أساور «جي فور أس» تطوّق الحجاج
منذ سنوات، تتوالى المعلومات عن اشتراك شركة الأمن الشهيرة «جي فور أس» البريطانية، في تنظيم مواسم الحج مع السعودية، عبر نافذة أمنية واسعة، تبدأ بتوفير أنظمة المراقبة والتفتيش، وصولاً إلى كيفية نقل ثلاثة ملايين حاج إلى مكة المكرمة.
الجديد هذا العام في مسلسل تلزيم الشركة البريطانية المتعاملة مع العدو الإسرائيلي، وخاصة في ملف السجون داخل فلسطين المحتلة، أمور حج المسلمين في المملكة، يتمثل في تزويد الحجاج بأساور إلكترونية فرضتها سلطات الرياض على الدول المبتعثة، بحجة ضمان متابعة سير عمليات الطواف والتفويج ورمي الجمرات خلال المراسم.
وكان وزير الحج والعمرة السعودي، محمد بنتن، قد أعلن في بيان نشرته «وكالة الأنباء السعودية ــ واس» في التاسع والعشرين من حزيران الماضي، بدء تطبيق نظام السوار الإلكتروني على الحجاج ابتداء من موسم العام الجاري. وذكر بنتن أن السلطات المعنية خاطبت مكاتب شؤون الحج في مختلف دول العالم التي يفد منها الحجاج، لإلزامها بتوفير بيانات الحجيج قبيل وصولهم الى منافذ الدخول حتى يتم تخزينها في ذلك السّوار. والمعلومات تشمل: الرقم الحدودي، رقم التأشيرة، رقم جواز السفر، صورة الحاج والبيانات الأساسية له وبيانات سكنه في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بالإضافة إلى ملفه الطبي.
سلطات الرياض لم توضح منذ ذلك التاريخ حتى هذه اللحظة اسم الشركة المزوّدة للأساور، واكتفت بشرح آلية عملها فقط، ومنها أن الأساور تعمل بنظام «جي بي أس» لتحديد مكان الحاج، ويمكن عبر تطبيق في جوالات كل العاملين في نطاق مراسم الحج من الموظفين السعوديين أن يطلعوا على تحركات الحجاج ومعلوماتهم البيانية من التطبيق في هواتفهم، من دون الحاجة إلى الاقتراب من الحاج وسؤاله عن بياناته.
والخطورة تكمن في أن قاعدة بيانات ما يقارب ثلاثة ملايين شخص من مختلف دول العالم، صارت بعهدة شركة تشارك العدو الإسرائيلي في نشاطاته الأمنية، وخاصة التنكيل بالفلسطينيين في السجون والمعابر الحدودية وعلى الحواجز العسكرية. وخلال محاولة الحصول على إجابة واضحة من «جي فور أس» عن سؤال بشأن أنها المزود لسلطات الحج السعودية بالأساور، وبعد مماطلة دامت لأيام، أجاب مكتبها الإعلامي في لندن حرفياً بالقول: «جي فور أس هي المزوّد الحالي لوزارة الداخلية السعودية بتكنولوجيا المراقبة الإلكترونية، وهي كذلك منذ سنوات مضت، لكن لسنا على علم بوجود متطلبات جديدة تتعلق على وجه الخصوص بالحج»، ما يوحي بتهرب واضح من الإجابة عن مسؤوليتها تزويد السلطة المنوط بها الإشراف أمنياً على مراسم الحج (الداخلية السعودية) بمعدات إلكترونية بغرض المراقبة، وهي الوظيفة الأساسية للسوار الإلكتروني المذكور.
وهذا العام، تتفاخر الرياض بإدراج ما سمته «المسار الإلكتروني» للمرة الأولى، ويندرج فيه مشروع السوار نفسه، بالقول إن «المسار» سيساهم في تسهيل طواف الحجاج وإفاضتهم في المشاعر، وكل هذا يأتي وفق وصف السعوديين «لخدمة ضيوف الرحمن وتسهيل حركتهم ومساعدة المرضى منهم وكبار السن». لكن اللافت أن المملكة تحاول تسويق روايتها من باب الحرص على الحجيج وخدمتهم وحماية أمنهم، مع أن إقحام شركة متعاملة مع العدو في موسم الحج هو انتهاك لخصوصية ولأمن الحجاج الذين يأتون من خلفيات متعددة.
في المقابل، يبرز «الحرص» السعودي في قضية شركة «هواوي» الصينية التي بحثت السلطات السعودية فسخ عقد معها عام 2012 حرصاً على أمن معلومات شركة «أرامكو» كما تظهر إحدى وثائق «ويكيليكس»، وذلك لتعامل تلك الشركة مع الحكومة الإيرانية في وقت متزامن! لكن، يتعطل هذا «الحرص» عندما يتعلق بأمن وبخصوصية الحجاج المسلمين، لأن المصلحة السعودية الخاصة ستكون فوق مصلحة مسلمي العالم، كما يظهر من هذه المقارنة.
