سوريا: «داعش» يجتاح.. وواشنطن تنتحل صفة المنتصر
لم يثبت تنظيم «داعش» بهجومه الواسع على ريف حلب الشمالي عبثية الرهان الأميركي ـ التركي على «فصائل منتقاة» لدحره من المنطقة، فحسب، بل أثار الشكوك حول مزاعم الولايات المتحدة بخصوص انتهاء المرحلة الأولى من الحرب ضده، والتي يفترض أنها أفقدته القدرة على «العمل كقوة تقليدية».
يأتي ذلك، بينما نجح الجيش السوري في إحداث خرق مهم على جبهة حندرات، والتقدم خطوة نحو طريق كاستيلو الاستراتيجي بالنسبة لأحياء حلب الشرقية. فيما أفشل العديد من هجمات «داعش» ضد مواقعه في أكثر من منطقة.
وبعد تمهيد ناري كثيف، بمشاركة طائرات حربية سورية وروسية، تمكن الجيش السوري، بالاشتراك مع «لواء القدس»، من إحراز تقدم في مخيم حندرات خلال هجوم واسع انطلق من عدة محاور. وسيطر الجيش بعد ساعات من بدء الهجوم على جزء من مزارع الملاح الواقعة بين حندرات وحريتان. كما تمكن من اقتحام الجزء الشمالي من مخيم حندرات، وهي من المرات النادرة التي يدخل فيها الجيش هذا المخيم، وسيطر على ثانوية زهير محسن وبعدها جامع فلسطين وسط محاولات من الفصائل، على رأسها «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، لشن هجمات مضادة لاستعادة النقاط التي سيطر عليها الجيش.
ومن نافلة القول إن أهمية مخيم حندرات تأتي بسبب موقعه الجغرافي الذي يجعله مشرفاً على طريق كاستيلو، باعتباره خط الإمداد الأخير للفصائل باتجاه أحياء مدينة حلب الشرقية الواقعة تحت سيطرتها. وكدليل على شراسة المعارك التي شهدها المخيم فقد سقط عشرات القتلى من عناصر الفصائل، بينهم عدد من القيادات العسكرية وأبرزها عبد العليم الحسن من «لواء الفاتحين» وحكيم العمر من «فيلق الشام»، ومراد باشا من «لواء المنتصر بالله». كما أصيب مراسل قناة «أورينت» إبراهيم الخطيب بجروح طفيفة.
وغير بعيد، وتحديداً في ريف حلب الجنوبي، تمكن الجيش من صد هجوم قام به «داعش» على محور خناصر، مستهدفاً نقاط رصد واستطلاع شرق البلدة. كما استمر الجيش في التصدي لهجمات التنظيم في القلمون الشرقي، حيث لا ينفك عن محاولة استهداف محطة تشرين الحرارية ومطاري الضمير والسين، لكنه لم يستطع تحقيق أي تقدم.
في هذه الأثناء، يصرّ الخطاب الرسمي الأميركي بما يشبه «البلطجة السياسية» على تجيير كل الهزائم التي لحقت بتنظيم «داعش» باعتبارها إنجازات خاصة بالولايات المتحدة.
وبالرغم من أن الحرب على التنظيم تتخذ مسارات عديدة، تقود كل واحد منها دولٌ وجهات متباينة في ما بينها في الأسلوب والأهداف والأجندات، إلا أن واشنطن لا تجد غضاضة في نسبة حصيلة هذه المسارات جميعاً لنفسها، حتى يكاد من يسمع خطابها يظنّ أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تحارب الإرهاب. والمفارقة أن واشنطن تتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية عن عدم توحد مسارات محاربة الإرهاب، بسبب رفضها التعاون والتنسيق مع دول أو جهات تضطلع بدور رئيسي في الحرب على الإرهاب، مثل روسيا و «الحشد الشعبي» والجيش السوري، وهو ما كانت له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة في تقليل فعالية هذه الحرب، وخلق ثغر ما زالت هذه التنظيمات تستفيد منها للحفاظ على قواها وإمكاناتها.
وجاءت تصريحات المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارن، أمس الأول، بخصوص انتهاء المرحلة الأولى من محاربة «داعش» والبدء بالمرحلة الثانية، لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن واشنطن تبني استراتيجيتها في قتال «داعش» على جهود الآخرين، وعلى دماء وتضحيات ليس لها فيها أيُّ فضل. فإذا كان التنظيم قد ضعُف فعلاً لدرجة تجعل من الممكن الحديث عن انتهاء مرحلة، فهذا ليس نجاحاً للخطة الأميركية بقدر ما هو حصيلة لجهود بُذلت على مسارات عديدة، شاركت فيها قوى ودول ما تزال واشنطن - للمفارقة - تحاصرها وتضغط عليها اقتصادياً وعسكرياً، الأمر الذي انعكس سلباً على هذه القوى والدول، وجعلها تتحمل أعباءً فوق طاقتها لإكمال مهمتها في قتال التنظيم. كما أن واشنطن، خصوصاً في سوريا، تلعب دوراً مزدوجاً وملتبساً طالما أدّى إلى وقف عمليات عسكرية ضد التنظيم، كان متوقعاً أن تؤدي إلى إنهاكه وضربه في عمق «دولته»، لولا أنها آثرت تقديم مصالح سياسية أو توازنات معينة على أولوية محاربة الإرهاب.
ولكن الأهم من كل ذلك، هو أن ثمة شكوكاً حقيقية حول دقة الإعلان الأميركي بانتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة، ناهيك عن الشكوك بخصوص نسبة المشاركة الأميركية في تحقيق أي تقدم ضد التنظيم في العراق وسوريا. إلا إذا كان هذا الإعلان يأتي في سياق التوظيف الأميركي للحرب على الإرهاب لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالإرهاب.
وقد كان لافتاً أن تصريحات وارن تزامنت مع نكسة جديدة تعرضت لها الفصائل التي تدعمها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في ريف حلب الشمالي، حيث استطاع «داعش» أن يجتاح مساحات واسعة من الشريط الحدودي مع تركيا خلال ساعات قليلة، ومن دون مقاومة تذكر من قبل «الفصائل المنتقاة» التي تحظى برعاية أميركية وتركية مشتركة. بينما تظهر المقارنة أن الجيش السوري، المدعوم بالغطاء الجوي الروسي، تمكن من ترسيخ إنجازاته في تدمر والقريتين ومنع «داعش» من شن أي هجمات معاكسة عليهما، كما استطاع خلال الفترة ذاتها أن يجهض هجوم التنظيم على قاعدتين جويتين ومحطة حرارية في القلمون الشرقي.
وبينما كان وارن يعلن أن «المرحلة الأولى ركزت على وقف مقاتلي تنظيم داعش من التقدم، وشل قدرته على العمل كقوة تقليدية»، كانت أرتال التنظيم تنفذ هجوماً كبيراً في ريف حلب الشمالي، تمكنت خلاله من الاستيلاء على عشرات البلدات والقرى، من بينها نقاط استراتيجية، كبلدة الراعي ذات المعبر الحدودي. وصباح أمس، أكمل التنظيم الهجوم، الذي بدأه قبل يومين، مسيطراً على مواقع جديدة، أهمها بلدة حوار كلس التي تجعله على مقربة من معبر باب السلامة الاستراتيجي، بالإضافة إلى براغيدة وكفرغان شمال صوران وإيكدة وكفرشوش ويحمول وغيرها.
وجاء تقدم «داعش» هذه المرة، بالرغم من الغارات الجوية التي نفذها التحالف الدولي في المنطقة لوقف تقدم التنظيم، حيث شنت طائراته عدة غارات على حوار كلس، التي وردت أنباء حول استعادتها من قبل الفصائل، علماً أنها تضم مقر القيادة لغرفة العمليات المشتركة التي تتولى التنسيق مع التحالف الدولي ومع تركيا. واتهم التنظيم المدفعية التركية بقصف قريتي براغيدة وإيكدة. وقد أدت هذه الهجمات الضخمة إلى اضطرار المئات من اللاجئين في مخيمي إيكدة والحرمين إلى تجرع تجربة النزوح مرة ثانية، بسبب اقتراب الاشتباكات من الخيام التي يقيمون فيها، حيث شوهدوا يهربون باتجاه الحدود التركية المغلقة بوجههم.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد