17-03-2018
جيشا إسرائيل والولايات المتحدة ينفذان مناورة افتراضية ضد معسكر المقاومة في سورية
دخلت مناورة جنيبر كوبرا 2018، الأضخم والأوسع بين جيشي إسرائيل والولايات المتحدة، أسبوعها الثالث، وينتظرها كما هو معلن أسبوع إضافي. المناورة التي تحاكي سيناريوهات تصعيد ومواجهة متعددة الجبهات، حملت إضافة إلى دلالاتها العملانية في فحص الاستعدادات العسكرية الدفاعية لإسرائيل، رسائل في أكثر من اتجاه، بدءاً من حزب الله وسوريا وإيران، وصولاً إلى الجانب الروسي، وإن بحذر.
مناورة جنيبر كوبرا لعام 2018، هي النسخة التاسعة للتناور العسكري المشترك على الأرض الفلسطينية المحتلة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها هذا العام، هي الأكبر والأوسع بين الجيشين، وجاءت مشبعة بالرسائل الردعية إلى حد الإفراط، من دون أن يقتصر توجيه هذه الرسائل إلى حزب الله أو الدولة السورية وما يسمى «التمركز» العسكري الإيراني في الساحة السورية، بل أيضاً إلى الوجود العسكري الروسي، وصولاً إلى تهديد الأراضي الإيرانية. الأمر الذي يُعَدّ نقلة في المقاربة الإسرائيلية للتهديدات، وإن جاءت في سياق الحديث الدفاعي في وجه إمكانات تصعيد وصفت بالمتطرفة.
ضابط رفيع المستوى في الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، أشار في حديث مع المراسلين العسكريين لوسائل الإعلام العبرية، إلى أن المناورة ركّزت على إمكان منع روسيا الجيش الإسرائيلي من شنّ هجمات في سوريا، مع فحص كيفية مواجهة هذا «المنع». كلام الضابط الإسرائيلي الذي جاء مدروساً وموجهاً، مع محاولة قدر الإمكان لعدم استفزاز الروسي، إلا أنه لم يلغ الرسالة الإسرائيلية الأميركية المشتركة، في الإشارة إلى أن تطور الموقف الروسي إلى الطلب بالامتناع عن شنّ هجمات في سوريا، لا يعني بالضرورة الانصياع الإسرائيلي.
بحسب الضابط الإسرائيلي، ناورت القوات الإسرائيلية بشكل مكثف إلى جانب القدرات الدفاعية الأميركية في سياق مناورة «جنيبر كوبرا»، على سيناريو قتال متعدد الجبهات، اختبرت فيه إمكانية أن تعوق روسيا الجيش الإسرائيلي وتمنعه من شنّ هجمات في الساحة السورية. وبحسب تأكيده، اختبرت المناورة الوجود العسكري الروسي وإمكانية أن تنقل روسيا رسالة إلى إسرائيل، مفادها أنها باتت تضرّ بالمصالح الروسية في المنطقة، ما يعني وقف شنّ الهجمات.
وأكد الضابط أن إسرائيل لن تعمل على الإضرار بالمصالح الروسية في المنطقة، لكن رغم ذلك، تدربت القوات على سيناريوهات مختلفة مرتبطة بالوجود العسكري الروسي، وتحديداً «كل ما يمكن التنسيق بشأنه، وكل ما لا يمكن التنسيق بشأنه»، لافتاً إلى أنه «في نهاية المطاف، يجب العمل والسماح بحرية العمل، على الرغم من الوجود» الروسي. في إشارة منه إلى إمكان تطور الموقف الاعتدائي الإسرائيلي في الساحة السورية، حتى وإن كانت روسيا لا تريد ولا ترغب وتطلب الامتناع عنه. موقف، يُعَدّ في حد أدنى، إشارة إلى «جرأة» كلامية إسرائيلية غير مسبوقة، تستأهل كثيراً من التأمل، وإن كان من الصعب اختبار ذلك عملانياً من جانب إسرائيل ضد روسيا، حتى مع اصطفاف أميركي عسكري مباشر إلى جانبها.
هذا هو أحد أهم أهداف المناورة الإسرائيلية الأميركية المشتركة، خارج سياق الأهداف العملانية العسكرية للجيشين: رسالة طموحة مشتركة، إسرائيلية أميركية، تهدف إلى ما يمكن وصفه بـ«ردع روسيا» ودفعها إلى توسيع هامش المناورة لدى إسرائيل، حتى مع التأكيد في السياق، أن التقدير السائد هو توجه روسي لمنع إسرائيل من مواصلة اعتداءاتها في سوريا. هل تجد هذه الرسالة النتيجة المأمولة إسرائيلياً؟ المسألة موضع شك كبير جداً، حتى وإن جاءت الرسالة مصحوبة بـ«نكهة» أميركية وحديث عن «الموت الأميركي للدفاع عن إسرائيل».
إلى جانب توظيف المناورة في سياق محاولة التأثير الطموح في الموقف الروسي، جاء أيضاً التوظيف في سياق التأثير بالموقف الإيراني وحزب الله، وذلك رغم أن المقاربة الإسرائيلية تجاه روسيا، وتحديداً كلامياً، تختلف عن مقاربتها تجاه إيران وحلفائها، حيث «اللياقة» الكلامية وعدم استفزاز موسكو جزء لا يتجزأ من الرسائل، مهما كان مضمونها الفعلي متطرفاً.
أشار الضابط إلى أن المناورة إلى جانب الدفاعات الأميركية، حاكت أيضاً مواجهة على الجبهة الشمالية (في إشارة إلى لبنان وسوريا)، حيث كانت هي الجبهة الرئيسية في المواجهة من ضمن جبهات أخرى ضمن فرضيات الحرب المقبلة، لكن مع تأكيد الضابط أن «الجبهة السورية كانت في الصورة، رغم أن الجبهة اللبنانية هي الأساس». وأشار إلى أن «القوات تدربت على مواجهة كل التهديدات، سواء جاءت من البر أو البحر أو الجو، ومحاولات التوغل في أراضينا ونقل المعركة إلى الأراضي الإسرائيلية، إضافة إلى سيناريوهات سقوط طائرات حربية إسرائيلية». أما لجهة الرد الإسرائيلي، فأشار الضابط إلى أن «التعاون مع الجيش الأميركي، ونشر وحدات عسكرية أميركية على الأرض، تحت وابل من النار وسقوط الصواريخ، إشارة واضحة إلى المنطقة كلها، بأن الأمر لا يتعلق بحلف استراتيجي نظري بين إسرائيل وأميركا، بل تعاون فعلي بين الدولتين».
في المحصلة، مناورة «جينبر كوبرا»، هي مناورة روتينية مقررة مسبقاً، لفحص جاهزية إسرائيل الدفاعية في وجه التهديدات. أهمية المناورة هذا العام تأتي في سياق ونتيجة تعزز التهديدات في وجه إسرائيل وتسارع وتيرتها ومنسوبها في بيئتها المحيطة المباشرة، وتلك غير المباشرة، مع قيود ملحوظة ومؤثرة بحرية عملها وحدود قدرتها على استخدام القوة العسكرية. وتشير المناورة أيضاً إلى «قصور» القدرة الفعلية الدفاعية الإسرائيلية، بإقرار من تل أبيب نفسها وراعيتها أميركا، في وجه التهديدات وتناميها.
على هذه الخلفية، جاء التوظيف الإسرائيلي للمناورة في أكثر من اتجاه، وفي المقدمة ضد حزب الله وسوريا وإيران، وإن كان ملحوظاً، وأيضاً لافتاً، استغلالها في سياق محاولة ردع روسيا بمعية الأميركيين ومشاركتهم، في الساحة السورية لتوسيع هامش المناورة العملانية الاعتدائية لإسرائيل في سوريا. وهي المحاولة التي تعدّ طموحة جداً، رغم أنها في الموازاة أيضاً، تؤكد أن ما تقوم به إسرائيل في سوريا، لم يعد كافياً، ولا يحقق نتائجه المرجوة منه.
يحيى دبوق - الأخبار
إضافة تعليق جديد