ماذا يجب أن يفعل السوريون للخروج من نفق الأزمة التي صنّعها لهم الآخرون
الجمل: يتميز الوقت الحالي بالأزمات، وتعتبر سوريا واحدة من البلدان التي تقع ضمن منطقة أزمة، تصاعدت تداعياتها الإقليمية، على النحو الذي جعل منها الأزمة الدولية الأولى والأكثر أهمية في العالم.
التعرف على الأزمة، من حيث هي، أياً كان نوعها، يتطلب ويستلزم أن تقوم دوائر صنع واتخاذ القرار بجعلها أكثر حضوراً في دائرة الوعي، بحيث يتم فهمها وإدراكها بما يتيح قدرة أكبر على التدخل في إدارة وتوجيه الأزمة بشكل يؤدي إلى تجنب مخاطرها وتأثيراتها السالبة، وربما الاستفادة من إيجابياتها لو توافر ذلك.
إن إدارة الأزمة تهدف بشكل أساسي إلى معالجتها فكرياً وعلمياً وعملياً، ومن هنا يتوجب علينا في القطر العربي السوري أن نجيب أولاً وقبل كل شيء على الأسئلة الكبرى المتعلقة بأزمة المنطقة، والتي من أبرزها:
- ما هي إدارة الأزمة؟ ما هو مفهومها؟ وما هي مكوناتها.
- كيف تستخدم إدارة الأزمة في السيطرة على أزمة المنطقة؟ وكيف نحقق الحل العلاجي الكامل؟ وإن لم يتيسر ذلك فعلى الأقل كيف نحقق الحد الأدنى الذي يوفر لنا الوقاية من التداعيات السالبة؟
إن معرفة أزمة المنطقة –أي منطقة الشرق الأوسط- تتطلب أن نتخطى مرحلة المجهول وأن ننتقل إلى مرحلة الفهم والمعرفة العلمية الكاملة، ولكي تتحقق هذه الخطوة في التعامل مع أزمة الشرق الرئيسية (أي الصراع العربي- الإسرائيلي)، والأزمات الفرعية المتشعبة عنه يتوجب البدء من النقاط الآتية:
- من نحن وإلى أين نمضي ونتجه، ومن هم صنّاع الأزمة وإلى أين يمضون ويتجهون؟
- ماذا نملك نحن؟ وماذا يملك صنّاع الأزمة؟ وكيف نستخدم نحن ما نملك؟ وكيف يستخدمون هم ما يملكون؟
- ما هو الوقت المتاح أمامنا لكي نتحرك؟ وما هو الوقت المتاح لصنّاع الأزمة لكي يتحركوا؟
- ما هي العوامل التي تساعدنا وأيضاً التي تعرقلنا، وأيضاً ما هي العوامل التي تساعد صنّاع الأزمة، والعوامل التي تعرقل تحرّكاتهم؟
الأزمة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وأزماتها الفرعية، تتميز بعدة مواصفات، أبرزها: الإعداد المبكر لقوى صنع الأزمة، وتهيئتهم للمسرح الأزموي، وتوزيع الأدوار بين بعضهم، واستخدام الحلفاء والوكلاء، واختيار التوقيت المناسب لإشعال فتيل الأحداث والوقائع، المصحوب بإيجاد مختلف الذرائع والمبررات التي تستهدف وغيرها من الأطراف العربية التي تدافع عن حقوقها العادلة.
الأحداث والوقائع في منطقة شرق المتوسط أصبحت بمرور الأيام والوقت تأخذ طابع التدفق والجريان السريع الإيقاع، والمتلاحق التتابع والمتراكم الإفرازات والنتائج، ونلاحظ هذه الخاصية بوضوح في تطورات الملف اللبناني، والتي تميزت بأنها تطورات تمضي جميعها في اتجاه واحد يصب في سبيل تحقيق الهدف الرئيسي لإسرائيل وأمريكا، وهو إدانة وتجريم سوريا من أجل معاقبتها ومحاصرتها، وإضعافها حتى يستطيعون تحقيق مشروعهم المطلوب في المنطقة.
