قطاع النفط في سوريا: «ثروة» أهداف للطيران الحربي
تعدى وجود تنظيم «داعش» في سوريا تهديد حاضر البلاد، وإمكانية وضح حد للحرب المتعددة الأوجه الجارية، إلى تأطير مستقبل البلاد بكوادر معتمة، ولا سيما في قطاع النفط، الذي بات يشكل الهدف الرئيسي للطيران الحربي التكتيكي منه والاستراتيجي، المتحالف مع الحكومة السورية، وخصمها على حد سواء.
ومع احتلال سلاح الجو الفرنسي مسارات عمل إضافية في سماء سوريا المزدحمة، فإنه من المتوقع أن يركز، أسوة بغيره، على مصادر تمويل «داعش» الرئيسية، والتي يشكل النفط أولها، ويتركز قسم منها في سوريا والآخر في العراق.
وانتقد وزير النفط السوري سليمان العباس، في مداخلة قبل أسبوعين، استهداف التحالف الدولي للبنية التحتية لقطاع النفط، مشيرا إلى قصف الطيران الغربي ثلاثة آبار للنفط في محافظة دير الزور، إضافة إلى استهداف محطة العمر لمعالجة وتصدير النفط، ما أدى إلى أضرار مادية كبيرة، خاصة في الأبنية ومعدات الضخ الرئيسية.
لكن التمييز بين سلاح صديق وعدو، بات صعبا في الآونة الأخيرة نتيجة كثافة العمل الجوي، واستخدام حاملات الطائرات والقاذفات الإستراتيجية البعيدة المدى، والبوارج الحربية القادرة على إطلاق صواريخها من خارج الفضاء السوري.
وتكشف فيديوهات نشرتها وسائل إعلام روسية استهداف سلاح الجو الروسي لصهاريج نقل النفط من المحطات إلى المهربين في تركيا، كما استهداف خزانات التخزين الاحتياطية، لكن المسـؤولين السوريين يشيرون إلى أن الروس «لم يستهدفوا محطات رئيسية أو آبارا» أسوة بما يقوم به طيران التحالف، كما أنهم لم يتغاضوا في الوقت ذاته عن وجود 500 صهريج جاهز لنقل أطنان من الوقود كما فعلت أسراب التحالف سابقاً.
وحتى تصريحات العباس الأخيرة، كانت الحسابات تتحدث عن خسائر بخمسين مليار دولار في هذا القطاع، وهو رقم يرتفع كل يوم، بمعدلات مخيفة، إذا ما تم حساب الخسائر الجديدة مع تكلفة توقف الإنتاج.
ووفقا لتقديرات الوزارة، بداية تشرين الثاني الحالي، فإن وسطي الإنتاج لا زال يراوح حول 10 آلاف برميل يوميا تأتي في معظمها من آبار قريبة من مدينة حمص، وتخضع لحماية شديدة. ويربط مسؤولون بين عودة الأمن وأية إمكانية لاستعادة دورة الحياة في هذا القطاع، لكن كلفة إعادة الاعمار والتأهيل ما زالت مجهولة، وتخضع لتقديرات مختلفة.
وتبدو المسألتان مترابطتين، بشكل كبير، بغض النظر عمن يدير هذه الآبار التي تمول على المدى البعيد طموحات أكبر من التحصيل المادي. فآبار عديدة على سبيل المثال في شمال سوريا تخضع لسلطة الأكراد، الذين يتحالفون ضمنيا مع الحكومة السورية، لكنهم يستثمرون النفط لمصالحهم المحلية ولا سيما في حقل الرميلان أهم حقول النفط السورية على الإطلاق، حيث تشير تقديرات محلية إلى إنتاج ما يقارب 35 آلف برميل من النقط الثقيل يومياً، بما يتعدى إنتاج الدولة الحالي.
بدوره، لا يتخلى «داعش» عن مصادر الطاقة التي بحوزته من دون محاولة تدميرها، كما حصل في حقل شاعر للغاز حين حاول إشعال حقول تمتد لما يقارب 70 كيلومتراً بعد هجوم ارتدادي للجيش السوري لاستعادة الآبار. وفي حال لم يقم «داعش» بتدمير انتقامي، فإن هذه المرافق تقصف، بحجة منع التنظيم من استغلالها، لكنها تخرج أيضا من خدمة البلاد في المدى المنظور.
وسابقا تحدث مسؤول نفطي عن أن كلفة إعادة بعض المرافق للعمل قد تتعدى جدواها الاقتصادية، وهو أمر سيقود لاتخاذ قرار بإقفال آبار أو «قتلها» كما يقال هندسياً. وبالفعل تخوف مهندسو نفط من تحول قسم كبير من القطاع النفطي في مناطق البلاد المشتعلة إلى ما يسمى بـ«الحفر السوداء»، التي تعني انقلاب القطاع من منتج رئيسي إلى عامل استنزاف، بفعل الآثار الاقتصادية والبيئية المترتبة على احتراق الآبار، والاستثمار غير العلمي، إضافة للتخريب المتعمد، وعوامل أخرى.
لكن هل ثمة احتمالات للخروج من هذا الكادر المعتم؟
ثلاثة عوامل، موجودة حالياً ترفع من قدرة الاقتصاديين السوريين على التفاؤل. أولها الحديث الذي لم يتوقف عن وجود احتياطي ضخم من الغاز قبالة السواحل السورية، ولا سيما ساحل طرطوس. ووفقاً لما نشر إعلاميا تقدر المساحة القابلة للاستثمار بما يزيد بقليل عن ألفي كيلومتر، تشير تقديرات غربية نشرتها الصحافة المتخصصة («اويل ان غاز» في العام 2013) الى أنها قد تحتوي على ثمانية تريليونات قدم مكعب من الغاز.
وحصلت على امتياز التنقيب بشكل حصري، كما نشر سابقاً، شركة روسية هي “سويوز نفت غاز”، ولكنها جمدت خططها قبل أيام من بدء العمليات العسكرية الروسية في سوريا. ورغم أن تصريحات مسؤوليها تحدثت «عن مخاطر أمنية» وراء التجميد، فإن المعلومات تشير إلى عوامل أخرى مرتبطة بحساباتها الدولية وعلاقتها بمشاريع في الغرب، علما أنه وفقا لمسؤول سوري «اصبحت مناطق التنقيب المحتملة أكثر أمناً من أي وقت مضى نتيجة التواجد العسكري الروسي». وسيبقى المشروع بالرغم من «تجميده» المؤقت مشروعاً روسياً، وفق المعلومات ذاتها بغض النظر عن الشركة التي ستقلع به، تماماً كما ستبقى الآمال معلقة عليه اقتصادياً. وأيضاً في الساحل، انتقلت وزارة النفط من الاهتمام النظري بثلاثة آبار تجريبية في مدينة اللاذقية إلى الحفر الميداني، وهو ما يشير وفقا لخبراء نفطيين إلى «مؤشرات ايجابية». ويتم الحفر حالياً في منطقة قنينيص وسط المدينة قرب سوق الهال القديم، «حيث لا تزال الدراسات مستمرة لتقييم طبيعة البئر المكتشف وتركيبته والعمل على نفي احتمال كونه نفطا مهاجراً» من مناطق أخرى.
وتجري عمليات البحث الأخيرة بخبرات وطنية، وهي خبرات يبني عليها مسؤولو قطاع النفط من الآمال أكثر مما ينتظرون من «مساهمات إعادة الاعمار» المأمولة دولياً. والسبب يوضحه مثال محطة «المهر» للغاز، التي كلف بناؤها 56 مليون دولار بخبرات أجنبية، قبل أن يدمرها «داعش» في العام 2013، وأعادتها الشركة السورية للنفط للعمل بشكل كامل بكلفة قاربت 5 ملايين دولار.
ويوضح مسؤولون آن هذه المقاربة هي الطريقة الأفضل للنظر إلى قطاع النفط مستقبلا في سوريا، وذلك من دون إهمال أن التفاؤل يجب أن يبقى مشروطا بعوامل وظروف الوضع الراهن، وذلك خلافا لما تقدمه بعض الأرقام الرسمية المفرطة بالتفاؤل، وبينها إعلان وزارة النفط السورية، الأسبوع الماضي، أنه في إطار الإعداد لموازنة العام 2016 فإن الوزارة تنوي إنتاج 27 مليون برميل من النفط، وهي تقديرات تمثل الحالة القصوى من الإنتاج النفطي السوري، ولكن في وضع البلاد الطبيعي السابق لا الراهن.
زياد حيدر
المصدر:السفير
إضافة تعليق جديد