والواقع أن إصرار الرياض على علاقة مميزة مع هذه الشركة البريطانية تظهر مجدداً في وثائق «ويكيليكس»، التي تشير وثيقة أخرى منها إلى أن «جي فور أس» اشترت عام 2012 بنادق قناصة لمصلحة السفارة السعودية لدى وارسو، في دلالة على أن علاقة السعودية بالشركة العابرة للقارات أكبر من أن تهزّها نشاطات حركات مقاطعة إسرائيل أو حقوقيين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين.
وتقول «جي فور أس» في تقريرها نصف السنوي لهذا العام (صدر في 10 آب الماضي)، إن أرباحها في الشرق الأوسط والهند حققت أرقاماً غير مسبوقة، ولا سيما في السعودية والهند معاً، علماً بأن الشركة تحرص على إخفاء أرقامها في ما يخص السعودية حصراً. وتلك الأرباح ارتفعت من 348 مليون جنيه استرليني عام 2015 إلى 405 ملايين هذا العام.
وقد يبرز تساؤل عن مدى استفادة النظام السعودي من الخدمة التي تؤمنها «جي فور أس» عبر السوار الجديد، وهذا التساؤل يبقى مشروعاً، وخاصة إذا عُلم أن مراقبة أي حاج من أي دولة أتى منها يؤمّنها السوار عبر تتبّع حركته خلال أدائه المناسك، ما يعني أنه يمكن الاطلاع على اجتماعاته بحجاج آخرين من بعثات دول أخرى، أو الاستعانة بتفاصيل مسبقة عن شخص معين يشغل منصباً حساساً في دولة منافسة للرياض في السياسة، ما يتيح للأمن السعودي مراقبته عن كثب وتتبع آثاره لأغراض استخبارية قد تصل إلى الاستهداف المباشر إذا لزم.
وما يزيد هذه الاحتمالات هو أن استحداث مشروع السوار بدأ التفكير فيه جدياً بعد حادثة منى في موسم العام الماضي، وخاصة في ظل التخبط الذي أظهرته الرياض عقب الكارثة ولا سيما في مسألة التعرف الى هوية العشرات، إن لم يكن المئات، من الحجاج الضحايا الذين تشوهت جثامينهم، كأن النظام السعودي يوجه رسالة إلى العالم الإسلامي يقول فيها عبر تطبيق مشروع السوار، إنه بهذه الطريقة سيمكن التعرف إلى جميع الحجاج في حال وقوع كارثة تدافع جديدة، وهو بذلك يطمئنهم إلى طريقة تضمن إعادة جثامين الضحايا إلى ذويهم في بلدانهم، بدلاً من أن يكون السعي منصبّاً على إيجاد حل جذري ينهي كوارث التدافع، ويضع حدّاً لمخاوف ملايين المسلمين حول العالم من سوء التدبير ــ على الأقل ــ الذي حصد أرواح الآلاف.
الجزائر تقرر تصنيع أسوارها بنفسها
يبدو أن الأنباء الواردة في الصحف السعودية تشير إلى أن «السوار الإلكتروني» ملزِم لكل بعثات الحج الأجنبية، ولكن علمنا بأن أعضاء لجان بعثات الدول التنظيمية والإعلاميين والأطباء المرافقين لكل بعثة لم يُلزموا ارتداء السوار.
وكانت سلطات الحج السعودية قد أعلنت أن السوار يوزعه كلٌّ من مكتب شؤون الحج ووكيل الشركة السياحية المسؤولة عن الحاج، أو يطبعه مكتب الخدمة الميدانية ويوزعه على الحجاج لوضعه حول المعاصم، وهو «مصنوع من مادة بلاستيكية مضادة للماء ولا تسبب الحساسية، غير قابل للتلف، ولا يمكن نزعه إلا عن طريق القص، وبالتالي سيُتلف ولا يمكن استخدامه بعد قصّه».
أما اللافت، فهو أن «الديوان الوطني للحج والعمرة الجزائري» اختار أن يزوّد حجاج بعثته الجزائرية، بصورة جزئية هذا العام، بأساور إلكترونية من صناعة شركة جزائرية محلية، مع وجود ميزات إضافية للسوار الجزائري مقارنة بالسعودي. ولم تتضح الصورة إذا ما كانت الخطوة الجزائرية جاءت بالتنسيق مع الرياض أو حرصاً على تحصين بيانات حجاج بعثتها.
علي مراد
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد