العودة إلى «المربع الأول»
دون أي مؤشرات ميدانية حتى اللحظة، بقي اتفاق «سوتشي» معلقاً وعلى قيد انتظار قرار أنقرة تطبيق البنود التي تعهدت بها.الغموض الذي يسود المشهد شمالاً ومعه الخيارات المنتظرة قبيل أيام قليلة من انتهاء المهل الزمنية المحددة وفقاً لما جرى الاتفاق عليه، لم ينسحب على المواقف المعلنة للميليشيات والفصائل الإرهابية التي خرجت ببيانات رفض واضحة لأي خطوة تركية باتجاه سحب سلاحها والخروج من المناطق «منزوعة السلاح».
ومع الإعلان الذي صدر عن الإرهابي «أبو محمد الجولاني»، بأن سلاح إرهابييه هو «خط أحمر»، بدت الخيارات التركية أكثر تعقيداً، وعاجزة عن الإتيان بأي بديل يجنبها السيناريوهات التي سعت طويلاً لمنع تطبيقها على أرض الواقع، أقله الذهاب صوب المواجهة مع «هيئة تحرير الشام» الفصيل الأكثر دلالاً لدى المخابرات التركية على مدى السنوات السابقة، والذي تلقى الدعم الأكبر والأكثر سخاء وقتها على أمل تطبيق سيناريو فرض الأمر الواقع شمالاً، السيناريو الذي كانت التطورات الميدانية والسياسية والإقليمية اللاحقة كفيلة بالقضاء عليه.
الخيارات السياسية الموازية والتي حاول رجب طيب أردوغان الدفع باتجاهها، عندما أعلن عن قمة رباعية ستجمعه مع الجانب الروسي والفرنسي والألماني، في محاولة منه لتوسيع دائرة التدخل بتنفيذ ما تعهد به في «سوتشي»، تبدو هي الأخرى في طور الفشل، بعد إعلان الإخفاق بالتوصل إلى نتائج إيجابية بالتحضير لهذه القمة، وذهاب التصريحات الفرنسية للتماهي مع نظيرتها الأميركية بخصوص تسليم سورية منظومات «إس300»، واعتبار أن الأمر ينذر بتصعيد خطير، ما سيعني بالضرورة تناقضاً روسياً فرنسياً جديداً، يضاف لما سبقه من تناقضات، ويبعد في الوقت ذاته فرص حصول اجتماع قريب على أي طاولة مباحثات سياسية، ستحمل العنوان السوري في أجندتها.
المعطيات الميدانية الأخرى التي دخلت على خط رفع احتمالات العودة إلى خيارات ما قبل «سوتشي»، هو تغير لغة الخطاب الأميركي بخصوص نوايا البقاء في سورية، والتحول في الأهداف التي كان سبق لـ«التحالف الدولي» إعلانها، بحيث لم يعد القضاء على «داعش»، هو المحرك الأساسي لبقاء هذه القوات في منطقتي «التنف» ومناطق في أقصى الشمال الشرقي، وإنما تغيرت الأولويات ليصبح شعار «إبعاد إيران» والوصول إلى حل سياسي في سورية، الهدف الرئيسي لقوات «التحالف» ما سيدفع بالحلف المقابل «سورية وروسيا وإيران» للتفكير حتماً بطرق مواجهة هذا المتغير الجديد، وسحب ورقة إدلب من التدوال والتفرغ لمنطقة شرق الفرات سيكون أحد هذه الخيارات بالضرورة.
التأكيدات الروسية المتلاحقة بضرورة التقيد بالمهل، والقضاء على الإرهاب في إدلب كلها رسائل واضحة إلى من يهمه الأمر في أنقرة، والتي لازالت تسير في خيارات اللعب على جميع الحبال، واستخدام ورقة الابتزاز الإرهابي ما أمكن دون النظر إلى المتغيرات الاستراتيجة الكبرى التي فرضتها المعطيات الأخيرة، والتي بدورها أخرجت إلى حد كبير «العامل الإسرائيلي» من المعطى السوري، والذي حاول بشتى الوسائل إطالة زمن الحرب ما استطاع إليه سبيلا.
حسابات «سوتشي» التركية التي لم توافق بيدر إدلب حتى اللحظة، ستدفع الأطراف المعنية باتجاه العودة صوب «المربع الأول»، واستئناف العمل العسكري ضد الميليشيات الرافضة للاتفاق، وإسقاط آخر أوراق أردوغان في إدلب، وتطبيق السيناريوهات الأكثر إيلاماً له.
العودة إلى «المربع الأول» في الخيارات، لا يعني بالتأكيد انهيار اتفاق «سوتشي» والذي بدأ الإعلام الغربي بالترويج له تحضيراً ربما لعودة مقابلة لتصريحات كان جرى استهلاكها بما فيه الكفاية بخصوص استخدام «الكيميائي» وما شابه من تلك التصريحات.
الذهاب صوب استئناف العمليات العسكرية ضد إرهابيي «جبهة النصرة» و«الإيغور» و«الحزب الإسلامي التركستاتي» وغيرهم من الميليشيات الإرهابية، هو تطبيق حرفي لبنود الاتفاق الذي رحبت به معظم الأطراف الدولية بما فيها أميركا وأوروبا، والقضاء على الإرهاب كان الهدف الأول وقتها، وعليه فإن عودة التهديدات الغربية والتي قد تشكل أحد رهانات أنقرة في منع تطبيق باقي بنود الاتفاق، لا تبدو واردة بالشكل الذي كانت عليه الأمور قبيل «سوتشي».
ما يهم السوريين في كل ما يجري تداوله اليوم هو استعادة أراضيهم وسيادتهم على كامل جغرافية بلادهم، وإخراج كل العوامل غير الشرعية سواء بالعودة إلى «المربع الأول» بالخيارات، أو بغيرها من «المربعات» السياسية والميدانية التي قد تفرضها الوقائع والحسابات الإقليمية والدولية.
الوطن
إضافة تعليق جديد