من «ويكيليكس البغدادي» إلى «النصرة ليكس»: «التسريبات الجهاديّة» في خدمة المرحلة
ضجّت صفحات «الجهاديين» على موقع «تويتر» خلال اليومين الأخيرين بسلسلة من «التسريبات الجهاديّة» دشّنها القيادي المفصول من «جبهة النصرة» أبو محمد صالح الحموي (الشهير باسم «أس الصراع في بلاد الشام»). وحفلت تسريبات الحموي بانتقادات طاولت «هيكليّة النصرة ومنهجيّتها». اللافت أنّ تلك الانتقادات لاقت تأييداً عند بعض الوجوه «الجهاديّة» المعروفة (من التيّار الموالي للنصرة)، التي سارعت إلى تلقّف «تغريدات» أبو صالح، والإدلاء بدلوها في السياق ذاته. وكان على رأس تلك الوجوه أبو ماريّا القحطاني (ميسر بن علي الجبوري) رجل «النصرة» البارز، الذي سرت مجدداً أنباء عن «عزله من منصبه»، وحذيفة عبد الله عزّام، نجل «القائد الجهادي» الشّهير.
عزّام: الجولاني رفض أمرَين للبغدادي
يبدو أن «التسريبات» قد فتحت شهيّة عزّام الذي نشر سلسلة «تغريدات» تتناول تفاصيل العلاقة بين زعيمي التنظيمين الأشهر على الساحة السوريّة: أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم «الدولة الإسلاميّة»، وأبو محمد الجولاني زعيم «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة». أبرز ما جاء في كلام عزّام كان تأكيده أنّ الجولاني رفض تنفيذ أمرَين اثنين تلقّاهما من البغدادي إبّان إرساله إلى سوريا. ووفقاً لعزّام، فقد كانت المهمة الأولى «قتل الشيخ (...) محمد حردان، أبو السعيد العراقي، أمير «جيش المجاهدين» في العراق الذي كان يقيم في دمشق قبيل الثورة». أما الثانية، فكانت «إرسال السيارات والانتحاريين بسياراتهم وأحزمتهم الناسفة للتفجير في تركيا». سارع صالح الحموي إلى تأكيد كلام عزّام، مؤكداً أنه كان «شاهداً على تلك المرحلة بكل أسرارها». ووفقاً للحموي، فإن البغدادي كان قد عهد بمهمة اغتيال أبو السعيد العراقي منذ عام 2010 إلى أبو ماريا القحطاني «لما أتى إلى سوريا للعلاج، (...) ورفض أبو ماريا رفضاً قاطعاً»! الحموي أضاف إلى روايته أنّ «البغدادي أرسل (أبو محمّد) العدناني (طه فلاحة، المتحدث الرسمي باسم داعش) إلى سوريا أواخر عام 2012، وبدأ العدناني يرتب لتفجير قاعة الائتلاف (السوري المعارض) في أحد فنادق تركيّا». ووفقاً للرواية، فقد «كان هناك قائد لأحد الفصائل في الشرقية يدخل تركيا وله علاقات جيدة هناك، فطلب العدناني منه ذلك (أي تنفيذ التفجير)». لكن «القائد» رفض تنفيذ الأمر «إلا بفتوى من أبو ماريا». ولاحقاً لذلك وصل الأمر إلى أبو ماريا «فغضب وقال: أعوذ بالله لا يجوز شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً ولا تنظيماً، فالتنظيم (القاعدة) بأمر من الدكتور أيمن (الظواهري) منع أي عمل في تركيا، وتركيا هي حاضنة لأهلنا السوريين وكل دعم الثورة من طريق الأراضي التركية، فلا يجوز شرعاً ذلك».
نشر عزّام «تغريدات» حول العلاقة بين الجولاني والبغدادي
وتؤكد رواية الحموي أن البغدادي «كان قد أتى إلى سوريا وكرر الطلب في أحد الاجتماعات، فرفض الشيخ الجولاني ذلك قطعاً». يرسم الحموي صورة اجتماع ناري بين الأطراف، ويقول إن العدناني قال للقحطاني: «إن رفضتم سنضرب وحدنا، وهنا صرخ أبو ماريا في وجه العدناني». ووفقاً للرواية ذاتها، فإن القحطاني قال لاحقاً للبغدادي: «لو تنظيم القاعدة أمر بذلك لرفضنا أمره، لأنه شرعاً لا يجوز». وتتويجاً لكل ما سبق، بادر أبو ماريّا القحطاني إلى تبنّي «التسريبات»، قائلاً عبر صفحته على تويتر: «أُشهد الله تعالى أن كل ما ذكره الأخ أس الصراع (صالح الحموي) بتعقيبه على تغريدات الشيخ حذيفة عزام كلام دقيق، وحسبنا الله ونعم الوكيل».
قراءة بين السطور
ثمة إشارات استفهام كثيرة تحيط بظاهرة «التسريبات الجهاديّة» منذ أن افتُتحت عبر ما سمي «ويكيليكس دولة البغدادي». ويبدو من المسلّم به أنّ اعتبار «التسريبات» مصدراً دقيقاً للمعلومات خطأ فادح، خاصة أن معظمها صدر إمّا عن منشقّين تتحكم المواقف الشخصيّة بما يدلون به، أو عن «معرّفات» مجهولة الهويّة. كذلك يُرجّح أنّ سلاح «التسريبات» بات وسيلة تستخدمُها أجهزةٌ استخباراتيّة عدّة لغايات معيّنة. رغم ذلك، يُمكن التقاط إشارات مهمّة مع كل موجة جديدة من هذا النوع. وثمّة نقاط كثيرة ينبغي التوقف عندها في «التسريبات» الجديدة. أوّلها يتعلّق بـ«البيت الداخلي لجبهة النصرة»، الذي يبدو مشرعاً على كثير من التحولات في المرحلة المقبلة، بعد أن كانت المرحلة السابقة قد شهدت تعتيماً على الخلافات والانقسامات الكثيرة داخل «النصرة»، وأبرزها الخلاف بين «الخراسانيين» و«القطريين». وتطلق التسمية الأولى على مؤيدي الارتباط بـ«القاعدة» والحرص على الدور المحوري لـ«المهاجرين»، بينما تطلق الثانية على مؤيدي «فك الارتباط»، وإعطاء الصدارة لـ«الأنصار». كذلك، يتجلّى في تسريبات الثلاثي «عزّام، والحموي، والقحطاني» حرصٌ على تكريس فكرة وجود عداء قديم/ مستمر بين تنظيم «داعش» وزعيمه البغدادي من جهة، وبين تركيّا ورئيسها رجب طيب أردوغان من جهة أخرى. وهو أمر يصبّ في خانة تبييض صفحة أجهزة الحكم التركيّة. المفارقة أنّ العامين الأخيرين قد حفلا بأدلّة كثيرة على أنّ نجاح «داعش» في الساحتين السورية والعراقيّة لم يكن ليتم لولا الدعم التركي (اللوجيستي على أقل تقدير). ومن النقاط اللافتة أيضاً، أن الموجة الجديدة تُضفي ثِقلاً خاصّاً على شخصيّة أبو ماريّا القحطاني، الذي كان في وقت من الأوقات أحد أبرز وجوه «النصرة» إلى حدّ طغى فيه حضوره على حضور الجولاني نفسه. قبل أن تتبدّل الحال مع الهزيمة المدوية التي لحقت بـ«النصرة» أمام «داعش» في دير الزور. ليدخل القحطاني مرحلة أشبه بـ«التجميد»، حافظ خلالها على مكانة اعتبارية، لكن من دون ثقل على الأرض مشابه لما كان يحظى به أيّام «الشرقيّة»، (من دون عزله نهائيّاً كما تردّد حينها). وربّما كان الهدف من إحاطة القحطاني بالهالة الجديدة هو التمهيد لمرحلة جديدة في ظل مؤشرات على أن إجراء «العزل والفصل» لن يتوقّف عند صالح الحموي. علاوة على كل ما سبق، تحاول التسريبات المذكورة تكريس فكرة أنّ العداء بين «النصرة» و«داعش» هو خلاف «أيديولوجي» في جوهره، وترويج «اعتدال النصرة» في مقابل «تطرّف داعش»، الأمر الذي يؤدي أيضاً إلى التعمية على حقيقة أنّ الصراع على السلطة والنفوذ والنفط هو ركنٌ أساسيّ من أركان الصراع بين الطرفين.
--------------------------------------------------------------------------------
عزّام يكشف شخصية الجولاني؟
من أبرز النقاط التي وردت في كلام حذيفة عزّام، قوله إنّ الجولاني كان قد دخل «أحد سجون القوات اﻷميركية في العراق باسم مستعار»، وإن الاسم هو «أوس الموصلي». وبرّر عزّام ذلك بأن «الوضع اﻷمني في العراق كان يتطلب انتحال شخصية واسم عراقي للاستمرار في المسيرة، ودخل السجن وخرج منه على أنه أوس الموصلي». وعلى الفور، سارع بعض «محبّي الجولاني» إلى مهاجمة عزام، واتّهامه بتقديم أدلّة تقود إلى تحديد شخصيّة الجولاني. وبغض النّظر عن مدى دقّة المعلومة التي أفاد بها عزّام، من البديهي أنّ أجهزة الاستخبارات لا تنتظر إشارة مثل هذه لتحديد هوية لجولاني. ومن المثير للاستغراب في هذا السياق أنّ هناك ما يشبه توافقاً بين مختلف الأطراف على إبقاء الغموض محيطاً بهذه الشخصيّة على وجه التحديد. تتشارك في ذلك أجهزة الاستخبارات، وأعداء «النصرة»، بما في ذلك «داعش» الذي التزم الصمت في هذا الشأن رغم كل الحروب التي قامت بين الطّرفين.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد