قتال إسرائيلي على صورة انتصار... موهوم
قادت إسرائيل، أمس، حرباً لافتة جداً في دلالاتها، على صورة اقتدارها و«نصرها» أمام جمهورها، في تناقض واضح بين المعطى الميداني والمعطى الإعلامي العبري الذي تناغم تماماً مع الرواية الرسمية، ليمنح إسرائيل نصراً في الشكل، حرصت القيادة الأمنية على تحقيقه، بعيداً عن المعطيات الميدانية لجولة القتال الأخيرة.
وإن كانت اسرائيل في روايتها الرسمية المغلوطة عن «انتصار» في جولة قتال أمس، قد أقنعت جمهورها على المدى القصير، لكنها غير صالحة لإقناعه في مرحلة ما بعد القتال واتضاح الصورة التي بدأت تتكشف حتى لدى الإسرائيليين أنفسهم، رغم الجهد الكبير جداً في تحويل الاهتمام من كفة ميزان قتالي إلى آخر، بعيداً عن التداعيات في الساحة الإسرائيلية التي عانت ليلاً طويلاً جداً لم تشهد له مثيلاً من عام 1973، بعد أن تحوّل الجولان إلى جبهة قتال واسعة، تلقى خلاله أكثر من ستين صاروخاً من مختلف الأنواع والأحجام، كان عرضة لتحريف واضح ولافت جداً، في رواية إسرائيل الرسمية.
وفي مقارنة ما بين التغطية الاعلامية الفورية خلال ليلة القتال أول من أمس، واليوم الذي تلا القتال، بدت الروايات الإسرائيلية متناقضة وتفيد وتؤشر على التحريف. فبعد أن كانت الرواية سقوط عشرات الصواريخ على المواقع العسكرية الإسرائيلية على طول خط الجولان المحتل، اعترضت الدفاعات الجوية جزءاً منها والآخر سقط في مناطق مفتوحة، تحوّلت الرواية في اليوم التالي إلى مجرد اعتراض أربعة صواريخ، فيما سقطت الصواريخ الأخرى في الأراضي السورية.
إلى ذلك، كان واضحاً أن إسرائيل واصلت قيادة معركة الصورة مع جمهورها تحديداً، ومع جمهور الطرف الآخر، علّ الرواية تصل اليه أيضاً، علماً بأنّ للتحريف وتضخيم المعطيات الميدانية وحجم الردود والمغالاة في التبجّح الفارغ، دلالات على محدودية القدرة والفاعلية والتراجع في الموقف والمكانة الفعلية، أمام صاحب القرار في الجانب الآخر من الحدود، الذي يدرك جيداً المعطى الميداني، ولا يتأثر بتضخيم الصورة غير الموجودة فعلياً.
كان لافتاً ليلة القتال الصراخ في المستوطنات والمسارعة إلى فتح الملاجئ ومن ثم مجاراة المؤسسة الأمنية للمبادرة الذاتية للمستوطنين. كانت لافتة ليلة القتال، على سبيل المثال، التقارير الواردة من مستوطنة المطلة عن أضرار في المنازل نتيجة تساقط صواريخ عليها، الأمر الذي دفع السلطات إلى طلب فتح الملاجئ فيها، وفي كل مستوطنة يسقط فيها أو بالقرب منها صواريخ أو بقايا صواريخ، فيما جاءت الرواية في اليوم التالي أن هذه الاضرار كانت نتيجة عزم الصليات الصاروخية الإسرائيلية الموجهة إلى سوريا!
أكثر من ذلك، غاب في اليوم الثاني حديث الليل والإقرار بإطلاق صاروخي «باتريوت» اعتراضيين، أكده في حينه المراسلون ورئيس بلدية صفد، فيما صمت الاعلام في اليوم التالي عن حقيقة الاطلاق، وعن سبب الاعتراض، وعن نوعية الصواريخ التي جرى اعتراضها.
إلى ذلك، بات بالإمكان فهم البيان العسكري الإسرائيلي لليوم التالي، وكذلك مواقف وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين: استبسال في تكوين صورة انتصار، حتى مع تعمية المعطيات وتحريفها، ورغم إدراكهم أن عدوّهم مدرك للمعطيات بتفاصيلها، إن لجهة الصليات والهجمات الابتدائية، أو الرد الإسرائيلي وحجمه ومحدودية تأثيراته الفعلية. وبحسب وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، كعينة من التصريحات والمواقف الرسمية:
«إسرائيل استهدفت معظم البنى التحتية ومواقع إيران في سوريا بعد الهجوم الذي استهدف مواقع الجيش الإسرائيلي في الجولان؛ إيران تلقّت ضربة قوية جداً، دمرنا كل البنية التحتية الإيرانية في سوريا! وإذا كان عندنا مطر، فسيكون عندهم طوفان».
ورغم أن معظم الاعلام العبري جارى الرواية الرسمية وانقاد لها، إلا أن عدداً من التقارير العبرية أثار أسئلة تشكيك بلا إجابات، من شأنها أن تثير الشك لدى الجمهور الإسرائيلي، وإن كان ميالاً بطبيعته إلى تصديق نظرية الانتصار، رغم وجود مساحة تشكيك فيها.
شذّ، إلى أمس، رئيس حزب «يش عتيد»، يائير لابيد، في مهاجمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على سياساته المعتمدة تجاه الساحة السورية. ومن موقف لابيد تتكشّف جملة معطيات، من بينها موقف عدد من قادة المؤسسة الأمنية، المعارض للتوجه الحالي والقلق من تأثيراته السلبية على إسرائيل. وبحسب لابيد، فإنّ المؤسسة السياسية «لم تعد تفرّق بين القوة والغطرسة». وأضاف «يجب على الجمهور أن يعلم ما يقوله كبار مسؤولي الأمن والاستخبارات طوال الوقت خلف الكواليس، نتنياهو لا يقودنا في الاتجاه الصحيح. إنه يعمل كثيراً في السياسة الداخلية والتقاط الصور، وأقل في تحديد السياسات».
تهديد أميركي
في موازاة الحرب على الصورة، مُنيت إسرائيل وأيضاً الولايات المتحدة بما يمكن وصفه بالهزيمة، من شأنها أن تظهّر الموقف الإيراني وصلابته وإرادته، على فرض أن إيران هي التي أطلقت صليات الصواريخ على المواقع العسكرية الإسرائيلية. صلابة في مقابل تهويل يفترض أن الصراخ والتهديد يؤديان إلى تراجع الإيرانيين.
موقع «واللا» العبري كشف أمس عن رسالة تهديد أميركية، أرسلت في الفترة الأخيرة إلى إيران، مفادها أن أي ضربة إيرانية لإسرائيل فإن الولايات المتحدة سترد عليها. وبحسب مسؤولين رفيعي المستوى في إسرائيل، نقل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو رسالة في الآونة الأخيرة إلى إيران، حذّرها فيها من عملية قاسية وردّ واسع إن استهدفت إسرائيل.
بناءً على التهديد الأميركي، وبناءً على الضربة الإيرانية الصاروخية، إن كانت طهران وراءها بالفعل، يمكن الإشارة إلى نتيجتين اثنتين: وصلت الخشية الإسرائيلية من ردّ إيراني إلى الحد الذي تتوسل فيه الولايات المتحدة تهديد إيران، علّ التهديد يدفع الإيرانيين إلى التراجع، وهو المعطى الذي يظهّر حالة أو مستوى من الضعف الإسرائيلي في مواجهة إيران؛ من ناحية ثانية، يشير هذا المعطى إلى مدى صلابة الموقف الإيراني في مواجهة إسرائيل، وعدم اكتراثه للتهديدات الأميركية ومستواها وطريقة إيصالها ومضمونها الحاسم في تظهير الموقف المدافع عن إسرائيل والرد على استهدافها.
يحيى دبوق : الأخبار - من ملف : «ليلة الصواريخ»: معادلة جديدة لبناء الردع
إضافة تعليق جديد