مثلث العنف السياسي والموت والاغتيالات وعمليات التطهير الجارية، والي تربط أضلاعه بين بؤر التوتر الثلاثة: فلسطين، العراق، ولبنان. هو مثلث تقع سوريا في نصفه تماماً، وقد جعل هذا الموقع سوريا في مواجهة خط عمل حركة ضغط أزموي تعمل من ثلاثة جهات، بحيث تتجه محصلتها النهائية إلى سوريا باعتبارها منطقة الجهد الرئيسي لقوى الضغط الأزموي.
برنامج عمل قوى صنع الأزمة في منطقة الشرق الأوسط (أي أمريكا وإسرائيل) يتميز بالانتقال المرحلي المتدرج، وفقاً للمراحل الست التي أشار إليها الدكتور محسن الخضيري في دراسته عن الأزمات، وتتمثل هذه المراحل في الآتي:
• الإعداد لميلاد الأزمة: وكما هو واضح في مثلث الأزمة الشرق الأوسط الحالي (فلسطين، العراق، ولبنان)، فقد تمت تهيئة المسرح الأزموي في هذه المناطق، ومن ثم قامت بعد ذلك قوى صنع الأزمة بإيجاد نواة الأزمة، وزراعة بؤرة الأزمة في كل من مناطق المثلث: في العراق الحرب الطائفية الأهلية وفرق الموت.. في لبنان الاغتيالات والقرارات الدولية.. في فلسطين الحصار وقطع المساعدات ودعم الفتنة الداخلية بين الفصائل الرئيسية مع احتمال كبير بوجود فرق الموت. وحالياً تقوم قوى الأزمة بمساعدة حلفائها في المنطقة باستغلال أحداث العنف والقتل والفوضى في استهداف سوريا بالمزيد من الضغوط الاتصالية مع إحاطة ذلك بالعوامل التي تؤدي إلى نمو الأزمة داخل سوريا، على النحو الذي يجعلها تفقد توازنها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
• الإنماء والتصعيد: وتتم هذه العملية حالياً بواسطة إسرائيل وأمريكا والتي لها النصيب الأكبر في هذا الجانب، وحالياً تقوم الإدارة الأمريكية بحشد تجمع المعتدلين العرب (حلفاء إسرائيل وأمريكا في المنطقة) بهدف دفع سوريا وبقية المنطقة إلى حافة الحرب الإقليمية الشاملة في الشرق الأوسط.. ومن أبرز الدلائل على ذلك قيام أمريكا بعرقلة وإعاقة كل جهود السلام والتسوية المتعلقة بحقوق سوريا العادلة والمعترف بها دولياً.
أما المراحل الأخرى في الأزمة الشرق أوسطية، فعلى ما يبدو لم تأت بشكل صريح حتى الآن، وإن كانت معالمها واضحة على الأفق، وهي: مرحلة المواجهة العنيفة، مرحلة السيطرة الكامل على بلدان الشرق الأوسط، مرحلة التهدئة المؤقتة، وأخيراً مرحلة السلب والابتزاز النهائي.
وعموماً نقول: إن هذه المراحل لابدّ من تجنبها وتفاديها ومنع وقوعها، ولن يتم ذلك إلا: إما بالاستعداد التام لكسب المرحلة القادمة والتي هي مرحلة المواجهة، بحيث يتم قطع الطريق أمام قوى الأزمة ومنعها من الانتقال بأزمة الشرق الأوسط إلى مرحلة السيطرة الكاملة على المنطقة، أو عن طريق انتهاج برنامج وقائي بالتوافق والتنسيق الجماعي المتعدد الأطراف مع كيانات الشرق الأوسط والكيانات الإقليمية والدولية الحليفة، من أجل ممارسة الضغط المضاد الذي يردع قوى صنع الأزمة (أمريكا وإسرائيل) من التمادي والمضي قدماً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد