الفدرالية في الشمال السوري وهواجس التحالفات والعشائر
مفهوم في دمشق، ومتابع جيداً في آن، اجتهاد شريحة كبيرة من اكراد الجزيرة السوريين، بقيادة «حزب الاتحاد الديموقراطي» للإستفادة من تراكم العوامل الميدانية والسياسية المشجعة للاستفراد بالمنطقة.
فـ «قوات سوريا الديموقراطية» التي يُشّكل أساسها الاكراد، ولدت (في تشرين الأول 2015) نتيجة تقاطع قدر كبير من المصالح، ونمت وتقدمت ميدانياً، مستمدة قوتها الرئيسية من نقاط ضعف الخصوم والحلفاء على حد سواء، وهو ما يشكل منها قوة استثنائية بمرونتها وبراغماتيتها، وإن شكّلت بذور القوة ذاتها مواطن الخلل ايضاً.
تتشكل القوة وفقاً لمصادر ميدانية مما يزيد عن 20 وحدة عسكرية، تضم عشائر عربية (شمر) ومقاتلين سريان، وفصائل أخرى صغيرة، تقودها اساساً وحدات الحماية الكردية التابعة لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الفرع السوري من «حزب العمال الكردستاني»، ويتجاوز هؤلاء عشرات آلاف المقاتلين وفق ما تؤكده مصادر قيادية من القوات ، علماً أن الحزب يتبع سياسة تجنيد في مناطق سيطرته ونفوذه شبيهة بسياسة تجنيد الدولة السورية.
وباعتبارها تشكّلت برغبة وضغط أميركيين، تحصل القوات على دعم «التحالف الدولي ضد داعش» الذي يشكل اساسه الأميركيون، والذين انشأوا قواعدهم العسكرية في الشمال، وأرسلوا مستشاريهم.
ويستطيع الحزب أن يبني بالطبع على حالة «لا عداوة ولا تحالف» القائمة مع الجيش السوري والسلطات المحلية الرسمية، فهي قادرة على حماية ظهره عسكرياً وتجنيبه فتح جبهات جديدة هو بغنى عنها، كما العكس، وتستفيد من خدمات مدنية لوجستية مكلفة، وتحصل على كتلة رواتب عالية تأتي في موعدها للموظفين بمن فيهم من يعتبر بيئته الحاضنة وفي مناطقه باعتبارهم عاملي قطاع عام لدى الدولة السورية.
كما يستفيد الحزب من حالة العداء الشرسة بين أنقرة ودمشق، وحالة الكره الشخصي التي أصبحت بين قيادتي البلدين ايضاً، لترسيخ عوامل بقائه على الارض، كقوة عسكرية وإدارية نافذة.
وبالطبع، يجني الاكراد اقتصادياً من سيطرة قواتهم على مجموعة آبار نفطية غزيرة الانتاج، ليس واضحاً بعد ما هي وجهة تصريفها، إلا أنه من الممكن تخيّل استفادة طرفين على الأقل من هذه التجارة، هم على طرفي المناطق المتوترة، بينهم اقليم كردستان العراق، ومناطق سيطرة الدولة.
وبالطبع يرفض المسؤولون في دمشق، ولا سيما المعنيون بالقطاع النفطي، التعليق على أي معلومات متعلقة بموضوع استحواذ القوات الكردية على بعض من اهم مصادر الثروة النفطية في البلاد، كما على آلية العمل القائمة فيها، علماً أن الحكومة ارسلت وفودها التقنية والهندسية لاستعادة الخدمات وتقييم الاضرار واصلاحها، سرعان ما تأمنت النواحي الامنية في المنطقة، كما استمرت في القيام بواجباتها تجاه العاملين والخبراء والمهندسين.
ولكن لا صداقة دائمة في السياسة، ولا عداوة دائمة ايضاً. وصحيح أن دمشق غير مستعدة حالياً لأي نوع من أنواع التنسيق مع انقرة، مطالبةً بلائحة شروط طويلة، على الاقل في المدى المنظور، إلا أن التقاء البلدين على هذا «الهاجس أو التهديد» لا مفر منه، كما يعترف مسؤولون سوريون ضمناً.
وإن كانت ملامح اختراق قد بدت في الاسبوعين قبل الأخيرين في ما يتعلق بهذا الامر، إلا أن «محاولة الانقلاب»، وعاصفة التطهير السياسي والعسكري والمدني التي شنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ربما تترك مفاعيلها في هذا الاتجاه أو ذاك، علماً أن أنقرة في الموضوع السوري، مستعدة لفعل الشيء ونقيضه وفق ما يردد عادة ديبلوماسيون روس وإيرانيون.
ولذا يبقى هاجس التقسيم الجزئي قائما وبقوة، وإن ظلت التصريحات تستبعده، وهو يصبح أمراً واقعاً شيئاً فشيئاً، الامر الذي سيدفع إلى مواجهته، اقليمياً ومحلياً، بشكل يفتح صراعاً جديداً من مستويات الصراع القائمة.
وسبق أن قال مسؤول سوري إن مواجهة «المشروع الكردي الفدرالي ليست من الاولويات الآن»، بل على العكس تُسارع السلطات الأمنية والعسكرية لاحتواء كل اشكال الاشتباك والتنازل التي كانت تجري بين الطرفين، ولا سيما جولات القتال التي جرت في الحسكة.
ووفقاً للمصدر ذاته، استفاد «حزب الاتحاد الديموقراطي» من دعم الجانب الرسمي عسكرياً وبشكل مباشر، رغم إنكار الأخير لهذا الامر، كما حصل على دعم من حلفاء سوريا الاساسيين ولا سيما إيران، على الرغم من أن إيران تتخذ خطوات حذرة هي الأخرى من اي طموح انفصالي محتمل، وإن وجدت في الحزب حاليا «ورقة تمتلك عدة خاصيات تركية وداخلية ومذهبية في آن».
وتشكل القوة الكردية رهاناً كبيراً في صراعها مع «داعش» باعتبارها القوة الوحيدة «التي تملك رجالاً على الارض»، فيما فشلت القوى الأخرى التي عمل الاميركيون على تأسيسها.
ويعود السبب الرئيسي وفقاً لمراقبين في دمشق، لامتلاك الاكراد مشروعاً مختلفاً ذا طابع استراتيجي، اضافة لطبيعة الحزب العلمانية والعداء التاريخي مع تركيا. رغم ذلك تستفيد «قسد» من الوجود القبلي العربي، وعلى رأسه «صناديد» شمر. والأخيرة ذات الامتداد الكبير في العراق، تتوزع في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، وتمتد في قطاع الجزيرة بين رميلان ومعبر الهول وشمال العراق. ووفقاً لما قاله مصدر في «الصناديد» فإن لدى المجموعة قوة جاهزة للقتال من عشرة آلاف مقاتل يمكن مضاعفتها في حال طلبت قيادتها مؤازرة من ابناء العشيرة. وفيما تقاتل قوات من «شمر» مع «قوات سوريا الديموقراطية»، لا تزال الحكومة تعمل على تشكيل قوات مرادفة من العشائر الاخرى، قالت وسائل اعلام إن اطلاقها بات قريباً تحت اسم «بيارق العشائر» تتألف بمعظمها من عشيرتي الجبور والشعيطات. ووفقاً لما صرّح به زعيم قبيلة شمر الشيخ حميدي دهام الجربا ، فإن مجموعته ترحب بأي «تشكيل ينوي الخير للمنطقة ويساعد في طرد داعش وحمايه المنطقة، ولكن الاهم ان لا يكون اداة في تنفيذ اجندة تصدع التكاتف الحاصل بين ابناء الجزيرة، وخصوصاً ان القبائل هي العمود الفقري للحل في سوريا وهي سلاح قوي ضد داعش ويجب ان تلعب الدور الصحيح واللائق بها وعليها ان تنأى بنفسها عن ادوار بسيطة وسطحية».
ويعتقد الجربا أن دور القبائل وفي مقدمتها قبيلته «هو الوصول بالمنطقة إلى بر الامان والمحافظة على الجزيرة وما تحويه من خليط واجناس متعددة من الاصول والاديان سواء كردية او عربية او يزيدية او سريانية اشورية»، وإن كانت الاولوية هي «منطقة الجزيرة بالكامل، فنحن مررنا في ظروف قاسية وكان داعش قريباً جداً منا عندما شكلنا الصناديد لحماية «الديرة» وانتقلنا الآن من حماية الديرة لحمايه الجزيرة».
وفيما تتعقد تحالفات المنطقة، تتوسع وتضيق، تتحطم ويعاد بناؤها، كان الواجب سؤال زعيم «الصناديد» وحليف «قسد» إن كانت «تعقيدات الشمال قد تقودهم يوماً لتحالفات ليسوا راغبين بها في الوقت الحالي، ومن بينها التحالف مع الدولة السورية»، فيجيب تاركاً الباب مفتوحاً للاحتمالات «ما جرى ويجري الآن في سوريا هو امر جلل ولا يعتمد على الرغبة بطرف او عدم الرغبة به». الامر أكبر من المصطلحات المسيسة، فالآن وقت الحزم واتخاذ مواقف ليست مصيريه لنا فقط بل لأجيال مقبلة، ولا ننظر الآن للون ولا لنوع اللباس الذي نرتديه بل يهمنا النجاة فقط. اما مسألة الاهواء والرغبة بطرف ما او عدمه، فتأتي بعد الوصول لبرّ الامان وهي مسألة سياسية تحل بالتفاهم والجلوس معاً والاتفاق على وضع يرضي جميع الاطراف».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد