الدولي السابق إلى اليمن، جمال بن عمر، الذي أبعدته السعودية وحلفاؤها عن منصبه. وقال الدبلوماسي إن المفاوضات التي دامت تسع أسابيع متواصلة، جرى خلالها تقريب وجهات النظر في وقتٍ لم تتوقف فيه السعودية عن تسليح قبائل قريبة من تنظيم «القاعدة» وتمويلها وإرسال المقاتلين عبر الحدود لمساندتها. كذلك، جرى في تلك الأثناء فتح فرع تنظيم «داعش» اليمن الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي نفذ في مسجد بدر في صنعاء في ٢٠ آذار الماضي.
آنذاك، جرى التوصل إلى اتفاق حول كل الأمور، والجميع كان قاب قوسين أو أدنى من حسم نقطة خلافية أخيرة تتعلق بصيغة الرئاسة اليمنية وتوزيع صلاحياتها. كان أمامهم اتفاق من شقين، الأول يقضي بعودة الرئيس اليمني الفار عبد ربه منصور هادي إلى الرئاسة، ليكون معه نواب رئيس يتمتعون بصلاحيات فعلية، أو يشكل مجلس رئاسي تحت رئاسة هادي يشارك فيه عدد من النواب عن الأحزاب اليمنية الرئيسية. وتضمن الاتفاق تأسيس سلطة تشريعية بإنشاء مجلس مؤلف من غرفتين: مجلس نواب ومجلس شعبي انتقالي.
أما الشق الثاني فقد شمل التفاهم الأمني، وكان مقرراً فيه أن تتخلى «أنصار الله» عن سلاح الجيش وتُخلي المؤسسات الحكومية، ثم تسحب «اللجان الشعبية» من الشوارع كافة، وفي مرحلة أخيرة تتنازل عن «الإعلان الدستوري» الذي تبنته عقب الفراغ في الرئاسة والحكومة، وتعود إلى اتفاق «السلم والشراكة» المقبول من المجتمع الدولي ومن دول الخليج. وبذلك تحل كافة الإشكالات السياسية باستثناء قضية الأقاليم الستة التي توصل إليها مؤتمر الحوار الوطني، وكانت السبب الأساسي في النزاع مع «أنصار الله».
وحتى هذه النقطة كانت في طريقها إلى الحل من خلال المفاوضات التي رعاها بن عمر، حيث جرى التوصل إلى اتفاق مرحلي يعالج هذه القضية من خلال تعيين لجنة فنية لدراسة صيغة جديدة، على أن تقدم نتائجها إلى الهيئة الوطنية التي تراقب تطبيق مخرجات الحوار الوطني وتنفيذها، على أن تحلّ هذه اللجنة التي باتت تشريعية انتقالية البرلمان اليمني (مضى ١٣ عاماً على انتخاب أعضائه ولم يعد يحظى بقبول الأطراف كافة).
قطع الحوار بين القوى اليمنية برعاية المبعوث الدولي السابق جمال بن عمر، أشواطاً كبيرة ووصل إلى نقاط خلاف ضيقة كان يمكن حلها خلال أيام قبل العدوان. حينها، وافقت دول مجلس التعاون الخليجي على المقترح، على أن يستكمل ويُعلَن في الدوحة التي كانت ترأس مجلس التعاون الخليجي في حينها. بعدها تُمنح الرياض «شرف» استضافة توقيعه، لكونها الراعية للمبادرة الخليجية. بدت الأمور كلها متجهة نحو التفاهم على هذا الأساس، لكنها تبدلت بعد ذلك بسرعة بإعلان السعودية الحرب على اليمن.
ويضيف الدبلوماسي أن السعودية لم تكن يوماً حريصة على الحل السياسي في اليمن. ورغم صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢١٦ الشهر الماضي، والذي دعم بن عمر، وضعت الرياض كل العراقيل أمامه وفرضت تعيين المبعوث الجديد إسماعيل ولد شيخ أحمد الذي يتحرك كما لو أن كل الاتفاقات السابقة مُلغاة. عزل المبعوث الموريتاني الجديد معظم الطاقم القديم الذي تابع كل المفاوضات مع بن عمر، وأحضر طاقماً جديداً مفصلاً على مقاس الرياض وواشنطن. وتؤكد المعلومات أن ولد شيخ أحمد سمع في الرياض كلاماً رافضاً متشدداً يلغي دوره الوساطي في حلّ الأزمة، حيث قال له وليّ وليّ العهد، محمد بن سلمان إنه يرفض أي دور لـ«أنصار الله» قبل أن يتخلوا عن سلاحهم وينصاعوا لشرعية عبد ربه منصور هادي دون قيد أو شرط.
يقف المسؤول الدولي في موقعٍ لا يحسد عليه، لأنه يدرك أن الوقائع على الأرض لا تستطيع فرض منطلقات حوارية ضمن هذا السقف. فلا «أنصار الله» خسرت الحرب، ولا السعودية وحلفاؤها كسبوها، بالتزامن مع ازدياد قلق واشنطن من التحالفات اليمنية التي تمولها الرياض وتسلحها. كذلك إن صمت المبعوث الموريتاني على ما يجري من مجازر يفقده أي صدقية دولية بعدما ارتفعت أصوات المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، منددةً بتصرفات الرياض ومتهمة إياها بارتكاب مجازر وحشية.
نزار عبود - الأخبار
إضافة تعليق جديد