24-02-2018
محاولات غربية لنسف مسار «أستانا»: «تصفير» عدّاد الحرب في سوريا؟
تندرج مناورات الولايات المتحدة وحلفائها، وجهودهم في الضغط على موسكو ودمشق، في سياق المحاولات لـ«تصفير» عدّاد الحرب في سوريا، والعودة باللاعبين إلى المربّع الأول، حين كانت الثنائية الأميركية ــ الروسية محرّك عملية «التسوية»، والمعارك، قبل التفاهمات الروسية ــ التركية ــ الإيرانية في أستانا، والتي غيّرت خارطة الصراع السياسية والميدانية
«المحادثات في أستانا تفشل خطط الولايات المتحدة لتقسيم سوريا... ولهذا نرى الأميركيين يعملون على عرقلتها والتقليل من شأنها بكل الوسائل». هي جملة صدرت عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، يمكنها أن تعبّر ــ بالتكامل مع مجريات المسارين السياسي والميداني ــ عن الواقع الحالي لـ«التعاون» بين أبرز دولتين من الأطراف «الباحثة» عن «تسوية سياسية» في سوريا. وكما حاولت الولايات المتحدة الأميركية قبيل انعقاد مؤتمر سوتشي تعطيل مساره بمبادرة «الدول الخمس» التي وضعت تصوراً لمسار الإشراف الأممي على محادثات «التسوية السورية»، تذهب اليوم في حشد حلفائها ضد روسيا، ومن خلفها دمشق وطهران، وجميع التسويات التي أفرزتها سنوات الحرب الماضية.
واشنطن التي رفضت الدخول في تسويات كاملة مع «الشريك» الروسي، في عهد «انكفاء» إدارة باراك أوباما، تسعى اليوم إلى إعادة التفاوض حول موقعها من ملف «التسوية» في سوريا، بعدما انطلقت في مرحلة جديدة حاملة مفاتيح شرق الفرات، بنفطه وثرواته، من دون أن تستبعد خيارات غير السياسة في مسعاها. الافتراق بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، على الطاولة السورية، عبّر عنه بدوره نائب وزير الخارجية الأميركي، جون سوليفان، بالقول أمس من بروكسل إنه «مع تقدم الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية أصبح العمل مع الروس (بشأن سوريا) أكثر صعوبة لنا». واللافت في كلام الديبلوماسي الأميركي أيضاً أنه جاء بعد فترة قصيرة على جولة زار فيها عدداً من عواصم الشرق الأوسط، وكان العراق أبرز تلك المحطات، ولفت في تلك الزيارة إلى أن بلاده «لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق».
التوجه الأميركي الصدامي مع روسيا ــ حول سوريا ــ تكرّس في ملابسات الحراك الذي شهده مجلس الأمن خلال الأسابيع الفائتة، وحتى قبلها، إذ بدت واشنطن أنها مستعدة وحلفاءها لتعزيز الضغط على الجانب الروسي في المجلس، بعدما توافقت وشركاءها الأوروبيين والإقليميين على «خطوط حمراء» جديدة بشأن استخدام السلاح الكيميائي. وجاء ذلك وسط «غزل» سعودي ــ تركي على لسان وزير الخارجية عادل الجبير، في معرض حديثه عن تقاطع جهود البلدين في «دعم المعارضة السورية». وبدا تمهّل واشنطن وباريس في الجزم بصحّة ادعاءات استخدام القوات الحكومية مثل تلك الأسلحة في الغوطة الشرقية وغيرها، ضمن سياق حملة الضغط على موسكو، وكأنه فرصة لإتاحة المجال أمام تفاهم في مجلس الأمن.
هذا التفاهم الذي كانت فرصته أمس خلال جلسة التصويت التي لم تعقد، تأجّل مصيره إلى اليوم، في الموعد الجديد المفترض لجلسة مجلس الأمن. فبعد ست ساعات من الموعد الأول المحدد للتصويت، تخللها تأجيلان إضافيان، عاد موظفو المجلس إلى سحب الأوراق من على طاولات المندوبين في القاعة، ليعلن تأجيل الجلسة. هذه الساعات الست شهدت مفاوضات شاقة بين الوفود، بقيت مجرياتها حتى وقت متأخر من ليل أمس حبيسة القاعات الداخلية التي استضافتها. غير أن المندوبة الأميركية نيكي هيلي، وقبل الإعلان عن التأجيل بدقائق قليلة، قالت عبر «تويتر» إنه «من غير المعقول كيف تعطّل روسيا التصويت على وقف إطلاق النار الذي يسمح بوصول المساعدات الإنسانية في سوريا. كم عدد الأشخاص الذين سيموتون قبل أن يوافق مجلس الأمن على إجراء هذا التصويت؟ دعونا نفعل هذه الليلة. الشعب السوري لا يستطيع الانتظار». وبقيت التفاصيل التي تطلب روسيا تعديلها في مشروع القرار غير محددة بشكل رسمي، غير أن التعديلات التي اتضحت على نسخة أمس من المشروع، تتضمن حذف المهل الخاصة بتوقيت نفاذ الهدنة وتسليم المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة بعد أن كانت مسودة القرار الأصلية قد حددت موعد بدء الهدنة بعد 72 ساعة على موافقة أعضاء مجلس الأمن على القرار.
وسيشكّل إقرار الهدنة في مجلس الأمن ــ إن تمّ اليوم السبت ــ خطوة لافتة جداً، لكونه ينزع من روسيا وحلفائها امتياز السيطرة على مجريات الأرض (بما في ذلك فرض الهدن وإقرار مناطق «خفض التصعيد») الذي اكتسبوه بجهود مضنية عبر مسار أستانا. ويبدو تفريغ التعاون الروسي ــ التركي ــ الإيراني من جدواه واستلاب بعض مفاتيح الميدان منه، كأنهما العنوان الأكبر للحراك الأميركي الأوروبي. فالتنسيق الثلاثي، ورغم الاختلافات في أهداف أقطابه، استطاع تحقيق تغييرات واسعة في المشهد السوري، كانت حلب ودير الزور أحد أبرز مفاصلها. ومن المؤكد أن صعود نفوذ الحكومة السورية وحلفائها على حساب باقي القوى الناشطة في سوريا، بعد اتفاقات «خفض التصعيد»، كان أبرز الموجبات لحراك مماثل. ويتقاطع هذا بشكل كامل مع المطالبات الأميركية بحصر المحادثات وكامل سياقاتها ضمن المسار المرعيّ أممياً، في جنيف وفيينا، حيث تملك الولايات المتحدة وحلفاؤها تأثيراً ونفوذاً، تفتقده في أستانا وسوتشي.
الموقف الروسي الأوضح من مشروع القرار كان أمس على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي أشار إلى استعداد بلاده لدعم مشروع القرار بوجود «ضمانات». وقال في مؤتمر صحافي عقده ونظيره الأوزبكي عبد العزيز كاملوف، إنه «ليس هناك ما يضمن التزام المسلحين بالمشروع وعدم مهاجمتهم دمشق... ومن أجل تطبيق مشروع القرار، يجب تقديم ضمانات من الجهات التي لها نفوذ عليهم». ولفت إلى أنها «ليس المرة الأولى التي تكون فيها جبهة النصرة، التي تعد المشكلة الرئيسة في الغوطة الشرقية، طوعاً أو بمحض الصدفة، في صف الدول المعارضة للحكومة السورية». وأضاف أنه «على الضفة الشرقية من نهر الفرات، يمارس الأميركيون مرة أخرى الهندسة الجيوسياسية وخلق هياكل شبه الدولة»، موضحاً أنه في الوقت الذي يتحدث فيه الأميركيون عن فشل أستانا، يشيرون إلى «نجاح» منطقة «خفض التصعيد» في الجنوب السوري، وإلى الدور «الحاسم الذي لعبه الجيشان الأميركي والأردني، متجاهلين الحديث عن الجانب الروسي وجهوده بالكامل». أما المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، فقد دعا، في بيان صادر عن مكتبه، الدول الضامنة في محادثات «أستانا» (تركيا وروسيا وإيران) إلى عقد اجتماع عاجل من أجل «إعادة تثبيت» مناطق «خفض التصعيد». وجاءت المفاوضات في مجلس الأمن بعد رسالة مشتركة بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يطالبان فيها بموافقة موسكو على مشروع القرار. وبينما دعا الاتحاد الأوروبي وتركيا روسيا إلى وقف إطلاق النار والتصعيد في الغوطة، أعلن أحد عشر فصيلاً ومنظمة في الغوطة الشرقية تأييدها مشروع القرار الكويتي ــ السويدي. وأبرز تلك الفصائل كان «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن المتحدث باسم «فيلق الرحمن»، وائل علوان، نفيه لأي عرض قدم للفصائل لترحيل مقاتليها من الغوطة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الفصائل موافقة على إخراج النصرة».
على الأرض، تركز القصف الجوي والمدفعي للجيش السوري على مواقع في مدينة دوما وبلدات الشيفونية وعين ترما وزملكا وسقبا. وفي المقابل، تعرضت أحياء مدينة دمشق لنحو 70 قذيفة صاروخية، تسبّبت في استشهاد مدني وإصابة نحو 60 آخرين، وفق الأرقام الرسمية، فيما شهد حي ركن الدين انفجار قذيفة صاروخية كان الأكبر أمس من حيث التدمير، ونقلت مصادر محلية أن نوعية الصاروخ تختلف بشكل جذري عن قذائف الهاون التي طاولت الأحياء الأخرى.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد